|
| مقـالات
رأيته في احد أسواق الخضار يمتشق في يده اليسرى جهاز اتصال، ويدفع بالأخرى صبياً سعوديا من طلاب المرحلة المتوسطة في حدود الثالثة عشرة من عمره، وما زال به يدفعه مع عربته حتى أخرجه من السوق، انه مراقب البلدية الذي عجبت كيف يعامل ذلك الصبي بذلك العنف، سرت قليلاً في الاتجاه المعاكس فرأيت وراءه صبياً آخر يبكي، أشفقت عليه، وطلبت منه ان يحمل في عربته ما اشتريته، وعندما وضع أغراضي في سيارتي سألته ما اسمك قال: سامي، قلت: كم تريد، قال ما تجود به، قلت: لماذا كنت تبكي، قال مندوب البلدية، قلت: ما به، قال: له ملاحظة على التصريح، ونطق التصريح بالسين (التسريح) فقلت في نفسي ما احوجنا للأول وأغنانا عن الثاني.
طفل في هذه السن يقوم منذ الصباح الباكر (من السادسة صباحا) ليعمل ويحصل على مبلغ كبير عنده ويسير عند دافعه أليس بحاجة الى التشجيع على العمل في ضوء ما نراه من سهر طلابنا ليلا ونومهم نهارا خلال العطلة الصيفية؟ إن منظره هو وامثاله يبعث السرور في النفس، فضلا عن انه لو لم يكن محتاجا لما ترك ما يحرص عليه امثاله (وهو اللعب) وجاء ليعمل في وقت يغط امثاله في نوم عميق.
ان تشغيل الطلاب في الصيف لا يقتصر على خطاب من مكتب العمل الى الشركات التي تماطل وتسوف حتى يمضي اكثر العطلة وتعطي أجرا زهيدا للطلاب، وقد نعده منحة او نوعاً من الضغوط الرسمية عليها في حقل السعودة في حين ان عمل الطلاب في أسواق الخضار (مثلما عمل هؤلاء الاطفال) هو السعودة بعينها، وهو ملء فراغ وقت الطلاب بعمل نافع، وهو تدريب لهم على اقتحام أسواق العمل التي يكثر الاستقدام لأجلها.
السعودة في أسواق الخضار ليست مقتصرة على البائعين في المحلات التجارية بل كل عمل فيها هو سعودة,, ومنها ما صنعه هؤلاء الأطفال، والتصريح ليس معجزة بل ينبغي ان يكون ميسرا وله مكاتب داخل الاسواق، وان يبتعد عن الروتين والمعاريض ونحوها، وان يشجع هؤلاء الصغار على هذا العمل السهل الذي يتفق مع قدراتهم حتى وان اقتصرت التصاريح على وقت العطلة الصيفية كما يشجع ايضا كبار السن وامثالهم الذين لو لم يكونوا بحاجة لما عملوا في هذه المهنة مع ملاحظة ان هناك اجانب مازالوا يعملون حمالين في أسواق الخضار.
السعودة في اسواق الخضار هي محك التجربة فلابد من دعمها بكل ما يساعد على نجاحها، ومن ذلك تشجيع السعوديين بكل أصناف أعمالهم، ومنه تكييف أسواق الخضار لئلا تتلف تحت درجات الحرارة المرتفعة، ومنها تشجيعهم على امتلاك ثلاجات تساعدهم على عدم تلف بضائعهم ومنها تحديد دوام لاسواق الخضار ليتمكنوا من التوفيق بين مصدر رزقهم وارتباطاتهم الاجتماعية، فهم ليسوا كالعمال الأجانب الذين لا روابط لديهم.
إن سعودة الخضار هي مبدأ سعودة بقية الاعمال لإيجاد فرص عمل للسعوديين، فلابد من انجاحها لتكون نجاحا لما بعدها.
* للتواصل: ص,ب: 45209 الرياض: 11512 فاكس: 4012691.
|
|
|
|
|
