| مقـالات
ما هي علاقة البشر مع المحطات؟ ما هي المساحات التي تختزنها الذاكرة عن المحطة، سواء كانت محطة انتظار في عيادة طبيب، أو محطة انتظار لطائرة أو قطار؟؟
إنها بالتأكيد تلك العلاقة المؤقتة المليئة بالوحشة وعدم الانتماء !! فلا أحد يفكر بغرس شتلة في قاعات المطار، أو أن يرسم لوحة فوق جدرانه، أو أن يسرق من وقته بضع دقائق لاصلاح مقعد مكسور مثلاً.
لا يكون هناك في المحطات سوى الوقت الثقيل الممل وصراعنا وإياه.
فكيف عندما يتحول وطن بأكمله إلى محطة؟
في جميع مدن العالم لابد أن يصادفك مجموعات كبيرة من أولئك الذين مروا بدول الخليج كمحطات مؤقتة في مطلع حياتهم، وأجزم ان غالبية سائقي التاكسي الآسيويين في مدينة (نيويورك) هم من الذين عملوا في الخليج لجمع ثمن الفيزا وسيارة التاكسي!! ناهيك عن عرب أوروبا الذين يعطونك خريطة دقيقة وكاملة عن مدينتك لا تعيها أنت بذاتك.
وقد يبدو مؤلماً بأن يتحول وطن إلى صالة ترانزيت مليئة بالملل والتثاؤب والتفكير بالطريقة الأسرع والأقرب لجمع الأموال ومن ثم الرحيل، وحتى لا يغدو الأمر مثاليا للغاية فلا بد أن نشير هنا إلى اغراءات الاستقرار التي تقدمها الدول الغربية للمهاجرين من دول العالم الثالث والتي بدورها تصنع لهم حيزا يستطيعون أن يضعوا بداخله حقائب العمر.
ولكن من ناحية أخرى يواجههم سدود عالية من الانظمة والقوانين واجراءات الهجرة التي تحصرهم في مكان ضيق من العيش وشروطه!!
وأذكر مرة بأنني التقيت بصبية يافعة من إرتريا تعمل في محل لبيع الملابس في مدينة (تورنتو) الكندية، وكانت تلك الصبية قد أمضت طفولتها وصباها في مدينة (جدة) وكان بداخلها كم وافر من اللواعج والحسرات على تلك السنين التي حاولت أن تنغرس فيها كنخلة أفريقية وارفة على شواطئ جدة ولكن صروف النوى قذفت بها إلى أقاصي الاصقاع المثلجة.
لا أحد يتمنى أو يريد أن يصبح الوطن محطة مؤقتة للمستنفعين ونهازي الفرص, ولكن هناك أيضا فئات خاصة سواء من الذين ولدوا هنا أو خالط دماءهم حب هذا المكان والانتماء إليه بحاجة أن تكون لهم قوانينهم الخاصة وظرفهم الذي بالتأكيد لن يتعارض مع حب هذه البلاد ولا مصلحتها.
قرائي الأعزاء : ستتوقف هذه الزاوية لفترة بسيطة، بغرض البيات الصيفي، فلكم مني وافر العذر على أن تعاود الصدور بعد فترة وجيزة.
|
|
|
|
|