| القوى العاملة
تحتاج بعض الأعمال في المنظمات إلى تضافر عدد من الأفراد أو الجهات لانجازها وهذا ما يسمى باللجان, فاللجنة بمفهوم مبسط عبارة عن قيام أكثر من فرد أو جهة مع بعضهم البعض بتكليف من مسؤول أعلى أو جهة معينة للقيام بعمل معين في وقت وتاريخ محددين.
ووجهات النظر تختلف تجاه اللجان، فالبعض يرى انها ظاهرة صحية، والبعض الآخر يرى أنها نتيجة خلل معين في ذلك الجهاز الذي يعمد إلى انتهاج هذا الأسلوب أو الاعتماد عليه في تسيير شؤونه، بينما يرى آخرون أنها لقتل الموضوع الذي شكلت من أجله هذه اللجنة حيث يقولون: (إذا أردت أن تقتل موضوعاً ما فشكل له لجنة).
وهناك من يرى أن اللجان ضرورية لمناقشة بعض الموضوعات ذات الصلة بأكثر من إدارة في أحد الأجهزة أو بأكثر من جهة مختلفة ومستقلة عن الأخرى، وذلك لبحث موضوع ما ومناقشته من عدد من الجهات ومن زوايا مختلفة حتى يتم الوصول إلى قرار موحد يمثل وجهة نظر الموقعين عليه ويكون قابلا للتطبيق والتنفيذ عند كل تلك الجهات، وملبياً لرغبات واحتياجات كل ما يتعلق به.
وكل متخصص أو مهتم بشؤون الإدارة تجد له نظرته الخاصة به والتي قد تختلف أو تتفق مع غيره، وقد يتحيز البعض لنظرته تلك أو يتشدد ولا يعطي لنفسه الفرصة لكي يتفهم وجهة النظر الأخرى أو يستمع للذي يناقشه في هذا الموضوع أو غيره حتى النهاية، لعل لديه ما قد يقنعه أو يكتشف بأن هناك جوانب محددة للموضوع، قد تكون غائبة عنه ولكنه إذا وضع في فكره حكماً مسبقاً على ما يسمعه أو من يسمعه، فإنه بهذا قد أغلق جميع النوافذ ولن يتسلل إلى قناعته أي مؤثر ومثل هذا لا أعتقد أن أحداً يتفق معه.
ولكن هنا يعتمد الأمر على قدرة الشخص المناقش وأسلوبه الخاص به في اقناع الآخرين، حيث أن هذه مهارة بحد ذاتها لا تتوفر عند كل شخص بل إنه أصبح علماً قائماً بذاته وهو علم فن التفاوض الذي لست بصدد الحديث عنه في هذا المقام, وتختلف طبيعة اللجان تبعاً للأعمال المسندة إليها, فهناك اللجان الدائمة مثل لجنة الشراء أو لجنة الاستلام أو لجنة الوثائق، وهناك اللجان المؤقتة التي تنتهي بانجاز الموضوع الذي شكلت من أجله، وأيضا هناك اللجان التنفيذية (أي التي تُمنح صلاحية اتخاذ القرار) وكذلك الاستشارية وهي التي تقدم تقاريرها وتوصياتها دون اتخاذ القرار.
وليس من الموضوعية أن ننظر إلى اللجان نظرة سلبية تامة من حيث أهميتها بل وضرورتها في بعض الأحيان، ولاسيما إذا كان من كلف بالاشتراك فيها ذا خبرة ودراية وإلمام بالموضوع ودارسا له دراسة مستفيضة, ولا ننسى ما أشار اليه ديننا الإسلامي الحنيف من أهمية الشورى، حيث قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم) (1) , فاللجنة على مستواها وموضوعها المحدد تعتبر صورة من صور الشورى.
ولكن من وجهة نظري الخاصة لا أرى الإكثار من اللجان، فما أمكن انجازه دون لجان فذاك أولى توفيراً للوقت والجهد، (والمال أحيانا) لاستثمار كل ذلك في مجال آخر, وبصفة أخرى سأضرب مثالاً واحداً للجان التي تدعو اليها الحاجة، فمثلاً لو طرح موضوع أو كلفت جهة أكاديمية بالقيام بدراسة موضوع ما واقتراح أساليب جديدة تمس جهة أخرى في الميدان لها تجاربها ولها واقعها الذي هي أبصر به ولها منتفعوها مختلفو المستويات الاجتماعية والثقافية وما الى ذلك، وقامت هذه الجهة الاكاديمية باجراء دراستها فستجريها حسب الأسلوب العلمي والنظريات الاكاديمية مراعية في ذلك آخر ما تم التوصل اليه في هذا المجال المحدد والنظرة المستقبلية, وستظهر لنا في النهاية دراسة جيدة وبراقة، وعند البدء في تطبيقها قد لا تنتج ذلك النجاح المأمول لا لخلل فيها أو قصور ولكن لاصطدامها بالواقع، وهنا يأتي دور الجهات الاخرى التي تمسها هذه الدراسة ودور المنتفعين منها، فإذا اشتركت هذه الجهات بممثلين عنها فستوضح الواقع الآلي والممارس الذي لا يغفل دوره لانه يمثل الارضية أو البيئة الواقعية أو مسرح الحدث، فإذا تضافرت جهود الجميع واتسقت الافكار، واكمل بعضها البعض (النظرة الواعية للمطبقين في الميدان + النظرة الاكاديمية العلمية البحثية) فإن ما سينتج من محصلة نهائية من هذه اللجنة ستكون واقعية قابلة للتطبيق متطلعة الى الاخذ بالاساليب الجديدة، منسجمة مع البيئة التي ستطبق فيها وستحقق نتائج جيدة نظراً لاكتمال الجوانب والمتغيرات المختلفة.
(1) سورة الشورى الآية (38)
|
|
|
|
|