| المجتمـع
* حوار : عبدالرحمن العطوي
السحر ذلك الفعل الشرير الذي يدمر الأسر والجماعات ويلحق الضرر بالكثير من الناس بفعل من انتزع من قلبه الايمان وانجرف الى الكفر والعياذ بالله ناسيا متناسيا ان هذا الفعل كبيرة من الكبائر واصبح البعض يخلط بين الشخص المسحور والموهوم بالسحر مما دعا بالبعض الى استغلال ذلك والحصول على الكسب المادي مستغلا رغبة المرضى في الشفاء مما جعل هؤلاء الاشخاص يدخلون مجال الرقية وهم مستترون بها وفعلهم كما يفعله السحرة والمشعوذون لاستغلالهم هؤلاء الموهومين بانهم مسحورون, الجزيرة التقت بفضيلة الشيخ ناصر بن محمد العمري مساعد رئيس المحكمة المستعجلة بتبوك الذي تطرق لمثل هذه القضايا وكشف غموض بعضها فكان هذا اللقاء:
* السحر مرض اجتماعي خطير وفتاك يضر بالمجتمعات ويدمر الاسر والجماعات نود من فضيلتكم ان تحدثونا عن هذا المرض الخطير وكيف الخلاص منه؟
السحر فعل مذموم، وكبيرة من كبائر الذنوب، شدد فيه المولى أيما تشديد وحذر منه غاية التحذير، واستحق فاعله لقب الكفر، واعلن المصطفى ان حده ضربة بالسيف، فالساحر شخص مريض القلب، ضعيف العقل، سقيم الفهم، بعيد عن الحق، قريب إلى الشر، بطيء في عمل الخير، سريع في عمل الضر فحري بمن هذا وصفه ان يمقت ويبغض، ويفضح امره ويشهر به فكم من صحيح قد لحق به منه الضرر، وتفرق بسببه الأصحاب، والآباء عن الأولاد، وكم من بيوت فيها شاكٍ وشاكية تسمع انينهم، ويظهر لك اساهم وحزنهم، وكل ذلك قد يكون بسبب هذا المارد الخبيث ومن اعانه وسار في طريقه من ذوي الهوى والضلال الذين هم مهددون بلقب الكفر فلا بد اذن من محاربة هؤلاء الظلمة، وكشف استارهم واظهار عوارهم، حتى يظهروا توبتهم او ينالوا عقابهم، وبذهابهم وقطع دابرهم يسلم المجتمع من شرورهم، نسأل الله أن يطهر مجتمعاتنا منهم، وأن يعافي من ابتلي بسببهم.
* دخول الجني في بدن الانسي ثابت باتفاق اهل السنة وهذا امر مشهور ومحسوس لمن تدبره ويدخل في المصروع ويتكلم بكلام لا يعرفه وعن النبي صلى الله عليه وسلم (أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم)، متفق عليه، ما قول فضيلتكم لمن يشكك في مسألة مس الجن بالإنسي.
مسألة دخول الجان في بدن الإنسان تكلم عنها العلماء وليس هناك في الحقيقة ما يمنع من تصور تلبس الجان بالانسان لان الجن اجسام لطيفة لا ترى بالعين المجردة، ولهم قدرات خارقة منحهم اياها الخالق سبحانه وتعالى، والعقل السليم المستنير بنور الوحي لا يمكن ان ينفي تصور تلك الحقيقة، والذين انكروا ذلك انما انكروه لان عقولهم بعدت عن تصوره مع ان هناك اشياء محسوسة ومرئية عندما يعمل الانسان فيها عقله فانه يتعب ويكل عن تصورها رغم انها مشاهدة ومحسوسة الا ان معاينته لها خففت من وطء ذلك الكلل والتعب العقلي، بينما دخول الجني في الانسي امر غيبي فلم يكن بوسع بعض العقول تحمل معاناة الكلل والتعب العقلي فسبب ذلك عجز التصور ثم نتج عنه نفي الحقيقة، لكن هذا امر خطير يجب ان يتنبه له كل انسان لان اعمال العقل وحده ولاسيما في قضايا الغيب قد يؤدي في كثير من الاحيان الى شطح في التفكير وشطط في القول، وكم زلت اقدام، وضلت افهام بمثل هذا وما انكر من انكر قضايا الغيب الا بسبب اقحام العقل في امور لا يستطيع الانفراد بابراز حقيقتها دون الاهتداء بنور الوحي، فالعقل طاقة محدودة يجب ان تقف عند حدودها، ومن يتعد تلك الحدود فقد ظلم نفسه، وهناك أمور كبيرة يريد كثير من الناس اقحام العقل فيها ويطالب دائما بمعرفة كنهها مع انها قد تكون من اسرار الخلق، ثم لا يلبث ان ينتكس او يرتد والعياذ بالله، ولو سألت هذا المسكين الضعيف عن ايسر المسائل المتصورة فقد لا تجد لديه اجابة عليها اعود فاقول انه رغم القول بدخول الجان في بدن الانسان الا انه لا يمكن القول ان كل حالة مرض يصرع فيها الانسان او يتكلم فيها بعد او قبل انصراعه تكون بسبب الجن بل قد يكون لاسباب اخرى، فقد يهذى المريض بسبب مرض نفسي او عضوي بهذيان يظن معه الناس ان الجان قد نطق على لسانه مع انه قد لا يكون هناك اختلاف في الصوت والكلام، فالصوت هو صوت المريض والكلام هو كلامه، وكم من الناس اتخذ من هذه الطريقة حيلة ليصل بها الى مآرب اخرى وهذا قد رأيناه وتأكد لنا في قضايا كثيرة تم نظرها شرعا من قبلنا كانت نتيجتها على خلاف ما يظنه الناس، بل على خلاف ما كان يظنه اصحاب الرقية الشرعية، فلا بد من التنبيه إلى هذه المسألة ايضا وعدم الدخول فيها بجزم حتى لا يتسلل عن طريقها اهل الأهواء واصحاب المقاصد الفاسدة.
* كثير من الناس الذين يشككون في مرض شخص يلجأون لبعض الدول المجاورة ويدفعون الاموال للدجالين الذين يستخدمون الطلاسم واشياء ما انزل الله بها من سلطان لغرض شفاء هذا المريض ما نصيحة فضيلتكم لمثل هؤلاء الناس؟
نصيحتي لنفسي ولكل مسلم ان يخاف الله، وان يبتعد عن كل ما يبغضه من الاقوال والافعال، واخص بالوصية من ابتلي بالذهاب الى السحرة والدجالين، فان حالهم مع هؤلاء كالمستجير من الرمضاء بالنار فهم يذهبون اليهم ويعودون بالخسران في الدنيا والاخرة ان لم يتوبوا، ثم ان اعلان النبي صلى الله عليه وسلم بان من أتى كاهنا او عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد، يؤكد القول بالخسران، فهؤلاء الدجالون يبيعون الوهم للناس، ثم يسلبون منهم اموالهم ويضيعون عليهم دينهم، ثم لا تسأل بعد ذلك عن حالهم فيا أهل الايمان توجهوا بقلوبكم الى الرحمن، واقطعوا برجائكم المسير الى الكهان تجدوا العافية والراحة والاطمئنان.
* البعض يعتقد ان الانسان الممسوس لا يحدث له ذلك الا بفعل فاعل فهل لفضيلتكم ايضاح هذا الامر الذي قد يجهله الكثير من الناس.
مس الجان للانسان قد يكون بسبب داخل، وقد يكون بسبب خارج اما السبب الداخل فمن الانسان نفسه حينما يتعطل لسانه عن ذكر الله، ويخلو قلبه من محبة الله ورسوله، ويجول فكره فيما حرم الله ورسوله، فلا تسأل عن حاله عند ذلك فلن تراه الا مطرقا برأسه، قد غلبته وساوس الشيطان وافكاره فكثر همه وزاد غمه، وعلاه حزنة، فليس له عند ذلك الا الالتجاء الى الله، وطلب الغوث منه حتى يذهب عنه ما ألم به واما السبب الخارج فعندما يتعرض الشيطان للانسان لإلحاق الضرر به وهذا لن يكون الا باذن الله فهو ابتلاء من الله وقد يلحق بهذا خوف الانسان من الجن الآية وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا كما ان الانسان قد يلحق الاذى بالجان فيعود عليه مثل ذلك الاذى او اكبر منه، كما ان المس قد يكون بسبب فعل فاعل من ساحر ونحوه،وفي هذا يقول الله تعالى: وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله,, الآية .
* كثر في الاونة الاخيرة الرقاة الذين يلجأ اليهم الناس لعلاج الممسوسين واصبح البعض من هؤلاء الرقاة يستخدمونها من أجل الكسب المادي موهمين البعض بأنهم قادرون على المعالجة فهل لفضيلتكم توضيح في ذلك؟
لاشك ان الرقية الشرعية عمل جائز بل قد يكون مستحبا اذا دعت الحاجة الماسة الى ذلك ولاسيما في هذا العصر الذي كثرت فيه الامراض النفسية والحالات الوهمية التي لايجوز ان تعالج بأوهام الدجالين، والسحرة والمشعوذين، بل تعالج بما ترتاح له النفوس وتطمئن له القلوب ولكن مع هذا لا ينبغي ان يفهم ان الرقية الشرعية تحمل طابع الاحتكار في اشخاص معينين، بل ان قراءة المريض على نفسه وتوجهه الى ربه، خير من قراءة الاخرين عليه ودعائهم له، وفي كل خير، ولكن كما قيل (ماحك جلدك مثل ظفرك) وعندما غاب هذا الفهم الصحيح عند كثير من الناس اصبحوا يتعلقون بالاشخاص ويندفعون اليهم زرافات ووحدانا حتى طمع من طمع فاتخذ ذلك وسيلة للكسب المادي، فلم يعد عمله نافعا، ولاكسبه مباركا، بل دخل في ذلك من لاعلم له ولا فهم ولا هم له سوى جمع المال مستغلا رغبة المرضى في الشفاء ولو انه احسن القصد واجاد الطريقة، وابتعد عن المخالفات التي يقصد من ورائها لفت الانتباه، وترك الخوض فيما لا علم له فيه، وابتعد عن اصدار الآراء والاحكام العارية عن الدليل، التي كثيرا ما تسبب القطيعة وتورث الاحقاد، واكتفى بقراءة الاوراد، ثم قنع بما آتاه الله بعد ذلك لكان ذلك حسنا، ولكن للاسف الشديد ان المشاهد في كثير من هؤلاء خلاف ماهو مطلوب، حتى ان بعضهم نصح مرارا فلم يلتزم سبيل النصح حتى أقيل، ولابد في الحقيقة من مراقبة مثل هؤلاء مراقبة دقيقة لان وجود الرقيب يمنع من التمادي في الاخطاء، ولا سيما انه لم يعهد عن السلف الصالح ان تفرغوا لهذا العمل او اقام احدهم دورا للرقية الشرعية ثم كم من شخص قد دخل في هذا المجال مستترا بالرقية الشرعية ثم تبين انه يعمل في الخفاء كما يفعل السحرة والمشعوذون، فهذه قضية خطيرة يجب التنبه لها، والعمل على ايجاد الحلول المناسبة لها، لانني لم اجد سالكا في هذا الطريق بصدق وحاملاً فيه لواء النصح الا القليل.
* اشتعال النيران في المنزل اصبحت كالظاهرة وكثيرا ما نسمع عن حدوث حرائق في بعض المنازل دون فعل فاعل فهل تحدث هذه الحرائق بفعل الجان؟
الجزم بان تلك الحرائق تحدث بفعل الجان يحتاج الى دليل، ولا أعلم دليلا على ذلك، سوى بعض المشاهدات التي تحتمل الصواب والخطأ، بل اني اقول من واقع تجربتي في نظر مثل تلك القضايا انها الى الخطأ وعدم الصحة اقرب، مع انه لا ينكر ان الجان قد يكون سببا في الاحراق فهذا من اسهل الامور عليه بل ان الجان مخلوق من مارج من نار لكن ان يقال ان هناك نارا تحترق وان الجن هم السبب، فانه لا يجوز تصديق مثل ذلك حتى يشهد العدول الثقات انهم رأوا تلك النار تحترق امامهم فجأة دون أن يروا من يقوم باحراقها، وهذا هو مالم يتأكد لي الى الآن.
* نظر فضيلتكم مؤخرا مثل هذه الحادثة (حادثة اشتعال النيران في احد المنازل دون معرفة الفاعل) التي اصبحت حديث المجتمع في تبوك وان الحرائق التي تحدث في هذا المنزل بفعل الجن لكن لفضيلتكم رؤية حيال هذه الحادثة نود طرحها أمام القراء.
- نعم لقد تم نظر تلك القضية وهي من افرازات قضايا اخرى مشتهرة وسابقة وقد تكون مشابهة وكان عندي قبل البدء في نظرها احساس عميق ان الدعوى التي اشتملت عليها دعوى كاذبة وكنت احدث بذلك من اثق به، فكان يتساءل عن احتراق تلك النيران في ذلك المنزل، ويذكر ان الناس قد صدقوا ذلك حتى شاع بينهم، ويستبعد ان يحرق احد منزلة فيلحق الضرر بنفسه، فلما جرى نظر تلك الدعوى، كان الغموض يكتنفها في بادىء الامر، ثم اخذ ذلك الغموض ينزاح قليلا قليلا حتى انبلج، فظهرت الحقيقة مثل فلق الصبح وانقشعت بعد ذلك غمامة الظلم عن شمس الحقيقة، فلما سطعت تلك الشمس بنورها اذا بدموع فرح المظلوم تنساب وتمحو دموع الاسى والحزن واذا بفرح الظالم السابق يمحوه ماحل به من حزن لاحق، ثم حل بعد ذلك به الكرب الشديد عند سماعه تقرير العقاب الاليم فلم يكن احراق تلك النار الا وسيلة مفتعلة للوصول الى غاية دنيئة، فالحمد لله الذي منَّ علي باظهار حقيقة ذلك الأمر وارشدني الى الوسائل المفضية الى ابراز الحقيقة فنتج عن ذلك عقاب الظالم ونصرة المظلوم، وفي الختام اشكر القائمين على جريدة الجزيرة اذ أتاحوا هذه الفرصة للتعليق على بعض المسائل المهمة وبيان حقيقة قضية احتراق النار المنشورة والمنتشرة.
والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.
|
|
|
|
|