| مقـالات
وصفت عملية فك رموز المخزون الوراثي البشري بالانجاز الموازي لوصول الإنسان إلى القمر، وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج تبدو العديد منها غير واضحة حتى الآن، وان بدأت الآمال تنعقد على هذا الاكتشاف من أجل استخدامه في التطبيقات الطبية المختلفة ولا سيما فيما يتعلق بتشخيص الأمراض وعلاجها.
زينب غصن
جريدة السفير
***
هل نحن أمام نقطة افتراق مع بداية القرن الجديد الذي اكتسى بمزيد من الكشوفات العلمية؟
إن اكتشاف الإنسان الخريطة الجينية التي تكوّنه يعد خرقاً وثورة تنذر بإماطة اللثام عن الكثير من الحقائق التي لم يستطع العلم قبل هذا الكشف أن يدخل هذه المرحلة الجديدة باستشراف المستقبل وتحديد الكثير من الآليات للتعامل مع مشاكل الإنسان الصحية والنفسية وحتى العلمية بل وإعداد الانسان وتأهيله على نحو يقدر أن يكيف قدراته وميولاته العلمية والفكرية والاجتماعية والوجدانية, يحتاج الإنسان ولا سيما الإنسان العربي إلى وقفة تأمل يعيد فيها حساباته وهو يشاهد هذه الانجازات التي تذهل العقل، هناك ثمة خلل حضاري وإنساني يكتنف تكوين النزعة الحضارية للإنسان العربي فهو لا يكاد يكون موجوداً كما كان في الألف الأول حيث أرسى بإنجازاته ملامح تلك الفترة وأصبحت تدين له الإنسانية بتقدمه الحضاري وهو انسان تلك الألفية حيث حفرياته العلمية والفكرية والثقافية على مستوى الحضارة الإنسانية تشهد له بذلك، وقد انقضى قرن العشرين دون أن يكون الإنسان العربي حاضراً بانجازاته العلمية والثقافية، وعلى العكس من ذلك فإن الواقع العربي يشهد مزيداً من التمزق والتشرذم والتآكل والتناحر وباتت تنمية الإنسان فيه ليست رقماً مهماً نتيجة للنظم الثقافية والاجتماعية التي فقدت أهميتها الإنسانية وأصبحت عرضة للمزايدات التي كانت المحرك والمحفز على الازدهار العلمي والاجتماعي آنذاك, لماذا يزدهر العربي في الألفية الأولى ويسدل الستار على عقله ويقطع مع تراكماته ويستقيل حضارياً ويصبح منهمكاً في التناحرات القبلية والصراعات الجانبية؟ يبدو أن الإنسان العربي ما زال يعيش صدمة الماضي على نحو مثالي ويعتقد ان الذاكرة والمخيال الاجتماعي التقليدي الذي لا يزال يحاكى باستحضاره في صيغة المثال والشاهد وارجاع الحاضر من خلال استشراف ذلك الماضي أكسبه قناعة ايديولوجية بأن التقدم كصيغة انسانية يجب أن تكون في اعادة ذلك الموروث وحتى لو تبدلت الظروف والمعطيات التاريخية والإنسانية وأصبحت اشتراطات المعرفة مبنية على استنكاه حقائق الواقع والاعتماد على المعلوماتية وعلى تكنولوجية الاتصالات وما شابه ذلك أو بأن هذه الأمور في بنية العقل العربي ليست إلا تقريرات لا تملك الصرامة العلمية وان المعنويات وبعض الازدهار العقلي والثقافي والاجتماعي هو الذي يحقق المعجزات في كافة المجالات الحياتية، فالمعطيات العربية قد توحي بهذا النحو دائماً، فالأمور تبدو كلية لا تتغير، فلا مجال للنسبي في قراءة التحولات الاجتماعية والحضارية للإنسان، تبقى الحقيقة مستأثرة بتلك التقريرية الأبدية التي لا تكتسب تحولها إلا من انفصالها الصارم عن الواقع مما يجعلها من المثاليات, فهذه الاكتشافات العلمية تجعل الإنسان يقترب أكثر لفهم النفس وبالتالي وضع الصيغ المناسبة لفك شفراتها التي لا يزال الكثير منها مستعصيا على الفهم فالجينوم البشري سيفرض على الانسان الانشغال في الأعوام المائة المقبلة بمحاولات البحث عن اجابات لأسئلة في شتى الميادين من الطب والعقاقير إلى الفلسفة والاخلاق ومن الاقتصاد وعلوم الحاسبات الآلية الى التمييز العرقي والسياسة , (1) والمسألة التي يمكن لها أن تكون واجهة النقاشات في العالم العربي، ماذا نفعل بمثقفينا ومفكرينا الخارقين لأنه سيأتي من ينافس عقولهم التي لم تعد تعمل سوى على طاولات المقاهي, إنها الأفكار، وهي فقط من سيحكم العالم, (2).
وهل نعيد تصميم فكرنا والتعامل مع الحقائق العصرية وفقاً لكل المعطيات التاريخية والعلمية والاجتماعية؟ أم يبقى الاغتراب أمراً لازماً لذواتنا وحقيقتنا الإنسانية في تكوينها المطلق والنسبي؟
هوامش:
1 جريدة السفير: صناعة العقول، ل سمون نصار .
2 جريدة السفير: المغامرة الكبرى: الإنسان يواجه نفسه، الجينوم يغير مفاهيم العلم والفلسفة والسياسة ل حسام عيتاني .
|
|
|
|
|