| مقـالات
انتهت الامتحانات وتنفس الآباء والأمهات الصعداء ورفعت حالة الطوارىء من البيوت, وتتابع ظهور النتائج وعلت الفرحة وجوه الناجحين وذويهم وحطت غيمة الحزن فوق الذين لم يسعفهم الحظ.
لكن النجاح من المرحلة الثانوية ليس إلا بداية لمرحلة جديدة من الجهاد والسعي المرهق للآباء والأبناء على حد سواء للفوز بمقعد دراسي في أي من جامعاتنا ومعاهدنا أو كلياتنا العسكرية لمن يكون سعيد الحظ، لقد أصبح الحصول على مكان في أي من جامعاتنا أصعب من الحصول على سمكة معينة في عرض المحيط، حتى الطلاب الذين بذلوا جهوداً كبيرة وموفقة وحصلوا على درجات عالية لن يضمنوا دخولهم الجامعة، والسبب ببساطة أن الجامعات أو الأماكن الشاغرة فيها لا تستوعب كل أو معظم أعداد الخريجين والخريجات.
لقد نجح هذا العام 1420ه من التعليم العام من الأولاد ما يزيد على خمسة وثمانين ألف طالب عدا مايزيد على أحد عشر ألف طالب من المعاهد العلمية والفنية الثانوية وهذه الأعداد لا تشمل الطالبات, ومن هذا العدد يقدر أن الذين سيجدون أمكنة لهم سواء في الجامعات والمعاهد العسكرية والكليات والمعاهد الأخرى جميعها لن يزيد حسب التقديرات عن ثلث الناجحين, فأين يذهب الباقون؟ هؤلاء ستأكلهم البطالة ومن ثم قد يصبحوا فرائس للانحراف وما أكثر وسائل الانحراف وما أسهل الوصول إليها في هذا العصر الذي نعيش فيه.
لا يوجد سبيل آخر غير العمل الجاد والسريع لإيجاد الحلول المطلوبة قبل أن تستفحل المشكلة وتستعصي على الحل، يجب إعطاء الأولوية في سياسة الدولة التعليمية لعلاج هذا القصور، ولاشك أن المسئولين عن التعليم في هذه المملكة تؤرقهم هذه المشكلة أكثر مما تؤرق غيرهم وهم لا شك ساعون في إيجاد الحلول المطلوبة، وقد يجد الدارسون لمشكلة التعليم العالي أن إمكانية أن يعمل الشباب بعد إنهاء الدراسة الثانوية العامة واردة وأنه لا يوجد أبداً ضرورة لشهادة جامعية وأن الشاب يمكنه أن يعمل في أي مجال تقريباً بعد الثانوية ويمكنه بعد ذلك أن يثقف نفسه كيف يشاء, كما أن هناك إمكانية زيادة معاهد التقنية وهذه قطعاً لا تحتاج الى مستوى دراسة أعلى من مستوى التعليم الثانوي العام, هناك أيضاً حكاية السعودة التي نسمع جعجعتها ولا نرى طحنها.
أدخل فقط الى أي مكان أنيق أو أي من المراكز التجارية الكبيرة أو المطاعم العديدة المنتشرة في مدننا وحاول أن تجد شاباً سعودياً واحداً هناك, وما أزال أجهل الأسباب التي جعلت الناس يقولون أن السعودي كسول ولا يحب العمل، لا أصدق هذا لأن الحاجة عندما تصبح ملحة وهي الآن هكذا تدفع الناس للقيام بأي نوع من العمل المشروع يكسبون من ورائه عيشهم,, وما علينا إلا أن نذكر أباءنا وكيف كانوا يسعون لكسب قوتهم دون تأفف ودون استعلاء مهما كان نوع العمل الشريف الذي يقومون به.
لقد أنشأنا جامعاتنا في أوقات متقاربة ثم استرحنا وكأننا ضمنّا أنها ستستوعب كل الأجيال الذين سيتخرجون من الدراسات الثانوية على مدى الأعوام.
تقول الاحصائيات أن سكان المملكة يتزايدون بسرعة أكبر من معدلات الزيادة السكانية العادية وأن عدد السكان سوف يصبح بعد سنين قليلة عشرين مليون إنسان، ولا توجد وسيلة بديلة لتوفير سبل المعيشة والحياة الكريمة لهذه الملايين إلا بالنمو المطرد للتعليم بكل فروعه وكذلك نمو الموارد المعيشية, وسوف تستمر الزيادة في السكان ما شاء الله لها ومعها سوف تزداد الحاجة الى توفير التعليم وتوفير العمل لهذه الملايين، وويل للبلد الذي يزداد سكانه فقط دون أن ينمو إنتاجه ودخله بنفس نسبة نمو سكانه, إن الجامعات الموجودة حالياً يستحيل عليها إيجاد أماكن لخريجي المدارس الثانوية.
ولا آتي بجديد عندما أكرر هنا ما قاله بعض الآباء من أنهم يجوبون أنحاء البلاد لإيجاد مقعد شاغر لابن أو ابنة تخرج أو تخرجت من المدرسة الثانوية، ولم يعد شرطاً أن يدرس خريج مدارس جدة في جامعة الملك عبدالعزيز مثلاً فهو على استعداد للتوجه الى أي جامعة يجد فيها مكاناً له, لقد سمعت أن نسبة جامعاتنا الى سكان المملكة هو جامعة واحدة لكل مليوني شخص، وهذه نسبة منخفضة جداً قد لا نجدها في كثير من البلدان، وبعض الدول العربية والتي تقل إمكاناتها عن إمكاناتنا لديها من الجامعات ما يزيد عن حاجتها وتستضيف كثيراً من الطلاب الأجانب بمن فيهم طلاباً من المملكة.
إن الحاجة أصبحت ماسة لعلاج هذا القصور التعليمي الأساسي وأنا آمل أن يلتفت اليه المخططون الذين يرسمون السياسة التعليمية والتنموية عامة لهذا البلد, لم يعد الأمر يحتمل الانتظار ولا أصعب من جلوس فتى أو فتاة في البيت بعد حصوله وحصولها على الشهادة الثانوية, قد يتمكن بعض أولياء أمور الطلبة من ارسال أبنائهم الذكور للخارج ولكن الوضع يكون أصعب بالنسبة للفتيات, والحل الوحيد هو ببساطة إنشاء معاهد دراسية سواء كانت جامعات أو معاهد تحت أي مسمى.
هناك مثلاً إمكانية إنشاء جامعة كاملة للتقنية، قد تبدأ هذه بكلية واحدة ثم تنمو الى تفرعات أخرى, وكما يعرف الكل أن الوقت قد حان لنفكر جدياً بجدوى برامجنا التقليدية ولا أستغرب إذا لم يكن قد أصبح لدينا مثلاً ما يكفي من معلمين في التاريخ والجغرافيا والآداب بأنواعها, إن الزمن يتغير بسرعة ولا أجد لنا خياراً إن لم نواكبه أو نسعى على الأقل لمواكبته, وهذا لا يتأتى إلا إذا سلكنا الطريق الذي سلكه قبلنا رواد العلم الحديث.
إن على هذه الدولة الحديثة التي ما فتئت منذ أن نشأت تبذل قصارى جهدها لتهيئة حياة كريمة سهلة لأبنائها، عليها الآن أن تستمر على نفس منوالها السابق وأن تبادر الى الأخذ بأسباب التقنية الحديثة التي أصبحت اليوم أساس التطور والرقي, كما أنني أدعو رجال الأعمال والموسرين للتفكير جدياً في إنشاء جامعة أو جامعات خاصة تركز مناهجها على التقنية الحديثة التي نراها تسارع الزمن والتي شملت أو تكاد تشمل كل مناحي الحياة, والجامعات على أي حال مشاريع ناجحة من الناحية التجارية البحتة, كما يمكن أيضاً للدولة أن تساهم في إنشاء مثل هذه الجامعات أو الكليات الخاصة كأن تمنح الأرض مجاناً للمساهمين أو حتى تساهم في تحمل بعض مصاريف الدراسة بشكل من الأشكال، وعلى كل حال فإن الأمكانات المادية متوفرة عند بعض رجال الأعمال،,, بل أن بعضهم استطاع أن يصل الى قائمة أغنى أغنياء العالم تلك القائمة التي تنشرها مجلة فوربس كل عام.
|
|
|
|
|