نوَّارة,,.
اليوم,,, هو الأول بعد خمس سنواتٍ مضين منذ أن أسلمتِ الرمحَ، واستويتِ ناهضةً بين حياةٍ فانيةٍ، وحياةٍ باقيةٍ,,، تتبرزخين في ملكوتِ الله الذي خلقكِ، والذي دعاكِ,.
اليوم يا نوَّارة أؤكد لكِ,.
أنك لم تبارحي ثانيةً، ولا جزءاً منها مقرّكِ في كلِّ مساحةٍ فيَّ، وفي ذاكرتي وحسي,,،
ولم تكوني في لحظةٍ في منأى عن هذا الكيان الذي هو منكِ وأنتِ,.
أتدرين أنَّ القطرة حين استوت بحراً، ناهضَتني أمواجُها، كي تتحوَّلَ شواطئُها في مخارجِ منافذِ الرؤية عندي,, كي أظلَّ في بحركِ,.
وما قدرتُ لحظة أن أستلَّ نظري بعيداً عن موجاتِها,, ولا كليِّ,,،
خمس سنواتِ,,.
وكلُّ ليلةٍ وصباحٍ أناشدُكِ اللَّه أن تُعَمِّري لحظةً بلحظةٍ لياليَّ، وصباحاتي,,، وأنتِ تفعلين,,،
تأتينني منفرجةَ البسمةِ,.
فأعرفُ أنكِ ماتعةً,, ولكنني أدري أنكِ مشوقةً مثلي,,،
يا نوَّارة,.
كيف قدرتِ أن تطوي الزمانَ، والمكانَ، والأسبابَ، والمواسمَ، والأزمنةَ كلَّها كي تكون في يدكِ،
وفوقَ كفِّكِ، بوصلةً كي تكوني إليَّ وأكونَ إليكِ؟,.
أدري يقيناً أنني عِشقُكِ الأزلي بمثلِ ما أنَّكِ لي,.
ولا يُنازعني آخرُ في هذا العشقِ مهما استوت الحقائق,.
ولأنّني أدري ذلك، فإنني مغرورة بهذا الحبِّ، الروحيِّ الراكضِ,,، بمثل ما أنَّني حفيَّةٌ بهذا العشقِ,,.
يا أنتِ,, يا نوَّارة العين، والقلبِ والحياةِ,,.
كيف أنتِ هناكَ؟
كيف؟,, إني هنا؟!
أقسمُ لكِ إن الحياةَ بدونكِ، لا تحلو إلا بكِ,,،
وإنَّكِ أبداً لم تنتهي,, لم تنتهي,, لم تنتهي,,،
وإنَّكِ أبداً لم تذهبي,, لم تذهبي,, لم تذهبي,,.
تذكَّرتُ أمسَ خفقتي حين صعَدَت زفرتُك الأخيرة,,، كيف كان رفيفها,, ورسيسها,,،
كيف كان قلبي يطوي إليكِ المدى,,، كي يكونَ بساطَ زَفرَتكِ إلى حيثُ تتمادين بهاءً في رحمته تعالى,.
بإذنه تعالى,,،,.
نوّارة,.
اليوم هو الأول,, لتجربتي الجديدة مع نوعٍ جديد من الفقد,.
كان ذلك في مثله قبل الخامسة من بعد العصر,, قبل خمس سنواتٍ,,,،
لا أدري يا نوَّارة كيف استطعتِ أن تملكي منِّي نهاري وليلي,, في حلقةٍ اتصلت بين شهقتي وزفرتكِِ,,، بين دمعتي وابتسامتكِ,, بين ذلك النور الذي انبعث من جبهتكِ، ومسحة الحزنِ التي مسحتِ بها فوق جبهتي,.
ألقيتِ مجدافكِ، وأطلقتِ مفاتيح الدروب أمامكِ، ورحلتِ إلى المدى الذي لا يتناهى,.
هناك كان لكِ موعدٌ مع الصَّبر الذي توَّجَ بصماتِ قدميكِ، وأناملَ كفَّيكِ,,.
فأمعنتِ الرحيلَ,, كي تُظلَّلي تحت وارفات الحبِ، والصدقِ، والصبَّرِ التي غرستِها فسيلةً فسيلةً، وأذكر,.
أذكر أنَّكِ كنتِ تُلقمينني شيئاً من تلك البذور,, تقولين: هذا غذاء الحياتين يا صغيرتي,.
وظللتُ تلك الطفلة المدلَّلة عندكِ، حتى لم تعد للسنين أيةُ محاولةِ حوارٍ معي,, ذلك لأنَّكِ أوقفتِ حوارها بين عينيكِ حيث جعلتِني أتمادى,, وأتمادى,, وأتمادى,,,،
وحيث وضَعتِني,.
وحيث حَصَّنتِني بتراتيلكِ الروحانية العميقة,.
وحيث حَضَنتِني نحو مداكِ,, وبصَمتِ فوق هذا المدى كلَّ شيء منكِ,,.
وتأكَّدتِ يقيناً أنَّني مَعَكِ,, وأنّكِ معي,.
ذهبتِ,,.
وبقيتِ,,.
سافرتِ,,.
وعدتِ,,.
وحيث لم تعد إشراقة اليوم الجاهر لنبراتِ صوتكِ الدافئ ترتفع,.
ولا لنظراتِ عينيكِ لمس الوقوعِ البوحي النَّابر,,.
فإنني أتفقَّدكِ مع وجودكِ
وأتلمَّسكِ,, مع غيابكِ,,.
وأجدكِ كياناً ملموساً باقياً قريباً,, في صمتهِ النَّاطقِ، ونطقهِ الصَّامتِ,,.
وأجدني أبدأ معكِ رحلة لا تنتهي,.
لعشقٍ لا ينتهي,.
فلتدمي برحمةِ الله في ظلٍ ظليلٍ,,.
تتفيئين نعيماً لا ينقطع,.
وأظل لكِ بين عينيكِ أنهل من نهر حبكِ الذي لا يجف أبداً.
|