| الثقافية
* الرياض الجزيرة
عن مجلة (المعرفة) التي تصدرها وزارة المعارف,, انضم الى المكتبة مؤخرا كتاب جديد في سلسلة كتاب المعرفة ,, هو (وأد مقومات الإبداع) للكاتب المعروف إبراهيم بن عبدالرحمن البليهي.
والكتاب بصفحاته التي تنوف عن المائة وسبعين يعتبر الاصدار التاسع في السلسلة التي تتبناها مجلة (المعرفة)، وقد قدّم له رئيس تحرير المجلة زياد بن عبدالله الدريس بتوطئة تحدث في جانب منها عن الكاتب، ومما قال: ان (ابراهيم البليهي كاتب لا ينبغي لقرائه ان يبذلوا جهدا واسعا في تصنيفه، فكل الذين قرأوا البليهي لا يحارون في وضعه ضمن قائمة الكتّاب ذوي المضاجع المقضوضة! فهو رجل عرفناه يكتب منذ سنوات طويلة، وشغله الشاغل هو عبقرية الاهتمام وفقر الامة من المبدعين,, وغنى سواها، والوهم بأن الشهادات والمؤهلات هي بوابة الإبداع، كما يسعى الى هدم خرافة العقل السليم في الجسم السليم).
ويواصل الدريس حديثه عن البليهي قائلا: إنه (كاتب مسكون بحب الابداع والمبدعين، وهو في الوقت ذاته مسكون ببغض الالقاب والفقاعات وأورام الرموز وانتفاخ الشخصيات، ومثل هؤلاء الناس عادة إذا قرأت له شعرت بالاحباط واليأس، وإذا قرأت عنه شعرت بالامل والتفاؤل، لأن الأمة ما زال فيها من يشعر بمرضها وآلامها دون تزييف,,,) وتبدو ملامح بعض ما أشار اليه الدريس متجسمة في فقرات متعددة كتبها البليهي، تظهر بعض المكنونات العميقة التي استخلصها من خلال التأمل,, والغوص في الأعماق,, والملاحظة المستندة الى المثابرة والمتابعة والمعرفة.
يقول البليهي: (,, إن أي مجتمع يتكون من قلة من الموهوبين المبتكرين,, ومن كثرة المقلدين المنقادين، فالموهوبون النادرون يتقدمون الجميع او يتقدم كل واحد منهم في قطاع من قطاعات النشاط الانساني, فديكارت عرفه التاريخ قائدا في مجال الفكر ورائدا في كيفية استخدام العقل,,, والاسكندر المقدوني عرفه التاريخ فاتحا مدهشا كاد ان يتمكن من إخضاع أهل الارض وهو لم يبلغ الثلاثين من العمر في عصر لم تتوفر فيه إمكانات التحرك السريع,, ونيوتن عرفه التاريخ قائدا في مجال فهم الكون وتأسيس علم الطبيعة، وشكسبير عرفه التاريخ قائدا في مجال فن التمثيل والمسرح، وامرؤ القيس عرفه التاريخ قائدا ورائدا في مجال الشعر، وعنترة بن شداد عرفه التاريخ قائدا في مجال الشجاعة القتالية، وحاتم الطائي عرفه التاريخ قائدا في مجال السخاء وإكرام الضيف), ولا يعتقد البليهي ان الريادة هي (الاكتمال)، ولكنه يراها (بداية التأسيس وفتح الآفاق للمبدعين من الاجيال اللاحقة).
كما يفرق البليهي وبلغة مجردة من الغموض بين الالقاب العلمية والقدرة الابداعية، ويشير الى رؤيته قائلا إنه (وفي العصر الحاضر يقوم عدد من الدارسين بتقديم اطروحات للدكتوراة عن جوانب مختلفة من إبداع شاعر واحد، لكن اطروحاتهم لا تعني ان هؤلاء الدارسين قد أصبحوا بهذه الدراسات شعراء، وإنما اقصى ما تعنيه انهم درسوا الابداع واستجلوا بعض آفاقه، ومع ذلك فإن هذه الالقاب الطارئة قد صار لها صليل مضلل,,, فقد ادى هذا الصليل المربك الى تكوين هالات فارغة حجبت الفرق بين الابداع ودراسته وخلطت بين المبدعين والمقلدين), ويبدو الكاتب مفتونا بالنماذج العديدة التي قدمها لاصحاب الريادة الذين اتوا من بين صفوف العامة وكان مجيئهم بمثابة الاضافة الابداعية الريادية التي اسهمت في وضع لبنات التغيير والارتقاء في حياة الناس,كما وضح من السياق قناعة الكاتب الكاملة بأن الموهبة والمثابرة والصبر وقوة الارادة هي العوامل التي تقود الى الريادة، بغض النظر عن التأهيل الاكاديمي المتخصص، وبدا ذلك وكأنه رابط أساسي بين كل النماذج التي استعرضها، والتي ذكر سيرة نجاحاتها بلغة أخاذة، واسلوب جمع بين جماليات السرد القصصي وحقائق السرد التاريخي.
يقول البليهي في إحدى مقالات الكتاب والتي عنونها ب(فتى الكمبيوتر) ويقصد به بل جيتس,, ان هذا الرجل (,,,ليس من حملة الدكتوراة ولا الماجستير ولا البكالوريوس, فلقد افتتن بالكمبيوتر منذ طفولته، وصار دائم التفكير في امكانية تطويره وتعميم استعماله ,,,, وبلغ اهتمام جيتس بالكمبيوتر انه اصبح يطلق عليه في المدرسة لقب (فتى الكمبيوتر) كما بلغت براعته فيه الى ان المدرسة طلبت منه ان يساهم في تعليم برمجة الكمبيوتر، وبعد ان انهى المرحلة الثانوية التحق بجامعة هارفارد، وكان عازما علىان يدرس الاقتصاد لأن تخصصات الكمبيوتر لم توجد بعد في الجامعات، لكنه قرأ عن اول كمبيوتر شخصي فرأى ان تحقيق الحلم بتيسير الكمبيوتر للجميع قد اصبح وشيكا فقرر ان يترك الدراسة وان يكرس كل حياته لتحقيق هذا الهدف (,,,,) وهكذا فطن هذا اليافع باهتمامه القوي واستغراقه التام لما لم تفطن له الشركات الضخمة بمديريها وعلمائها ومهندسيها ومراكز البحث فيها، مما يؤكد ان الاهتمام القوي المستغرق هو مفتاح الطاقة البشرية،
وانه المدخل الحقيقي للابداع، وانه المفتاح السحري للعقل),وهكذا استعرض الكاتب بعض السير لشخصيات اتسمت بالريادة والقدرة على إثراء الحياة البشرية,, وقادوا بريادتهم وإبداعاتهم خطوات تبعتها البشرية واستفادت منها في مسيرتها,,,
وقد كانت النماذج متباينة في اهتماماتها العلمية او التقنية او الادبية او الفنية بما يؤكد قناعة الكاتب بتنوع حقول الابداع البشري، وبما يكرّس المفهوم الدال على ان مجالات الريادة لا تحدها الحدود طالما توفرت عناصر الموهبة والارادة والمثابرة والعمل الدءوب.
|
|
|
|
|