ثمة شيفرة سرية تتسلل إليك عندما تتأمل عملاً فنياً مميزاً.
والميزة الأولى في هذا العمل أنه لا يحتاج إلى من يقدمه إليك ويكون جسراً بينك وبينه,, بل إن هذا الجسر أو الوسيط قد يكون حاجزاً خفياً دون استمتاعك به!
حين سئل الشاعر الدكتور غازي القصيبي يوماً عن شعره,, ماذا يعني بهذه القصيدة أو تلك؟! أجاب بما معناه: (أنا لا أرفق أشعاري بمذكرة تفسيرية للشرح أو الايضاح,, بل أترك حرية الفهم والاستيعاب للقارئ هو وحده يفهم ما يشاء وما يحلو له,,) ومن هذا المنطلق كان بودي لو أن الأديبة ليلى العثمان لم تشرح مناسبة إحدى قصص مجموعتها القصصية القصيرة (يحدث كل ليلة) وذلك أثناء الحوار الذي أجري معها في برنامج (خليك في البيت) أحد برامج قناة المستقبل كما هو معروف.
حيث تحدثت عن وضع خاص بها وهو مدى إحساسها بالوحدة ومتى يكون؟! قالت: إن ذلك يحدث أحياناً وبشدة حين يغادرها جمع من الناس تكون قد أمضت معهم لحظات جميلة وفي نهاية السهرة يذهب كل منهم بصحبة قرينته غالباً وتبقى هي.
ثم أردفت: ولذا فقد كتبت قصة المشنقة والتي كانت تصور إحدى هذه اللحظات بعد مغادرة ذلك الجمع لمنزلي,, تقول في مطلع القصة:-
غابت كل الأصوات,, رقرقة العود صقلات الطَّار وشوشات الأقدام, الضحكات,, الحوارات الطارئة الصاخبة,, الهمسات,, تلاشى الدفء كله، انتصبت مشنقة الليل,, ران هدوء مفزع! وتقول أيضاً:-
بقيت وحدها تتلمَّظ عطر سعادتها التي تسربت مع تسربهم، تواجهها الأبواب المغلقة تهز أمنها اللوحات المشنوقة على الجدران,, تنتصب أمامها خيالات الليل نائحات معزًّيات, .
لا أدري أي شعور انتابني أثناء قراءتي قصص ليلى وتحديداً حين بلغت القصة التي تحدثت عنها أعلاه,, اجتاحني شعور غريب بأنني فقدت شيئاً ما من متعة القراءة وسرعان ما أدركت السبب، إنه حديث ليلى المسبق عن القصة,.
ليت ليلى لم تشرح ولم تفسر وتركت ذلك لفهمنا المجنون وللهفتنا الدائمة إلى الابحار بين الكلمات والأسطر,, ليتها تركتنا لذلك الشعور العنيد لاختراق المعاني واحتمال الموج مهما كان عنيفاً وصاخباً.
|