أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 13th July,2000العدد:10150الطبعةالاولـيالخميس 11 ,ربيع الثاني 1421

الثقافية

علم العروض
يحيى توفيق حسن
جاء في التوشيح الوافي والترشيح الشافي في شرح التأليف الكافي في علمي العروض والقوافي لابن حجر العسقلاني عن الحسين بن يزيد انه قال: سألت الخليل عن علم العروض فقلت: هل عرفت له أصلاً؟ قال: نعم، مررت بالمدينة حاجاً فبينما أنا في بعض مسالكها إذ نظرت لشيخ على باب دار وهو يعلم غلاماً وهو يقول له:
نعم لا، نعم لالا، نعم لا، نعم للا
نعم لا، نعم لالا، نعم لا، نعم للا
فدنوت منه وسلمت عليه وقلت له أيها الشيخ ما الذي تقوله لهذا الصبي؟ فقال هذا علم يتوارثه هؤلاء عن سلفهم وهو عندهم يسمى التنعيم، فقلت: لم سموه بذلك؟ قال: لقولهم نعم نعم قال الخليل فقضيت الحج ثم رجعت فأحكمته .
وفي بغية المستفيد من العروض الجديد للأستاذ إبراهيم علي أبو الخشب ما نصه: فيما يروى عن الخليل نفسه أنه كان بالصحراء فرأى رجلاً قد أجلس ابنه بين يديه وأخذ يردد على سمعه نعم لا، نعم لا لا، نعم لا، نعم لا لا مرتين فسأله عن هذا فقال إنه التنغيم بالغين المعجمة نعلمه لصبياننا .
وهذا الوزن هو ميزان بحر الطويل، كما وصفه الخليل في عروض الشعر فعولن، مفاعيلن، فعولن، مفاعيلن .
نعم لا، نعم لا لا، نعم لا، نعم لا لا .
وأياً ما كان الأمر فإن الثابت هو أن الخليل ابن أحمد أراد أن يبتدع ويؤسس أوزاناً للشعر العربي خشية من تخبط الناس بعد اختلاط جنسيات أخرى غير عربية تماماً كما خشى أبو الأسود الدؤلي على النحو والصرف الذي لم يكن علماً بل كان فطرة لدى البدو الرحل يتوارثونه بطبعهم وفطرتهم في صحرائهم قبل أن تدخل عليهم عوامل التحضر والاختلاط بأجناس وملل شتى من الأعاجم الذين أثروا في العربية تأثيراً سلبياً أدى إلى ضياع كثير من أصولها وقواعدها الثابتة، لولا أن تداركها الإمام علي كرم الله وجهه فوضع علم النحو والصرف وسن للناس علماً يتبعونه إذا اختلفوا في أمر من أمور النحو والصرف,, فأراد الخليل أن يسن للناس علماً اقتبسه من أوزان أشعار العرب السائدة منذ عهد الجاهلية الأولى ليكون مرجعاً للناس اذا عرض لهم عارض أو اختلفوا في وزن بيت من الشعر بحيث يعرضونه على هذه الأوزان فما شذ عنها فهو دخيل لا علاقة له بأشعار العرب وموسيقى شعرهم ولهذا في الغالب سماها العروض بفتح العين وهي مؤنثة, وقد قيل كثير من التصورات والأفكار والآراء حول سبب هذه التسمية ولكن ما ذكرته هو أنسب وأقرب إلى المنطق في هذه التسمية, والتفعيلات في الأصل هي ثماني تفعيلات، فعولن، مفاعيلن، فاعلاتن، فاعلن، مستفعلن، متفاعلن، مفعولات, وقد أضاف إليها العروضيون فاع لاتن، مستسفع لن وهاتان التفعيلتان هما ذاتا التفعيلتين المذكورتين ضمن الثماني تفعيلات الأولى لولا أنهم أعادوا صياغة أسبابها وأوتادها فكل التفعيلات تتألف من أسباب وأوتاد وفواصل، فالسبب نوعان خفيف يتألف من حرفين الأول متحرك والثاني ساكن مثل من، كن، لو والسبب الثقيل وهو أيضاً حرفان ولكن متحركان مثل لك، بك وأما الاوتاد فهي ثلاثة حروف متحركان بعدهما ساكن مثل نعم، مضى، جرى وهو الوتد المجموع وهناك الوتد المفروق، وهو أيضاً ثلاثة حروف متحركان بينهما ساكن مثل قال، عيل، زيد والفاصلة أيضاً نوعان الصغرى وهي ثلاثة حروف متحركة يليها ساكن مثل ضربوا، أكلوا، رطباً، عنباً والفاصلة الكبرى هي أربعة حروف متحركة يليها حرف ساكن مثل نُزُلنا، مَلِكَنا وقد جمعها أهل العروض في هذه العبارة لم أر، على ظهر، جبلن، سمكتن .
وأجاز في هذه التفعيلات بعض التغييرات في حركات حروفها في أسبابها وأوتادها، سماها الزحاف والعلة , فالزحاف وهو يأتي عادة في حشو البيت تغيير حركة ثواني الأسباب التي تتألف منها أجزاء التفعيلة وقسَّمه إلى نوعين زحاف مفرد وزحاف مركب، فالزحاف المفرد ابتدع له أسماء لتمييزه وهي:
1 الأضمار: وهو إسكان ثاني التفعيلة اذا كان متحركاً وثاني السبب فيها ويدخل على متفاعلن فتصبح مستفعلن .
2 الخبن: حذف الثاني متى كان ساكناً وثاني سبب.
3 الطي: حذف رابع التفعيلة متى كان ساكناً وثاني سبب.
4 الوقص: حذف ثاني التفعيلة متى كان متحركاً وثاني سبب.
5 العصب: إسكان خامس التفعيلة متى كان متحركاً كما في مفاعلتن، فتسكن اللام فيها لأنها في الأصل متحركة.
6 القبض: حذف خامس التفعيلة متى كان ساكناً مثل فعولن تصبح فعول .
7 العقل: حذف خامس التفعيلة متى كان متحركاً وثاني سبب مثل مفاعلتن تصبح مفاعلن .
8 الكف: حذف سابع التفعيلة متى كان ساكناً وثاني سبب.
أما الزحاف المركب فهو:
1 الخبل: وهو جمع الخبن والطي في مستفعلن ومفعولات .
2 الخزل: وهو جمع الاضمار والطي في متفاعلن .
3 الشكل: وهو جمع الخبن والكف في فاعلاتن ومستفعلن .
4 النقص: وهو جمع العصب والكف في مفاعلتن .
وأما العلل فهي تغيير يحدث فقط في العروض وهو آخر تفعيلة من صدر البيت وفي الضرب وهو آخر تفعيلة من عجز البيت, وهو اذا دخل على الضرب في أول بيت في القصيدة وجب أن يدخل على كل أبيات القصيدة في الضرب فقط، والعلل تكون بالزيادة على عدد حروف التفعيلة أو بالنقصان من أصل حروفها,, فالعلل التي بالزيادة هي:
1 الترفيل: زيادة سبب خفيف على كل ما آخره وتد مجموع مثل:فاعلن فتصبح فاعلاتن .
2 التذييل: وهو زيادة حرف ساكن على التفعيلة التي تنتهي بوتد مجموع مثل مستفعلن فتصبح مستفعلان .
3 التسبيغ: زيادة حرف ساكن على ما ينتهي بسبب خفيف مثل فاعلاتن فتنقلب فاعلاتان .
وعلل النقص تسعة هي:
1 الحذف: هو إسقاط السبب الخفيف من آخر التفعيلة مثل مفاعيلن فتصبح مفاعي وتحول إلى فعولن.
2 القطف: إسقاط السبب الخفيف واسكان ما قبله مثل مفاعَلتُن فتصير مفاعل وتحول إلى فعولن.
3 القطع: حذف ساكن الوتد المجموع وتسكين ما قبله فاعلن تصبح فعلن ومتفاعلن تصبح فعلاتن ومستفعلن لكي تصبح مفعولن.
4 القصر: حذف ساكن السبب الخفيف وإسكان متحركه فاعلاتن تصبح فاعلات وفعولن تصبح فعول.
5 البتر: حذف سبب خفيف مع القطع في الوتد الذي قبله فعولن تصبح فع وفاعلاتن تصبح فعلُن .
6 الحذف: هو حذف وتد مجموع من آخر التفعيلة متفاعلن تصبح فَعِلُن .
7 الصلم: هو حذف وتد مفروق من آخر تفعيلة العروض أو الضرب، مفعولات تصبح مفعو وتحول إلى فعلن .
8 الوقف: إسكان آخر الوتد المفروق من آخر تفعيلة العروض أو الضرب مفعولات تصبح مفعولان .
9 الكسف: حذف آخر الوتد المفروق من آخر تفعيلة العروض أو الضرب مفعولات تصبح مفعولاً وتنقل إلى مفعولن .
وهذه هي مجموع الزحافات والعلل حسبما وردت في كتب العروض مجتمعة ،وهي كما ترى تصيب المبتدئ بالعلل وتهول له الأمر بدلاً من أن تسهل له معرفة الوزن اللهم إلا إذا كان شاعراً مطبوعاً فهو في الغالب لا يحتاج إلى كل هذه الأدوات إلا اذا اشكل عليه الأمر وقد يشكل عليه في حالة واحدة,, فهو برغم أذنه الواعية بموسيقى الشعر قد يخلط بين بحرين قريبين فيكون الصدر مثلاً من بحر المديد ثم يأتي العجز من بحر الرمل فالموسيقى متكاملة في شطري البيت وان اختلفت البحور ولكنها متقاربة التفعيلات فالمديد فاعلاتن فاعلن فاعلاتن والرمل فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن أي أن الفرق هو سبب خفيف في التفعيلة الوسطى واحتمال الخطأ نادر جداً ولكنه وارد، وقد يحدث ثم لا يلبث إذا أعاد الشاعر تلاوة البيت في سياق القصيدة فإنه يكتشفه.
ومع ان هذه الزحافات والعلل جائزة وهي مسموح بها وهي لا تعيب الشعر أو الشاعر إلا أن الاستغناء عنها أحكم للشاعر وأدل على قدرة ملكته وقوة طبعه على ان الزحاف في بحر الخفيف في مستفعلن مستحب وهو الخبن وهو حذف الثاني الساكن من التفعيلة فتصبح مفاعلن بدلاً من مستفعلن إلا أن الطي ممنوع منعاً باتاً فيها في بحر الخفيف,, ولقد يكون البيت مع استعمال الخبن في مستفعلن أخف على الأذن وأكثر تشبعاً بالجرس الموسيقي من استعمال التفعيلة كاملة وهذا بيت استعملت فيه التفعيلة كاملة مستفعلن من بحر الخفيف.


وذكرت الحمراء مرتع حبي
فبكت من ذكرى هواك عيوني

وفي نفس القصيدة استعملت مفاعلن المخبونة


كم شدا الطير في رباك وغنى
لحن ذكراك في فؤادي الحزين

وكما ترون وسوف تحسون ان البيت الأول فيه قليل من الثقل في اللسان والاذن بينما الثاني بزحافه أخف على الأذن وأكثر جرساً في موسيقاه، لهذا فإن بعض علماء العروض يفضلون عند ذكر التفعيلات في الخفيف اضافة الزحاف إلى مستفعلن لكي تصبح عروضه فاعلاتن مفاعلن فاعلاتن.
ومهما يكن فإن الزحاف يسهل مهمة الشاعر على أن تكراره كثيراً غير مستحب ويدل على عجز في ملكة الشاعر والأمر عائد إليه فإذا تعود أن يصوغ شعره بتفعيلة كاملة وساعده طبعه وقريحته وملكته فسوف يجد نفسه في ذلك على الدوام وتستوي له الأوزان وينطلق فيها بلا أي مشقة غير أن المشقة تحدث عندما يحس الشاعر المطبوع انه لم يقل شعراً لفترة طالت,, ويحس بالحنين ويدفعه ذلك إلى أن يقول شعراً دون أن يوجد هناك حدث أو انفعال بحدث عندها تصعب عليه القوافي وينقطع به ويسقط في يده,, ويضطر إلى أن يرص الحروف رصاً وبهذا يحكم الشاعر على نفسه بالاعدام كشاعر لأنه سيأتي بشعر لا روح فيه ولا حس ولا طعم ولا لون وما أكثر هؤلاء الذين تعودوا وعودوا أنفسهم على ذلك فماتوا كشعراء وهم لا يدرون أنهم ماتوا,, فالمعاناة هي الأساس والانفعال بتلك المعاناة هما روح الشعر والشعر في ذاته ينبغي أن يكون ردة فعل لكل ذلك حتى يكون فيه حياة وروح وحس وماء,, وما عدا ذلك فإنه نظم بارد ممل مهما اجتهد فيه الشاعر وزينه بالمفردات الرنانة.
وكما أن لحشو البيت أسسه فإن للقافية أيضاً نظاماً ثابتاً ينبغي الالتزام به وأول التزام يكون هو الالتزام بجعل الحركة الصوتية التي تأتي في آخر البيت متطابقة مع بقية حركات الأبيات التي تلي أول بيت فإذا قال مثلاً:


سمراء رقي للعليل الباكي
وترفقي بفتى مناه رضاك

فعليه أن يلتزم بهذا الحرف المكسور الكاف في الباكي وفي رضاك إلى آخر القصيدة وإن أورد القافية في قصيدة أخرى مرفوعة كقول أبي فراس:


أراك عصي الدمع شيمتك الصبرُ
أما للهوى نهيٌ عليك ولا أمرُ

وجب عليه أن يواصل ذلك الحرف المرفوع ذاته الراء إلى آخر القصيدة، وهكذا إذا قيد القافية وأسكن حرف الروي فيها مثل:


وقل لبني عمنا الواجدين
بني عمنا,, بعض هذا الغضب

فحرف الباء الساكن في الغضب هو حرف الروي ويتبع الحرف الساكن في الروي الحرف المشدد الساكن مثل:


كم يحن المرء إن طال السفر
فإذا بعد النوى عاد استقر

فالراء في استقر مشددة في الأصل فإذا حركتها أصبحت حرفين الأول ساكن والثاني متحرك استقرَّ لكن إذا أسكنتها مع الروي الساكن في القصيدة السفر تعتبر حرفاً واحداً ساكناً وهو وارد ومسموح به في القافية فقط، فإذا اراد اتباعها بالهاء الساكنة مثلاً كانت القافية شجنُ مرفوعة وأراد اتباعها بالهاء الساكنة لتصبح شجنُه فينبغي ان يحرص على ان تكون حركة النون واحدة فلا يقول شجنَه ثم في بيت آخر يقول بدَنِه فذلك إقواء وهو عيب من عيوب القافية فإذا أراد ان يحرك حرف الهاء فيقول مثلا اشجانها أو اشجانُه فينبغي أيضا ان يحرص على ان تكون حركة النون واحدة في كل أبيات القصيدة لأن النون هي الروي في كل ذلك والهاء الساكنة التي بعدها هي حرف الوصل والحرف المتولد من حركة الهاء المتحركة هو الخروج أما اذا سبق الهاء حرف مد فعندها تصبح الهاء ذاتها هي حرف الروي القافية مثل:


اني علقت على الهدى
لمياء يقتلني لماها

فالهاء: في لماها روي والألف بعدها حرف وصل .
على ان هناك حروفاً أصلا لا تصلح ان تكون قافية روي وهي حروف المد الثلاث ا، و، ي لأنها في واقعها تشير الى حركة الحرف الذي قبلها مثل إماما فالألف الأخير هي اشباع لحركة الميم فهي ليست صالحة لأن تكون قافية لان الميم هي القافية وكذلك لو ان القافية كانت أمامي أو زعموا فالياء والواو اشباع لحرف الميم التي هي القافية، والثلاثة حروف هي حروف الوصل هنا وآخر حرف صحيح في البيت هو حرف الروي مثلا:
أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
آخر حرف ينطق فيها هو حرف الراء في الصبر ، وهو الروي وتنسب اليه القصيدة فيقال مثلا رائية أبي فراس أو رائية ابن أبي ربيعة.
فإذا اشبعنا حركة حرف الروي ان كانت مرفوعة أصبحت الصبرو أو منصوبة الصبرا أو مكسورة الصبري فإن الواو والألف والياء هذه هي ما تسمى حرف الوصل او اذا وصلنا حرف الروي بها ساكنة او متحركة فتصبح صبره او صبرها فالهاء الساكنة او المتحركة هنا هي حرف الوصل كما أسلفت وشرحت سابقا والراء هي القافية.
وهناك استثناء في حرف المد فمثلا حرف الألف المقصورة مثل هدى وكرى ومدى وشذى فهذه الألف يمكن ان تكون حرف الروي ومثلها الألف الممدودة التي تحذف الهمزة التي بعدها مثل وفاء وقضاء وعناء وذلك لأنها من أصل بنية الكلمة وليست دخيلة عليها فتقول مثلا:


رب، إني اليوم خصم لهم
جئت مظلوما وذا يوم القضا
نقضوا عهدي وقد أبرمته
وعرى الدين فما أبقوا عرى

فالألف في آخر قضا وعرى هي حرف الروي.
ويمكن للياء ان يكون حرف روي اذا كانت من اصل بنية الكلمة ومكسور ما قبلها مثل:


نروح ونغدو لحاجتنا
وحاجات من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته
وتبقى له حاجة ما بقي

وهناك الياء المتحركة مثل:


سرى لك طيف في دجى الليل باكيا
يذكرني عهد الهوى والتصابيا

وهذه ما أكثرها في شعر الأوائل والمتأخرين وكذلك الياء اذا أتبعتها بتاء التأنيث المربوطة مثل:


هذه الدنيا حياة فانية
إنما الجنة دوما باقية

فالياء في فانية وباقية هي حرف الروي وعليك ان تحرص عليها في كامل القصيدة,وكذلك الواو قد تصلح لحرف الروي اذا كانت من اصل بنية الكلمة وساكنة مضموم ما قبلها مثل يدعو يشكو يصفو والهاء الأصلية المتحرك ما قبلها مثل النقَه والشبَه يمكن ان تكون رويا وكما نوهت اذا سبق الهاء حرف مد أصبحت ايضا رويا للبيت, وتاء التأنيث مثل قامت نامت هامت او عمتي خالتي يمكن ان تكون حرف روي.
وكاف الخطاب مثل يصونك، يودك، يشدك، يجوز ان تكون رويا وقد يستحسن الا تكون حرف روي لأنها تكون أروع وأجمل لو اعتبرت وصلا والتزم الشاعر للروي بحرف قبلها في كل أبيات قصيدته مثل:


إن أخاك الحق من كان معك
ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك
شتت فيك نفسه ليجمعك

فالعين في هذين البيتين هي الروي وكذلك الميم المسبوقة بهاء مثل هم أو المسبوقة بالكاف مثل لكم، ويستحسن لو يسبقها مع كافها او هائها حرف يعتبر هو الروي مثل:


لبيكما لبيكما
ها أنذا لديكما

فالياء هنا هي الروي طالما ان الشاعر قد التزم بها في كل أبيات القصيدة اما اذا لم يلتزم فإن الميم تكون رويا سواء كانت مقيدة أو متحركة.
وهناك حرف مد قد يأتي قبل حرف الروي الذي هو آخر حرف في القصيدة مثل شعارا أو دورو أو سفيري فان حرف المد هذا الذي جاء قبل الراء يسمى الردف وهناك حرف مد يأتي قبل الحرف المتحرك الذي يسبق حرف الروي مثل زائل، مائل فالألف التي في زائل والألف التي بعد الميم في مائل تسمى التأسيس واللام هي حرف الروي وحركتها هي حرف الوصل، فإذا قلت مثلا شمائلا رسائلا ومعاملا فأنت ملزم ان تتقيد على ان توحد حرف التأسيس هذا حرف المد الألف فلا تقول مثلا مع شمائلا سموءلا أو مصهلا بل ينبغي ان تلتزم بحرف مد واحد لكامل القصيدة كتأسيس.
والحرف المتحرك الذي بين التأسيس والروي يسمى الدخيل هو في شمائلا الهمزة التي قبل اللام وقد اهتدى الخليل بن احمد الفراهيدي في مجمل بحثه الى خمسة عشر بحرا جزأ عليها أوزان الشعر العربي برمته وجاء بعده الأخفش ليضيف الى هذه البحور بحرا آخر هو المتدارك وهو فعلن ثماني مرات ومنها رائعته المعروفة:


يا ليل,, الصب متى غده
أقيام الساعة موعده

وهي القصيدة التي عارضها اكثر من مئة شاعر كان آخرهم شوقي في قصيدته:


مضناك جفاه مرقده
وبكاه ورحم عوده

وعلى هذه الستة عشر بحرا بني الشعر العربي كله وان كان بعض الشعراء قد حاولوا الشذوذ عن ذلك واستنباط أوزان جديدة كأبي العتاهية الا انه لم يبق ولم يثبت على مر الزمن الا هذه الأوزان الستة عشر وما شذ عنها فهو دخيل على الشعر العربي الأصيل.
أرأيتم يا أحبائي يؤثر إخواننا الحداثيون قصيدة النثر لأنها تنقذهم من كل هذه البروتوكولات التي يجب الالمام بها قبل الدخول الى عالم الشعر,, إنهم يريدون الانتماء الى الشعر ولكنهم لا يريدون ان يبذلوا أي جهد ولا ان ينصهروا في بوتقة الشعر الحقيقي وذلك لأنهم ليسوا شعراء مطبوعين فأرادوا عجزا اختصار الطريق بإلغاء العروض برمتها ومع ان هذه الأسس والقواعد قد يلم بها الأكاديميون فهي موجودة في كتب التراث ولكن الالمام بها لا يمكن أن يخلق شاعرا,, ان الشاعر الحق يولد بفطرته وطبعه شاعرا انها ملكة مركبة في ذات المرء منذ ولادته تتواءم وتتناسق مع فطرته وطباعه وذوقه وسماته,, وكما ذكرت في مقالاتي السابقة فإنها تتكيف مع بيئته فاذا نشأ في بيئة شعر أصبح شاعرا ،واذا نشأ في بيئة موسيقى أصبح موسيقارا نادرا مميزا أو اذا نشأ في بيئة نحت أصبح نحاتا عظيما واذا نشأ في بيئة فن أيا كان ذلك الفن فإنه يتقنه ويصل بملكته فيه الى أقصى حدود الاتقان والتفرد,,.
إن الحداثيين يريدون تغيير الامور وقلب الحقائق ونقض المسميات وخلط النثر بالشعر كل ذلك بهدف واحد وهو ان يقال عن نصوصهم النثرية انها شعر,, والسؤال لماذا,,؟ لماذا,,؟ لماذا؟
وما هو الهدف الذي يستفيد منه أدبنا الحديث,, من اجل ذلك قرروا محو التراث واتهامه بالجمود والتخلف ووصفوا الشعر الاصيل بالتقريرية والتكرار ونسوا او تناسوا ان التراث يحمل في طياته نثرا لا أروع ولا أجمل يتمثل في المقامات والخطب الرائعة، اما في العهد الحديث فهذا جبران خليل جبران ونثره اللؤلؤي الرائع ومع ذلك فلا جبران قال ولا احد من معاصريه قال :ان نثره ذاك يعتبر شعرا، انه العجز والرغبة في الوصول الى القمم بلا أصالة او ملكة او مقومات ان كل اهبل يريد ان يكون شاعرا ويسارع الى لضم المفردات لضما ويصدر الكتاب تلو الآخر للشاعر فلان ابن علان,, ولا شيء في الكتب الا مسخ وخلط لا قيمة له ولا هدف ولا معنى,, وعندما أدركوا ان نثرهم هذا الذي أطلقوا عليه مسمى قصيدة النثر عندما يحاولون ابراز معنى له يأتي باردا ومملا خرجوا أخيرا علينا بتفسيرات تقول :إن الهدف ينبغي ان يكون الناحية الجمالية في النص وليس معنى النص وقرروا انه لا داعي لأي معنى ولا داعي لأي هدف او مغزى ،وان أروع نص هو ذلك الذي يكتنفه الغموض من كل جانب فلا يدرك معناه ولا هدفه احد، وعندما وجدوا ان شعرهم هذا لم يلق أي استحسان بل وجد إعراضا من المتلقين اتهموا كل المتلقين حتى المثقفين منهم وحتى الشعراء بالجمود والتخلف,, كل هذه الدائرة الطويلة العريضة من المغالطات لكي يقنعونا بانهم شعراء,, حتى لو كانوا شعراء بلا شعر,, المهم انهم هم الشعراء ولا احد غيرهم ،اما هؤلاء الاغبياء المتخلفون الرجعيون شعراء الشعر العمودي على حد تعبيرهم وتسميتهم لشعراء الاصالة وشعراء التراث فإنهم في رأيهم لا شيء، لا شيء على الاطلاق لأنهم يرددون كلاما مكررا مطروقا عشرات المرات على مر العصور وشعرهم شعر تقريري ممل ولو عرفوا وليتهم يعرفون ان السر في جمال شعر الاصالة والتراث انه برغم كونه شعرا له أوزان محدودة فانه على مر السنين وعلى كثرة الشعراء لم ينضب معينه وراح الشعراء في كل عصر يسبحون في بحاره التي هي أشبه بالمحيطات ويغرفون منه على مر العصور دون ان يبلى او يموت بل راح يتجدد ويزداد حلاوة وطلاوة ولو أنصفوا لأدركوا ان الشعر مر بعصور تخلف في الأمة فتخلف معها ومر بعصور ازدهار فازدهر وطاب وأينع وانه مرت فترات تجديد للشعر في العصر العباسي ثم ضمر واضمحل في عهد حكم آل عثمان الذين سحقوا اللغة العربية حتى أصابها الضمور والتخلف ،ثم جاء عهد النهضة في القرن الماضي عندما ثار العرب على عبوديتهم واستعادوا أمجاد لغتهم فكانت المدارس الشعرية كمدرسة أبولو ومدرسة الديوان ومدرسة المهجر في الشام وعادت للشعر روعته واصالته وظل ملتزما بأوزانه وبحوره ولكن بصيغ جديدة وأساليب متجددة ورائعة, ثم ابتدأت عهود الاستعمار الغربي للعرب وبدأ الضعفاء في عروبتهم يتأثرون بالثقافة الغربية بما فيها من أخطاء وما فيها من عيوب وبدأ أساتذتهم الغربيون يوجهونهم الوجهة التي تخدم أهدافهم وتخدم الاستعمار وتفتت لغتهم لغة القرآن وهي الشيء الوحيد الذي يربطهم بعضهم ببعض, وبدأت حركة التجديد العاقل مع مدرسة أبولو فقرأنا رائعة الشابي عذبة أنت وقرأنا اطلال ناجي وغيرها وغيرها وقرأنا ثورة الشك لعبدالله الفيصل,, وامتدت حلقة التجديد حتى أصيبت بانتكاسة الحداثة,, وما فيها من ثورة على التراث ونقض لكل مقوماته وثوابته وتحير كثير من المثقفين واندمج السذج والعاجزون في التيار حتى لا يقال عنهم انهم متخلفون وضموا أصواتهم مع الجميع وبقي المؤمنون بتراثهم المحافظون عليه العارفون لجوهره وجماله ثابتين لا تزعزعهم كل الدعاوي ولا يحبطهم وصفهم بالتخلف والتقريرية والتكرار بل إن المعركة كانت حافزا لهم فبدأوا يراجعون حساباتهم وراحوا يجددون ويرتفعون بأساليبهم وينتقون مفرداتهم بكل دقة وحس ووظفوا إحساسهم الصادق للخروج من الأزمة بشعر قوي متين يحمل من أساليب التجديد وأصالة المعنى ورقة المشاعر وابتعدوا عن التقريرية والنظم الممل فظلوا ثابتين في الميدان لم تزعزعهم قوة الموج ولم تجرفهم رعونة التيار وعندما وصل الحداثيون الى طريق مسدود عادوا يتراجعون,, وبدأوا يعترفون بأخطائهم وبانهم كانوا ركاب موجة حتى إن بعضهم عندما رأى موجة الشعر العامي الدارج مرتفعة ركبها وراح ينادي بأصالة الشعر الشعبي وانه يجب ان تكون له المكانة وان يوضع في المقدمة.
إن هذه الأمة قد بلاها الله بأبنائها واذا لم يرعها الله بعين رحمته فسوف يضللها بنوها ويسقطون بها ومعها الى الحضيض ولا حول ولا قوة الا بالله.
وما أريد ان أضيفه هو انه عندما انكسرت شوكة العرب في المشرق العربي وأصبحوا محكومين بعد ان كانوا حاكمين تفكك الشعر وانزوى,, لكنه في ذات الوقت عندما ازدهرت دولة العرب وحضارتهم في المغرب الأندلس راح الشعراء هناك يبحثون عن وسيلة للتجديد خاصة وهم قريبون من دول الغرب فراحوا يحاولون تأثرا بالغرب إدخال بعض التعديلات على اوزان الشعرواستحدثوا أوزانا جديدة وانواعا جديدة من الشعر فكان هناك، الموشحات، والدوبيت، وقام حتى العوام والسوقة باستنباط أوزان باللغة العامية درجت على ألسنة العامة فكان هناك الزجل، والمواليا، والكان كان، وألقوما، كل هذه الأوزان سواء منها ما كان باللغة العربية الفصحى او ما كان باللغة العامية الدارجة كلها تبخرت واضمحلت ولم يبق منها شيء فيما عدا القليل القليل من الموشحات لأن الابداع كان فيها غالبا، وعندما نطالع كتب التراث في الأندلس نقرأ تلك الموشحات التي حفظها لنا تراث الأمة العربية بالمغرب والأندلس، ولكن للأسف لن يكون لها أي امتداد على الحاضر لأنها في حقيقتها ليست لها جذور راسخة في التراث العربي الأصيل,, ولهذا انقرضت واضمحلت وتلاشت, وبهذا انتهى البحث الذي استمر نشره في عدة مقالات وسوف أقوم بمشيئة الله بجمعه في كتاب لعله يكون ذا فائدة في وسط هذه الفوضى التي يمر بها أدبنا المعاصر,, والله من وراء القصد,.
المراجع
* الخصائص ابن جني.
* منهاج البلغاء حازم القرطاجني.
* شواهد المغنى السيوطي.
* نظرية تشومسكي اللغوية جون ليونز.
* شذور الذهب لابن هشام.
* الموشح للمرزباني.
* الأمالي للقالي.
* المزهر للسيوطي.
* الشعر والشعراء لابن قتيبة.
* الصناعتين أبو هلال العسكري.
* العمدة ابن رشيق.
* الوساطة للقاضي الجرجاني.
* دلائل الاعجاز للامام عبدالقاهر الجرجاني.
* أسرار البلاغة للامام عبدالقاهر الجرجاني.
* نقد الشعر قدامة بن جعفر.
* في الشعر أرسطو طاليس.
* لسان العرب لابن منظور.
* اهدى سبيل الى علمي الخليل المرحوم الأستاذ محمود مصطفى 1892 1942.
* العقد الفريد لابن عبدربه.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved