| الاقتصادية
يعتقد ان الاقتصاد الصناعي العالمي قد دخل مرحلة تغير لها شخصيتها وسماتها الفارقة عما سبق منذ نهضتها الصناعية في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي, والتي غلب عليها آنذاك طابع التنازع والاصطدامات الحضارية,, كانت بعيدة عن التعاون والوفاق الاقليمي والدولي, ويدعم ظهور هذا التغير المميز في المقارنة بين السابق والحاضر تحول مراكز القوى الاقتصادية مع منتصف القرن العشرين, فسابقا عاش العالم مرحلة الصراعات الاستعمارية القهرية والنزاع حول الموارد الطبيعية والبشرية كانت في اخلاقها اقرب الى شريعة الغاب مستقلة ومستنزفة موارد الضعيف بغير حق شرعي حتى بلغ فيها الصراع الاستعماري فجوره الى المتاجرة في بيع وشراء الانسان بأبخس الأثمان لتسخيره في حرث الأرض وحصادها, ويبدو ان تلك الأنشطة لا تزال قائمة بصورة خفية تزينت بها بقناع ملون وبرعت فيها مؤخرا باختيار اساليب متطورة من الدهاء وفرت بها تكاليف ادارة مستعمراتها الباهظة.
ورغم ذلك فلم تعد صراعات الحروب الساخنة الشاملة بالضرورة الحل الأمثل الفاصل للسيطرة على الاسواق والحصول على الخامات الأولية اللازمة للانتاج الصناعي في مواطنها, ولم تعد الأساطيل البحرية قادرة ان تلعب نفس الدور السابق الذي لعبته لمصالح البرتغال واسبانيا أو هولندا في القرن السابع والثامن عشر الميلادي, أو كما كان الحال بالنسبة لبريطانيا وفرنسا واليابان في بداية القرن العشرين بل لم تعد صراعات الحرب الباردة التي كانت ساحتها دول العالم النامي الحل المناسب للحصول على الموارد والاسواق فكلها ادارات اتجهت الى تحولات جديدة لفترة اقتصادية متغيرة يشهدها العالم, فالدول المتقدمة اخذت تراجع حساباتها لمستجدات ظروف عالمية تختلف شكلا ومضمونا عما عرفته من قبل, فاصبحت الآن مرتبطة بعضويات هيئات دولية واتفاقيات مصالح وتكتلات السياسية واقتصادية منها الكمنولث والسوق الأوروبية وغيرهما فرضت عليها الالتزام والتكيف مع الوضع المتغير تركت بموجبها سواء مخيرة او مسيرة مبدأ التميز والتفرقة والفوقية, وزاد من وضوح ملامح الاستجابات زيادة مجالات التعاون والمشاركات والمبادلات بين الشمال والجنوب, فقد تحولت الاستراتيجيات وانتشار قواعد المعاملات الاقتصادية والمنافسة على تقديم الافضل نوعا وكما وتحرير الاسواق من الحمايات الجمركية وانتشار قواعد المعاملات الاقتصادية بالمثل, كلها مسببات ايجابية اذنت بالشروع في تعاون بشري بناء وانفراج لنظم اقتصادية جديدة وعجل على سرعة هذا الاتجاه التغير الملموس في خريطة القوى العالمية, فبعدما كان العالم مصطدما لتعدد مراكزه الثنائية والثلاثية في بداية ومنتصف القرن الماضي اصبح الآن أحادي الوجود لا مجال لمقارعته بأي حال مما اقنع المنافسين بقبول الوضع الحالي والاقلاع عن الاتجاهات التي كانت تطبق سابقا, كما اقنعهم بضرورة البحث عن بدائل وخيارات اخرى يتم فيها تصريف السلع والخدمات التي تنتج هناك بطرق سلمية تعاونية تكسب بها المستهلك, فما كان امامهم سوى رفع كفاءتهم الانتاجية واتقان نوعية وجودة السلع لتقابل مثيلاتها, وبقيت الخيارات نحو تحديث الآليات الصناعية والاستعانة بالتقنية المطورة لديهم كمطلب ضروري لدخول القرن الحادي والعشرين المتسارع التغير, وقد تلاحظ الدول النامية في هذا المجال ان استراتيجيات التصدير ربما تكون الطريق الوحيد الذي لابد ان تسلكه لمواكبة التغيرات والتطورات الدولية, حيث ان اتفاقية الجات تنص على الغاء جميع العوائق التي تعترض التجارة وخاصة الواردات القادمة من الدول الاقل نموا وعدم فرض الرسوم والحصص على تلك الواردات مع الحد من استخدام الدول المتقدمة لاجراءات مكافحة الاغراق ضد صادرات الدول النامية, وهنا فقد تكون استراتيجية التصدير لها قيم اقتصادية ومنافع عديدة تستفيد منها الدول النامية لمقابلة التغير العالمي الجديد, وكفرصة لنقل منتجاتها رغم كل التحديات المنافسة لها فقد ظهرت بعض من الظواهر الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ناشئة محدثة تمثل لهم منافع كبيرة مواصلة السير في النمو والقضاء على الفوارق الاجتماعية, ويتعين عليها ان تواجه تلك التحديات الناجمة عن اغلاق اقتصادياتها في الماضي استراتيجية الواردات لانها غير معتادة على الانفتاح والمنافسة الدولية فهي بحاجة الى النظر لتنمية الاستثمارات من منظور مختلف في اساليبها واستراتيجياتها المستقبلية الاقتصادية فقد تكون المجالات التعاونية الاقليمية احدى هذه المجالات التي قد تستفيد منها, كما ان التركيز على التطور التكنولوجي والتقني وطرق الاتصالات والمعلومات والربط الالكتروني لتنشيط حركة التجارة والاستثمار بحاجة الى رعاية ومعونة منها كذلك فان تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة مطلب يحتاج الى تنشيط وتفعيل دوره وذلك بانشاء كيان مؤسسي للصناعات الحرفية في اطار اتحاد غرف التجارة والصناعة تتولى فيها وضع خطة متكاملة للنهوض بتلك المؤسسات قد يساعد على ظهور واقامة المدن الصناعية ومراكز الخدمات مما يحقق تكاملا مساندا بين جميع المنشآت الصناعية والاقتصادية في الموقع الجغرافي, اما تبادل الخبرات بينها في مجال التجارب الناجحة وتوفير احتياجاتها فقد يكون دعما اقليميا طيبا في الارتقاء بالصناعات التقليدية وتطويرها وادخال التكنولوجيا اليها حيث ان نقل التجارب الرائدة في مجال الخبرات والمعارف هو في الحقيقة انشاء حضانات اولية قد توفر كل سبل الخدمات الاستشارية والتسهيلات اللازمة للقطاع الصناعي.
ان اندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي سوف يترتب عليه اتساع حجم الاسواق وزيادة المنافسة كما ان فرص نقل التكنولوجيا بالنسبة لها سوف يتضاعف بسرعة تعود ولاشك بعوائد ومكاسب اقتصادية على جميع دول العالم.
ولضمان هذه الاستفادة فان من المفروض ان يعمل النظام التجاري العالمي بطريقة تتصف بالانفتاح والمساواة والالتزام بقواعد ذلك النظام وعدم التميز والتفريق بين دولة واخرى في اطار المنظمة العالمية للتجارة ووفقا لاتفاقياتها,
وتأكيدا لهذا الاندماج الاقتصادي والتعاون العالمي فيتوقع ان يحقق تضامنا اكبر للدول النامية ووصولا لمستويات اعلى للمعيشة لشعوبها, وقد تلعب المنظمات والهيئات العالمية دورا اكبر في تقريب المصالح المتباعدة وتحقيق العدالة والمساواة بين شعوب العالم بل واحياء الحوار بين الدول النامية والدول المتقدمة, حوار قائم على أسس المشاركة المسؤولية والمصالح المتقاربة والاعتماد المتبادل ومراعاة تطلعات وحقوق الدول النامية وأولوياتها فلدى معظم الدول النامية الرغبة الاكيدة في القيام بدور فعال في وضع هيكل النظام الاقتصادي العالمي خاصة مع بداية الالفية الثالثة وذلك بهدف التوصل الى رؤية مستقبلية لمتطلبات التنمية والرخاء.
|
|
|
|
|