| مقـالات
يذكر الدكتور عدنان الدوري في كتابه الرائع أسباب الجريمة وطبيعة السلوك الإجرامي فيما يتعلق بأثر وسائل الإعلام أو ما أطلق عليه مؤسسات التواصل العامة,,, في دفع الفرد للجريمة.
إذ إن لكل مجتمع وسائله الخاصة التي توصل أفراده بعضهم ببعض ,, والمجتمعات البسيطة كانت تهيئ لأفرادها تواصلاً مباشراً من خلال مواجهة شخصية face to face علاقة الوجه بالوجه, إلا أن ذلك تعذر في وقتنا الحاضر حيث تم الاستعانة بوسائل ثانوية غير مباشرة, من أبرزها الصحف والمجلات والكتب الهزلية أو مجلات الاطفال والراديو السينما التلفزيون الفضائيات,,, فهي متيسرة بشكل يمكنها ان تطرق كل باب.
ولا شك ان لها جانبها الايجابي والسلبي في التأثير على الأنماط السلوكية واما عن دورها في زيادة معدلات الجريمة والجنوح,,, وهو الذي يهمنا في هذا الباب، يعتمد على الفرد ومدى استجابته للإيحاء واستعداده للانحراف.
إن وسائل الإعلام تتباين من مجتمع لآخر حسب أهداف المجتمع السياسية والاقتصادية والدينية والتربوية والاجتماعية,,.
يقول أحد أطباء الامراض العقلية:
إن نشر اخبار الجريمة بشكل معين قد يزود الفرد بأفكار اجرامية جديدة، او تضاعف استعداده او يلهب غريزة كامنة فيه او يهيئ له الإطار الذي يبرر له ارتكاب الجريمة.
ولو تناولنا بعضاً من اجهزة الإعلام ودورها في الوقوع في الجريمة بدءاً بالصحف والتي تعلِّم الأفراد أساليب جديدة لارتكاب الجرائم كالوسائل الفنية لسرقة السيارات وكيفية تغيير معالم ملكيتها الحقيقية كما انها احياناً تجعل الجريمة ظاهرة اعتيادية لا بد من وجودها في المجتمع.
وفي احيان أخرى تعمل على اثارة خيال الاطفال والمراهقين بشكل يدفعهم لتقليد المجرمين.
الا انه من المهم ان نقول ان الصحيفة كمؤسسة اجتماعية بالإمكان ان تعمل في مكافحة الجريمة والوقاية منها,,, كما هو الواقع في اغلبها,,.
ولو تناولنا كتب الاطفال وأثرها على الطفل بحيث يقدم بعضها صورة للطفل للقيام بسلوك معين منحرف او تقديم بعض القيم والاتجاهات والأنماط السلوكية غير السوية,,, وعموماً لو ذكرنا بعضاً من الايحاءات التي تنقلها وسائل الاعلام بشكل عام نذكر منها:
انها تصور حياة الترف والبذخ الذي يعيشه المجرمون.
إضفاء طابع البطولة على شخصية المجرم وجعله نموذجاً حياً.
تنمية الشعور الجمعي بالعطف على المجرمين ,, وذلك كون المجرم ارتكب جريمته لسبب فقره او كونه عاش يتيماً او لم يحصل على عمل يتكسب منه فلجأ لطريقة السرقة والنهب,,.
بلورة الشعور العدائي ضد أجهزة العدالة والشرطة ورجال القانون وكونهم سلطة متعسفة تعشق القمع والحبس دون تسليط الضوء على الوجه المشرق الذي يبين الأمن الذي يعيشه افراد المجتمع بسبب الاجراءات الأمنية وقوة الضبط.
تعرض اساليب ابتكار الجريمة وتوضح جانب التحضير والتخطيط والتنفيذ.
تعلم المشاهد كيف يحمل السلاح ويستخدمه.
تعلمه كيف يخالف القانون دون ان يناله عقاب.
تعرض الجريمة بشكل مشوق ومثير للخيال.
تصور المجرم انه شخص ظريف.
تبين الشهرة التي يحصل عليها من يخالف القانون,, وهي مطلب لكثير من المراهقين,, الذين يبحثون عن الشهرة بتحقيق مبدأ خالف تذكر .
وعلى أي حال يتوقف ذلك على مدى استجابة الشخص لما يسمع ويشاهد,, ومدى استعداده لارتكاب السلوك المنحرف وتنشئته الاجتماعية التي تشربها طوال فترة حياته وماهية القيم والمبادئ التي يعتنقها,, وأسلوب الضبط في الأسرة والمجتمع المحلي والمجتمع العام,,, فهناك عوامل عديدة لتفسير ظاهرة الانحراف والجريمة لا تقف عند عامل الإعلام فقط رغم اهميته في ان يُجعل منه عامل بناء وصلاح او معول هدم, وأجدها فرصة لكل من يسهم في تزويد وسائل الإعلام بصورها المتعددة بفكره ورأيه وقصته وكلمته وتمثيله,,, أن اذكره بقول الشاعر:
وما من كاتب الا ستبقى كتابته وإن خفيت يداه فلا تكتب بكفك غير شيء يسرك في القيامة أن تراه |
*جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
|
|
|
|
|