أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 13th July,2000العدد:10150الطبعةالاولـيالخميس 11 ,ربيع الثاني 1421

الثقافية

حالة غريبة
للكاتب الأمريكي : أو هنري
*ترجمة:حصة إبراهيم العمار
عندما التقى أحد مراسلي جريدة البوست، ذات ظهيرة صديقه وكان طبيبا في مقتبل العمر من مدينة هيوستن اقترح عليه أن يتوجها الى مقهى قريب يتناولان فيه شيئا من شراب الليمون عله يطفىء بعضا من وهج الظمأ ولظى الصيف المتأجج، ووافق الطبيب فاتجها الى هناك واتخذا لهما مكانا في ركن هادىء قصي تظللهما مروحة كهربائية، وبعد ان دفع الطبيب ثمن الشراب أدار المراسل دفة الحديث صوب طبيعة عمل صاحبه سائلا إياه عما اذا كانت قد قابلته أثناء عمله حالات طبية غريبة.
نعم بالطبع رد الطبيب حالات كثيرة لا تتيح لي ضوابط المهنة إفشاءها,, علما ان هناك حالات لا تتضمن سرية خاصة لكنها غاية في الغرابة,, كتلك التي مرت بي منذ اسابيع قليلة,, ودون ذكر أية أسماء سأروي لك ما جرى.
بالتأكيد تفضل بذلك إن سمحت قال المراسل ممنيا النفس بوجبة صحفية دسمة تولمها الجريدة لقرائها وتابع: وسوف نطلب ابان ذلك مزيدا من شراب الليمون.
وبدت الجدية على ملامح الطبيب الشاب فيما يختص بذلك العرض على انه وافق بعد ان بحث في جيبه فوجد ربع دولار.
منذ اسبوع تقريبا كنت جالسا في مكتبي متطلعا الى مقدم أي مريض عندما طرق سمعي وقع أقدام رفعت على اثره نظري فوقع على شابة جميلة وخطت نحوي في أغرب طريقة يمكن لفاتنة ان تمشي بها.
كانت تترنح وتتعثر متمايلة يمنة ويسرة حتى تمكنت في النهاية وبعد جهد جهيد من الوصول الى الكرسي الذي قدمته لها وكان وجهها غاية في الجمال الا ان خطوط الكآبة والأسى كانت مرتسمة عليه لما تزل.
أيها الطبيب قالت بصوت عذب رخيم يعكس ألما ممضا دفينا أرغب في استشارتك بخصوص حالتي الغريبة ولسوف اضطر إبان ذلك الى ازعاجك بسرد تاريخ عائلتي الطويل الأليم المضرج بالمآسي الدامية.
سيدتي قال الطبيب: كلي آذان صاغية ووقتي تحت تصرفك فهاتي ما لديك إذ إن كل معلومة ستفيدني باذن الله في رسم التشخيص الملائم لحالتك, وشكرتني بابتسامة مسحت لوهلة خطوط الأسى المرتسمة على ملامحها:
كان أبي أحد أفراد عائلة آدامز المنتمية الى ولاية تكساس قد سمعت عن عائلتي لا ريب.
قد يكون الأمر كذلك أجبتها على ان عائلات كثيرة تتسمى بلقب آدامز ولذا,.
وقاطعتني باشارة من يدها لا يهم فاسمع حكايتي اذا منذ نصف قرن شب نزاع بين عائلة جدي الآدامز وعائلة عريقة أخرى من تكساس كذلك تدعى الردموند ولو ان المعارك التي نشبت بين العائلتين وما جرى من سفك للدفاء دوِّن لملأ مجلدات عدة لقد أعاد ذاك النزاع قصة الوقائع الطاحنة التي جرت بين ولايتي وست فيرجينيا وكينتاكي ,, ماض لطخته حروب الانتقام والثأر والحقد الجارف، ولو ان أحد أفراد العائلتين التقى شخصا من العائلة الأخرى لأطلق النار عليه للتو سواء أكان ذلك وغريمه يتناول وجبة في احد المطاعم,, من وراء سور,, أو حتى في دار العبادة لا يهم,, أبعاد الزمان والمكان ثانوية اما ظفر أحدهما بالآخر ما كان للحقد المتأصل بين العائلتين حد تسميم آبار وابادة مواش، واذا ما التقى اثنان فإن واحدا منهما فقط سيغادر المكان!
حتى الأطفال أيها الطبيب زرعوا الحقد والكراهية في قلوبهم حتى اذا ما شبوا عن الطوق وآن الحصاد استشرت الضغينة والقتل والفساد ورفعت كل طائفة بيرق الحرب وظلت الحال على ماهي عليه مدة ثلاثين عاما وأتى المسدس والبندقية على السواد الأعظم من أبناء القبيلتين حتى لم يتبق منهما منذ عشرين عاما سوى شخصين فرد من كل قبيلة: ليمول آدامز و لويزا ريدموند كانا في ميعة الصبا وشرخ الشباب وربيع الحسن التقيا فأدلى الغرام ضرام الوجد في قلبيهما ونسيا ما كان بين عائلتيهما من أحقاد وتزوجا فأسدلا الستار بذلك على فصل لا يوصف من الكبرياء والخيلاء والأحقاد وسفك الدماء على ان ذلك كله ويا للأسى سيدي قد أصاب كبدا غضة بريئة كنت أنا ثمرة ذلك الزواج اذ إن دماء القبيلتين المتنافرتين المتمثلة في أبي وأمي لم تمتزج في عروقي كنت طفلة عارية لكن جمالي كان باهرا.
واضح ذلك تمام الوضوح سيدتي - قاطعتها وتضرج خداها بحمرة الخجل وهنا على انها تداركت نفسها وعادت لتقول: ما أن كبرت حتى اضطرمت في ذاتي نيران متأججة وحروب طاحنة اهتز لها كياني ايها الطبيب, كل خاطرة او حركة أقوم بها تقابلها اخرى تعاكسها وتضادها تماما، انا على يقين ان ذلك كله هو نتيجة حتمية للعداء الموروث المنساب في عروقي مع ذرات دمي المائج فنصفي ينتمي الى قبيلة الآدامز فيما ينتمي النصف الآخر مني الى قبيلة الردموند ويخيل سيدي لو أني هممت بالقاء نظرة على شيء ما لاتجهت إحدى عيني صوب شيء آخر ولو اني هممت برش قليل من الملح على البطاطا لتطوعت اليد الاخرى برش شيء من السكر، وكلما امتدت يدي الى البيانو لعزف احدى روائع بيتهوفن سارعت اليد الاخرى بنقر,, احدى المارشات العسكرية ما كانت الدماء المختلفة لتتمازج في أوردتي وكثيرا ما كنت ألج محلا لبيع المثلجات فأطلب بوظة بنكهة الفانيليا فيما يهتز جسدي مناشدا إياي ان أختار نكهة الليمون وعندما يحين المساء ويرخي الليل سدوله أعمد الى ارتداء ملابس النوم فيما يؤرقني شعور مضاد,, مهيبا بي ان ارتدي ملابس الخروج واعتمر حذائي هل مرت بك حالة غريبة كهذه أيها الطبيب؟
مطلقا أجبتها إنها بالفعل حالة فريدة من نوعها ولكن ألم يتح لك التغلب على تلك الظاهرة المزعجة.
بلى سيدي بعد كثير من المران الدؤوب الطويل على ان مشكلتي الآن تتمثل في الناحية الحركية من الجسد فقط اذ إن الجزء السفلي من جسدي لا يتطابق مع ذاته,, فلو أني هممت بالمضي في اتجاه ما لأطاعتني احدى الجهتين فيما حاولت الأخرى السير في الاتجاه المغاير، وربما يعود السبب في ذلك الى ان نصفي ينتمي الى عائلة الآدامز فيما ينتمي الآخر الى عائلة الردموند ,, تلك سيدي هي مأساتي وقد انحصرت بحمد الله في كونها مشكلة حركية فقط على اني أجد التوافق الجسدي الكامل حينما أقود الدراجة اذ إن الجهة اليمنى تكون مغايرة للأخرى ترتفع هذه فتنخفض تلك,, هل مررت سيدي الطبيب بحالة كهذه لقد رأيت كيف كانت مشيتي وانا أدخل عيادتك فهل من علاج ناجع؟
انها لمن غرائب الحالات حقا سأدرس وضعك واذا ما أتيت لزيارتي في العاشرة غدا فسوف اصف لك باذن الله دواء ما!
ونهضت فأعنتها في مشيتها العجيبة حتى أوصلتها عربتها الجاثمة اسفل العيادة.
وبقيت أقلب الفكر ذاك اليوم بكامله فيما عساي أقدمه لها من عون طبي وبقيت ساهرا ليلتي استجلي الآراء وأستشير المختصين فيما يسمى بالخلاع ذاك الاختلال المعروف في الجهاز العصبي الحركي وآفات العضلات فلم احظ بما يبدد التساؤل والعجب وعنَّ لي ان اتمشى قليلا سعيا وراء نسبة باردة تطرد الكلل والملل ومررت على متجر لصديق ألماني أحببت ان استشيره في الأمر وكنت قد رأيت في حظيرته غزالين على شجار دائم فسألته عنهما وأفادني بأنه لم يتمكن من زرع الالفة فيما بينهما ولذا فقد أفرد لكل منهما مكانا مستقلا عن الآخر، وبذا انهى حالة تناطحهما المستمر وخطرت لي فجأة فكرة لمعت في خاطري لمعان البرق في عاصفة صيف مطيرة في العاشرة من صبيحة اليوم التالي كانت الشابة في مكتبي ومددت لها الوصفة الطبية ولما قرأتها بدت سحب الكدر على محياها فلم ألمُها!
جربيه سيدتي! ووافقت على ذلك وبالأمس فقط رأيتها تخطر في الشارع المقابل كأحلى الغواني مشيتها كانت رشيقة مستقيمة لا يتخللها عوج أو التواء.
ترى ما الذي حوته الوصفة؟ سأله المراسل.
طلبت منها فقط ان ترتدي الزي المعروف بالبَلمَر انه زي مكون من تنورة قصيرة وبنطال فضفاض طويل تلبسه النساء عند الرياضة أجابه الطبيب الشاب أفهمت؟ قمنا بعزل الأعضاء المتنافرة التي ينتمي كل منها الى عائلة مختلفة,, وبذا قضينا على أصل الخلاف فشفيت المريضة - ولله الحمد - ولكن مهلا,, شارفت الساعة على السابعة والنصف وأنا على موعد معها في التاسعة تماما لقد,, وافقت على ان تحمل اسمي أقصد,, اننا سنتزوج قريبا على ان هذا الخبر ليس للنشر أتسمع؟
طبعا,, طبعا قال المراسل,, ولكن ما رأيك في مزيد من شراب الليمون,,؟
وقاطعه الطبيب الشاب بعد ان هبَّ واقفا: كلا ,, كلا شكرا علي ان أذهب الآن سأراك بعد عدة أيام.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved