|
| وَرّاق الجزيرة
يمكن للمطلع على بعض الخطب أن يعرف بعض الأسباب التي أدت إلى قيام الخطيب بإلقاء خطبته في موضوع معين أو حادثة واقعة، لذلك تعتبر بعض الخطب مصدراً من مصادر التاريخ إذا علم المقصود منها، خصوصا عندما تتعرض لحادثة من الحوادث ولعل المطلع على الخطبة التي ألقاها الشيخ إسماعيل بن رميح بن جبر بن عبدالله بن حماد بن عريض بن محمد بن عيسى بن عرينة التيمي في مسجد قارة صبحا عندما كان قاضيا فيها، (1) يدرك أن هناك حدثا خطيرا وقع أو كاد يقع ودرءاً للفتنة وتحذيرا من الخلافات وقف الشيخ إسماعيل محذرا من وقوعها.
وكانت القارة عامرة في ذلك الوقت يتبعها عدد من بلدان سدير لذلك نجد الشيخ حمد بن لعبون يقول في تعداده لبني تميم: وأهل القارة وبلدانها في سدير (2) .
وكان يملك القارة بنو العنبر بن عمرو بن تميم قال الهمداني: ثم تمضي في بطن الفقي وهو واد كثير النخل والآبار فتلقى قارة بلعنبر وهي مجهلة والقارة أكمة جبل منقطع في رأسه بئر على مائة بوع وحواليها الضياع والنخيل (3) .
وقد ذكر بعض مؤرخي نجد أنه في عام 983ه قدم اناس من آل تميم من بني خالد إلى صاحب القارة وطلبوا غرس الحصون بالنخيل (4) وكانت الغرسة الأولى ثم طلبوا غرسة أخرى عام 1015ه (5) , أي بعد 32 سنة فبلغ عدد النخيل المغروسة في الغرستين عشرة آلاف نخلة, وكان آل حديثة من آل ابو حسين من بني العنبر بن عمرو بن تميم هم أصحاب القارة.
وقد ورد في كتاب الفواكه العديدة للشيخ أحمد المنقور عقد مبيع يوافق تاريخه الغرسة الأولى لبلد الحصون وهي بخط الشيخ ناصر بن محمد بن عبدالقادر بن راشد يقول فيها ولفلان البائع المذكور في المبيع المذكور الخيار خمس سنين ابتداؤها رجب من سنة 983ه ثم لورثته من بعده في المدة المذكورة (6) .
ونعود إلى خطبة الشيخ إسماعيل بن رميح لنقرأ فيها الخلاف الذي وقع أو كاد يقع حيث قام محذراً وناصحا بعد أن حمد الله وأثنى عليه وصلى على الرسول الكريم ثم قال: (6)
اعلموا رحمكم الله أن الفتنة داء ممزوج بالمرارة شاربها، وسفينة غارق في الهلاك راكبها، ونار محرقة بلهبها موقدها، ما تحملها قوم إلا ندموا عليها ولا أضرم نارها أحد إلا وقع فيها, يفر شيطانها إذا أوقدها ويفوز عاقلها إذا أخمدها، ولا يضرمها إلا كل سفيه جاهل, ولا يصطليها إلا كل حليم عاقل فتأكل بلهبها أموالهم وتسلّم إلى المقابر أبطالهم، أولها اتباع السفهاء في التنافر وآخرها النار في حفر المقابر, ويهرع إلى أهل الفتنة من دار شيطانها, ويصيح في أقطارها إخوانها, فحينئذ تكون الغلبة للشياطين وتكون الظلمة عليهم سلاطين طاعة لأبي مرة ومعصية لمن خلقهم أول مرة, قد نزع الله الرحمة من قلوبهم وحال الشيطان بينهم وبين محبوبهم فحينئذ علت الأشرار على الأخيار وفسدت بإماراتهم الديار فلا ترى حليما إلا موضوع ولا سفيها إلى مرفوع، ما أمّر قوم سفهاءهم إلا ضلوا ولا خالفوا رأي عاقلهم إلا هلكوا واضمحلوا, فكم دمر الواشون من قبيلة عامرة فأنزلوهم الذل في أرض الساهرة، فاتقوا الله يا عباد الله وأصلحوا ذات بينكم عن الفتن وطهروا قلوبكم من غل الدرن واحذروا تبعة الأشرار واعتبروا بمصارع أهل الفتن يا أولي الأبصار فما أبرد ثوب العافية لو تلبسون وما أحر جحيم الفتنة لو تصطلون فأخمدوا رحمكم الله نار فتنتكم قبل أن تلمع فيكم بروقها فقد فتحت الأشرار أبوابها فاحذروا حقوقها وأطيعوا مفاتيح الخير منكم يسعدكم منطوقها فيا أهل الصوم والصلاة ويا أهل الصبر والثبات ويا طالبين شرف المحيا والممات خذوا على أيدي سفهائكم، وردوا أمركم إلى المرشد من خياركم فوالذي بعث بالحق محمداً نبياً رسولاً لأن نصحتم لله لينصركم ولئن دعوتموه ليجيبنكم ولئن خالفتموه ليعذبنكم.
واستعينوا بالله من إمارات المترفين واعتبروا بمن قال الله في كتابه المبين وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا وقد ورد في الخبر أن أهل سفينة تقاسموا منازلهم فيها فأراد بعضهم أن يخرق نصيبه منها فقال بعضهم إن خرق نصيبه منها هلك وأهلككم وإن قبضتم على يده نجى ونجوتم فقبضوا على يديه فسلموا.
فانظروا رحمكم الله إلى ما وصفت لكم فقد وضح السبيل وافعلوا ما تؤمرون به وذللوا أنفسكم في طاعة ا لله تذليلا والبسوا ثياب التقوى فعاقبتها ظلا ظليلا فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا.
أجارنا الله وإياكم من شر شياطين الجن والإنس ولا حرمني وإياكم جواره في رياض القدس ومنعني وإياكم من الظلم والإسراف ووفقني وإياكم للعدل والإنصاف وهداني وهداكم سبيل الرشاد ونزع من قلبي وقلوبكم ريب الفساد, أعوذ بالله من الشيطان الرجيم واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا,,,) الآية.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
الهوامش:
1) الإفادات عما في تراجم علماء نجد من التنبيهات لعبدالرحمن التويجري ص 49.
2) تاريخ ابن لعبون ص 28 الطبعة الثانية.
3) جمهرة الأنساب المتحضرة لحمد الجاسر ص 586 الطبعة الثانية.
4) مخطوطة تاريخية لبعض أدباء نجد ويظهر أنها للفاخري.
5) معظم مؤرخي نجد ذكروها في نفس العام.
6) ص 223 الجزء الأول.
7) أمدني بصورة من الخطبة الأستاذ حمد بن سعود الفارس.
ص, ب 151191
الرياض 11777
|
|
|
|
|
