| الثقافية
نجيب محفوظ أصبح بعد حصوله على جائزة مثل نوبل ضمن مجموعة النخبة العالمية من الكتاب، مع انه حقيقة محدود الموهبة والذكاء اذا أخضعناه لقياسات الشكل والتكنيك والمهارات الفنية، هو يجيد السرد ولا شيء آخر، وحين وجد ان تجارب الشباب ومغامراتهم الشكلية تحرج مكانته حاول أن يجاريهم في عدد محدود من قصصه القصيرة وكتب على طريقتهم ارتبكت تجربته وعادت عليه المحاولة بكثير من السخرية دفعت به الى اقلاع سريع، وعودة الى تقليدية سالمة العواقب.
في تحديدها للأسباب التي أهلت محفوظ للجائزة ذكرت أكاديمية السويد انه قد عبر بصدق عن واقع الحياة الاجتماعية والسياسية لمصر في فترة تاريخية محددة، وهي نفس الأسباب التي أهلت كثيرين من الذين حصلوا على الجائزة من مختلف دول العالم، من شتايمبك الى كواباتا الى غيرهما وبالتالي - احتكاما الى مصداقية الجائزة تتقدم الأسباب المتصلة بالموضوع، وتتراجع أهمية الشكل عند تقدير القيمة في مهمة الكتابة الفنية، والموضوع دائما ما ترتهن أهميته بصدق التعبير عن واقع اجتماعي وسياسي لفترة تاريخية محددة في بلد من البلدان.
على جانب آخر، تبرز أهمية الموضوع حين تؤخذ النصوص الأدبية أو الأعمال الفنية كوثائق للتأريخ لفترة تنعدم عنها الوثائق التاريخية، على حين تنحصر أهمية الشكل في اثبات علاقة أو نفيها بين مجتمع تلك الفترة وبين مجتمع آخر معاصر، في بلد آخر، وعلى جانب ثالث وجد أصحاب النظريات الذين دوختهم قضية الشكل والمضمون راحتهم في الاعلان عن ان الشكل والمضمون شيء واحد، أو أنه ليس هناك شكل فني محدد يحاسب عليه الكاتب، وانما لكل موضوع شكله الخاص الذي يطالب به ويفرضه ومن ثم فالأشكال الفنية بعدد الموضوعات ذاتها، وهذا في جوهره اعلاء للمضمون على الشكل على نحو من الأنحاء.
تميزت يوميات نائب في الأرياف للحكيم ودماء وطين ليحيى حقي بصور الحياة في صعيد مصر، وقنديل أم هاشم برائحة البخور في الحسين والسيدة زينب من أحياء القاهرة، وموسم الهجرة الى الشمال للطيب صالح بعادات أبناء الجنوب في السودان، وفؤاد التكرلي ومحمد خضير وأغوار العراق، وزكريا تامر ووليد اخلاصي والحياة في سوريا، وزقزاق المغرب,, ودون ايغال في القضية أو تهويم حولها، فان كثيرا من العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية البسيطة في مكة المكرمة في القرن الماضي يمكننا ان نعرفها من قصص أحمد السباعي، أو تحديدا من خالتي كدرجان مثلا على حين ان الكتابات السعودية المعاصرة التي نالت حظها من التميز هي تلك التي ارتبطت بقوة بواقع اجتماعي محدد,, وسنجد أقوى الشواهد على هذا الادعاء في كتابات المشري - يرحمه الله - أو طوابير حسين علي حسين من نماذج المدينة المنورة أو أساطير علوان الجديدة المصاغة على شروط وأجواء الحياة الاجتماعية في أبها أو غير ذلك,, وفي ذات الوقت بقليل من الانصاف نضع كتابا لعبدالله عبدالجبار التيارات الأدبية في قلب الجزيرة العربية على رأس قائمة الأعمال النقدية السعودية الابداعية والفريدة ان لم يكن وحده هو القائمة كلها لأنه جعل من ارتباط الابداع بظرفه التاريخي والاجتماعي محور الأساس لاستقصاء شامل، وجامع مانع.
اذا سلمنا بهذه الفرضيات كلية او الى حد من الحدود نكون قد أصبحنا في مواجهة المعضلة مباشرة، تلك المعضلة التي تتمثل في حقيقتين محددتين: الأولى ان الأجيال الجديدة من الكتاب الشبان، قد بهرتهم مغامرات التجريب مع الأشكال الجديدة المصنعة في بيئات غريبة، تم استيرادها عبر تعريفات قاصرة وترجمات ركيكة دون الخضوع لمواصفات الجودة، وبعد انتزاعها عنوة من سياقها الفكري او الفني أو الاجتماعي وبغير تنبيه الى ارتباطها بواقع آخر مخالف، وهم مهووسون بولع بهذا التجريب دون اختبار قدرة الأشكال الجديدة على التعبير عن واقع اجتماعي معاش أو عجزها عن الوفاء بهذه المهمة,,، والثانية ان ارهاصات التحول عن خصوصية المجتمع الوطني بهويته وشخصيته وأصالته الى فضاء المجتمع الانساني الموعود في مزاعم العولمة هذا التحول الذي يأتي في وسط تلك الحمى من البحث عن مخرج للتميز في ركام الأشكال الغريبة، من شأنه ان يكرس للتخلي نهائيا عن أدنى التفات الى التعبير عن واقع اجتماعي معاش داخل ظرف راهن لمجتمع محدد والدخول في سباق خاسر لقدرات التلاعب بالصرعات والحيل الشكلية وهو تصور ليس بعيدا.
فبين أيدينا لكاتب من الكتاب أو آخر، مجموعة قصصية قديمة تفوح منها رائحة طرقات القرية السعودية العابقة بالمطر، وأخرى جديدة، من قصص السطر الواحد، التي كهواء الفضاء بلا طعم أو لون أو رائحة,.
|
|
|
|
|