| مدارات شعبية
تعتبر المحاورة الشعرية (القلطة) فناً من الفنون الجميلة في جزيرتنا العربية وتتبوأ موقعاً مهماً وقيماً بين هذه الفنون, ويعتبر الشاعر مجيداً لهذا الفن إذا توفرت فيه عدة صفات منها: سرعة البديهة وسعة الصدر والحنكة والقدرة على فهم المعنى واحترام الآخرين والتجريب والصبر.
وما يعنينا في هذا الموضوع (فهم المعنى) وقد تميز شعراء العقود الماضية (1370ه 1410ه) باجادتهم لفهم المعنى الذي يقصده الشاعر المقابل، لذلك نجد انه نادراً ما يخطئ شاعر في الرد على زميله بمعنى مغاير للذي يقصده فالفتل والنقض سمة شعراء ذلك الجيل وهدفهم الوحيد في محاوراتهم، واصبح المتذوقون (للمحاورة) فئة منتقاة من أفراد المجتمع المتابعين للفنون الشعبية، تعشق هذا الفن وربانه وتتابعهم في الاحتفالات والمناسبات وتتغنى بشعرهم حفظاً وتأخذ وقتاً طويلاً في تحليل ما يعنيه الشاعران في تلك المحاورة، حتى إن البعض يضطر للاستنجاد بالشاعر لمعرفة ما يقصده في ذلك البيت أو غيره، مما جعل للمحاورة قيمة بين أنواع الشعر المختلفة.
إلا أن الذي طرأ على المحاورة في الآونة الأخيرة وتحديداً خلال عشر سنوات مضت اتجه بهذا الفن اتجاها آخر ومغايراً للنهج الذي سارت عليه قبل ذلك وانساق أغلب الشعراء المعاصرين إلى تحقيق رغبات بعض الجماهير الدخيلة على هذا الفن التي تحضر فقط للمشاهدة وقضاء الوقت بالضحك وتحاول تعطيل المحاورة إذا اتسمت بالجدية والنزاهة وبعد المعنى وذلك بجلوس المشاركين في الصفوف واحداً تلو الآخر أو اطلاق عبارات تنادي بالتغيير فأصبح المعنى مكشوفاً في أغلب المحاورات والشتم والتندر بالآخرين هي السمة الرئيسة لها وذلك ارضاء لتلك الفئة من الجماهير.
لذلك لا بد من وقفة تصحيحية تعيد لهذا الفن هيبته وقيمته ولا بد أن يتبنى ذلك ويقوم به من أطلق عليهم سادة المحاورة في الوقت الحاضر في ظل اقلال عميدها الشاعر الكبير أحمد الناصر الشايع من المشاركة في العشر السنوات الأخيرة وكذلك الشاعر رشيد الزلامي وغياب الشاعر مطلق الثبيتي رحمه الله رحمة واسعة ويكون ذلك بالبعد عن المهاترات والعودة للاصول النبيلة التي قامت عليها المحاورة لكيلا يأتي يوم تصبح فيه المحاورة من الفنون التي لا يرغبها المجتمع ونفقد بذلك فنا جميلا من فنوننا الشعبية العريقة.
|
|
|
|
|