| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,.
فانه لمن دواعي سروري أن ألتقي على صفحتك الغراء بحوار أدبي لا يخلو من فائدة مع الأستاذ: نزار رفيق بشير، وذلك لمناقشته في نقداته البناءة التي علق بها على قصيدتي الحب الكبير وبادئ ذي بدء أتوجه بخالص الشكر الى القائمين على أمر هذه الصحيفة لجهودهم المتميزة التي جعلت من الجزيرة منارا للعلم والأدب، وساحة أدبية تعترك فيها أسنة الأقلام، في جو من الحب والاخاء.
وأثني بالشكر على الأستاذ: نزار رفيق بشير على تلك النقدات الأدبية الراقية التي تدل على وعي لغوي كبير وخفة ظل راقية, فقد قرأت مقالة الأستاذ نزار فوجدتها في حقيقة الأمر مزيجا من الشروح والأعاريب والمزحات اللطيفة، فاذا ما نُزعت هذه الأمور وجدنا ان النقدات من وجهة نظر الأستاذ نزار هينة ويسيرة والرد عليها سهل، لأنها جميعها لا تعدو ان تكون نبوات من قلم الأستاذ نزار، جاوزه الصواب فيها، ولكل سيف نبوة كما يقولون, يقول الأستاذ نزار: حب الأم لفظ طفولي,, ثم أخذ يبين ان برها واجب, وهذا تناقض كبير في فهم المصطلحات، فبر الأم يقتضي حبها، لأن البر هو الطاعة، وليس كل مطيع محبا لمن أطاعه, فقد يطيع الانسان جبارا في الأرض طاغية على أهلها، ولكن لا يعني هذا ان طاعته ناشئة عن حبه, فالحب أشمل وأعم من الطاعة، فكل حبيب يطيع من يحب وليس العكس.
وعلى هذا قال الشاعر:
تعصي الإله وأنت تزعم حبه هذا لعمري في القياس بديع لو كان حبك صادقا لأطعته ان المحب لمن يحب مطيع |
وعلى هذا فأنا اختلف مع الأستاذ نزار في وصف حب الأم بأنه لفظ طفولي، لان الله لم يأمر الأطفال فقط بطاعة الأم وحبها,, وانما وجه الامر لكل البشرية صغيرها وكبيرها.
ثم وقع الأستاذ نزار في تناقض آخر حين قال: الشعر لا تقيمه شهادة جامعية ولا يقعده فقدها وهو عنوان المقالة, ثم قال بعد ذلك : الشاعر يحمل درجة الماجستير في النحو العربي,, وكنت اتمنى وهو الشاعر ان يكون حامل ماجستير في الشعر العربي,.
كيف يرى الأستاذ نزار ان الشعر لا يقيمه شهادة، وهو يتمنى في الوقت نفسه ان يكون الشاعر حاملا لدرجة الماجستير في الشعر العربي, أؤيدك يا أستاذ نزار في ان الشعر لا تقيمه شهادات لذا كان لابد وان نتلافى الحديث عن الشهادات تماما، ما دامت كما ترى لا تؤثر في شاعرية الشاعر، فهذا احمد شوقي لا يحمل شهادة في الشعر العربي وهو أمير الشعر العربي.
يقول الأستاذ نزار تعليقا على البيت الاول بعد شرح نحوي ولغوي يشكر عليه: الذرا: جمع ذروة يقصد انها ملكته ولها الولاء العالي، وما أعرف أي ذرا ارتقى فوقها ولاؤه للوالدة الكريمة؟ .
أقول: يا أستاذي الكريم هذا تعبير استعاري، حيث شبهت حبي للوالدة الكريمة بالمرتقي فوق كل شيء عال حتى وصل قمته واستقر فوقها والمعنى ان حب الأم أكبر من كل حب, وفي لفظة الذرا استعارة تصريحية, شبهت كل حب غير حب الأم بأعالي كل شيء ثم حذفت المشبه كل حب آخر وصرحت بالمشبه به الذرا وذلك كما في قوله تعالى واعتصموا بحبل الله جميعا .
يقول الأستاذ نزار تعليقا على البيت الثاني: قد صار حبك في الفؤاد مكبرا، وصار تفيد التحول من حال الى حال تقول: صار الماء ثلجا, فهل كان حب الأم مصغرا ثم كبرته .
أقول للأستاذ نزار: ان صار في البيت ليست تفيد التحول، لأنها ليست صار الناقصة، وانما هي صار التامة بمعنى ثبت واستقر, ومن المعلوم ان صار التامة تكتفي بمرفوعها، ويعرب فاعلا وذلك كما في قوله تعالى: ألا الى الله تصير الأمور أي ترجع وتعود، وقولنا: صار الامر بين يديك كاملا أي استقر وثبت الأمر بين يديك حال كونه كاملا, وكذلك في البيت فالمعنى: ثبت حب الأم واستقر بالفؤاد حال كونه مكبرا من البداية، فمكبرا حال يا أستاذ نزار وليست خبر صار كما ظننت، فصار التامة ليس لها خبر.
ثم يقول الأستاذ نزار في البيت الثالث: يلاحظ الركاكة وأخذ يبين جوانب هذه الركاكة فاذا بالنقد نفسه يأتي ركيكا فهو يبدأ بأولا ثم لا نجد لها ثانيا أو ثالثا, ثم نجد مضمون النقد ان الأم كما يقول : لا تسهر لتمسح الدمع الذي جرى بعينك، فالدمع يجري من عينك ,, وأرد وأقول : ألا يعلم الأستاذ نزار ان الباء هنا بمعنى الاستعانة وليست الباء الظرفية، كما في قولنا: كتبت بالقلم أي بواسطة القلم أو مستعينا بالقلم، كذلك في البيت فالدمع يجري بواسطة العين, ثم يعلق الأستاذ نزار بتعليقات حول ان الأم لا تسهر لتمسح الدمع ولكن تسهر لتمريض الطفل اذا مرض,, وأشهد الله انني جلست مليا أحاول معرفة وجه اعتراض الأستاذ نزار، أو وجه الغموض في البيت فلم أجد, وشعرت انني تائه في شراك تلك النصائح الطبية التي أشعرتني انني أمام طبيب أطفال بارع, ومن ثم فانني أرجو من سعادته ان يتفضل ببيان مقصده ان كان هناك مقصد.
ويعلق الأستاذ الكريم على البيت الخامس بقوله: وهذه نقلة سريعة عجيبة من الرضاع والطفولة الى المراهقة والشباب ولا أملك الا العجب على عجب الأستاذ نزار، فالواضح ان الأستاذ نزارا قرأ القصيدة على عجالة لم تمكنه من فهم القصيدة حق الفهم فالبيت الثاني فيه حكم هو ان حب الام مستقر في الفؤاد كبيرا، ثم جاءت الأبيات من 3 : 5 لتعليل هذا الحكم بصورتين متقابلتين من حياة الابن, الصورة الأولى: هي صورة الام وهي ساهرة لتمسح دمع ابنها وهو صغير، ولا تتركه حتى ينام وتظل ساهرة ترعاه حتى بعد نومه, أما الصورة الثانية: فهي صورة توجيه هذا الابن في الكبر, فالغرض هو ابراز الصورتين المتقابلتين متجاورتين، حتى تأتيا وكأنهما تعداد لأسباب الحكم في البيت الثاني وهو حبك في الفؤاد مكبرا ، فيكون التعليل لهذا الحكم أو لست كذا,, أو لست كذا,, فنحن هنا لسنا في مقام تتبع حياة الابن من الرضاع والطفولة الى المراهقة والشباب وليس هذا المقصود.
وقد تكلم الأستاذ في تعليقه على البيت الخامس أيضا عن العود في الآية الكريمة: أو لتعودن في ملتنا بأن العود في الآية بمعنى الصيرورة لا بمعنى الرجوع, واستدل على ذلك بأن شعيبا عليه السلام لم يكن أبدا في ملتهم ليعود اليها وهذا خطأ في الحكم والاستدلال فالعود في الآية بمعنى الرجوع لا بمعنى الصيرورة كما فهم الأستاذ نزار، والخطاب في الآية وان كان موجها الى شعيب عليه السلام فان المقصود به قومه الذين آمنوا معه واتبعوه بعد ان كانوا كفارا، وذلك من باب التغليب كما يقول الامام الزمخشري في الكشاف عند تفسيره للآية الجزء 2 ص 122 دار احياء التراث العربي وعلى هذا فالكفار يطلبون ممن اتبعوا شعيبا ان يعودوا الى الكفر كما كانوا، ومن ثم فالعود في الآية بمعنى الرجوع لا بمعنى الصيرورة.
في البيت السادس: أسير لناظري بمعنى الآسر لناظري وهذا واضح من السياق أي ان الابن في حضرتها لا يستطيع ان ينظر لغيرها لأن نور عينيها يأسران نظره، وهذا يعكس الحب العميق.
وفي البيت السابع: بين الشطرين مقابلة بلاغية تعكس أهمية ابتسامة الأم في نظر ابنها للوجود كله وليس الشطر الثاني نتيجة للأول كما زعم الأستاذ نزار كما ان البيت السابع ليس تكرارا لما قبله، وانما هو تعليل, فالبيت السادس يقرر ان الابن يرى أيامه مضيئة بنور عيني أمه، ثم يعلل لذلك في البيت السابع، بأن الكون كله يضيء وينير بابتسامتها التي هي الوجه الآخر لنور عينيها، وهو وأيامه جزء من هذا الكون، ومن ثم يعم أيامه الضياء الأزهر.
وفي البيت الثامن: يرى الأستاذ نزار ان التعبير قلب أخضرا مأخوذ من بيئة فلاحية، ولا أدري ما العيب في هذا، ثم ألا يدري الاستاذ نزار ان اللون الأخضر يرمز الى الخير والعطاء في الوجدان العربي، وان القلب الأخضر يقصد به القلب المليء بالخير والعطاء للناس جميعا ولا سيما الأم.
في البيت التاسع: أحمد الله انك عرفت ان الذي يريد في البيت هو القلب الأخضر فمرجع الضمير واضح لا يحتاج الى تنويه كما ادعى الأستاذ نزار.
في البيت العاشر: يقول الأستاذ نزار أما مرفوعة ففيها نظر وعسى ان تكون مرفوعة الرأس ، أقول له: نعم يا أستاذ نزار المقصود بمرفوعة: مرفوعة الرأس، وهذا مجاز مرسل علاقته الكلية، أطلقنا الوصف على الكل وأردنا الجزء وهذا معروف في البلاغة.
وأخيرا أقول: سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
وشكري الجزيل للأستاذ نزار وإلى جريدة الجزيرة تلك المعترك الأدبي للعرب جميعا.
أحمد جمال الدين أحمد
|
|
|
|
|