| الثقافية
أيهما أقوى سيطرة على الحاضر وتوجيها لذوقه ورغباته وأحلامه وطموحاته؟، الماضي أم المستقبل؟
الحاضر وليد الماضي ومن نتائجه، والمستقبل من نتائج الماضي والحاضر ووليدهما، ولكن المستقبل أقرب الى الحاضر منه الى الماضي، وبخاصة ,, اذا كانت الأمور تسير الى الأمام,, وكما يفترض فيها ان تسير، لأن الحاضر هو من يحمل في أعماقه بذور المستقبل وحياته القادمة، والمستقبل هو من يعد بتحقيق نتائج وأحلام وطموحات الحاضر.
ولأن الأمم والمجتمعات والأفراد، والأذواق والثقافات والقناعات، والامكانات والقدرات، والوعي ودرجة النضج، ومعرفة المفيد من الضار، كل ذلك يختلف، فان التعامل مع جدلية الماضي والحاضر والمستقبل يختلف بالتأكيد، ومن الطبيعي ان تختلف النتائج والأرباح والخسائر المتحققة وبنفس درجة الاختلاف الأولى.
بعضهم، يبقي الماضي مسيطرا عليه، ويتخذ من الماضي قاعدة للحكم على الحاضر والمستقبل.
وبعضهم، يتخذ من الماضي دروسا وخبرات ومن الحاضر حيثيات لاستشراف المستقبل ورؤيته والبناء له، ويتخذ من المستقبل قطبا جاذبا للأحلام والطموحات وملهما يضيء دروبه وهو يسير في دروب الانسانية الطويلة والبعيدة.
من هنا انطلق الشعراء العرب الجدد في بداية خروجهم على العمود الشعري العربي القديم، وعلى مضامينه وأغراضه ومواقفه ورؤاه.
في البداية، أبدعوا طرقا جديدة في الكتابة الشعرية، متخلصين من قواعد وقيود وأنماط وأعراف الشعر القديم، والى ان استطاعوا ايصال الفعل الشعري الجديد الى عملية ابداعية تجديدية شاملة، لا تقف أمام الشكل فقط، ولا المضمون فقط، ولا البلاغة واللغة فقط، في سعيهم الى اجتراح شعر عربي جديد، لا يقلد ولا يردد، بل يبتكر ويبدع شعريته، بفرادة تتجاوز دائما: الاقتداء بنموذج سابق أو حاضر.
ومن هنا، ربطوا الشعر بالحياة، بعد ان كان الكلاسيكيون يصفونها من الخارج، والرومانسيون يهربون منها الى الطبيعة.
ومن نجح من هؤلاء الشعراء، الجدد أدرك، ان أقصى درجات الالتزام، لا تحجب الخصوصية الفردية وعبقريتها ولا تعوقها ولا تمنع انتاج آثار فنية وأدبية تتميز بالفرادة والاستثناء، والخروج من الخاص الى العام,, من الذاتية الى الاجتماعية الى الانسانية في شمولها واتحاد قضاياها.
وفي داخل الاتجاهات الشعرية الجديدة، ثار جدل واسع حول أثر الالتزام في الابداع، وتأثيره في درجته الفنية وجماليته.
اتجه البعض الى الجمالية أو الذاتية أو البرج عاجية، واستجاب آخرون الى قضايا العصر وطرقه في الرؤية والتفكير والتعبير والتذوق، حين استطاعوا ان يبدعوا وحدة جديدة ورائعة بين الشكل والمضمون.
وحين لم يقولوا: بأن الشكل وحده معيارهم في الابداع والجدة والحداثة، بل المضمون أيضا، شكل حديث ومضمون حديث، ونجحوا في اثبات ان حالات الانفصام بين الشكل والمضمون هي حالات انقطاع بين الشاعر والحياة وحين أثبتوا ان الشكل الحديث هو الذي يستخدم مختلف أدوات التعبير المعاصر من رمز وأسطورة وحلم وفكر وموارد غيرها وان المضمون الحديث هو معايشة الواقع الحديث بكل أبعاده وتحديد موقف معين من العالم وعندما رفضوا النزعة الجمالية التي تصنف الموضوعات والألفاظ بين موضوعات وألفاظ شعرية وأخرى غير شعرية وأثبتوا ان الموسيقى الشعرية ليست في الوزن وحده، بل هي مركبة من: الوزن والصور والمعاني والأفكار والأصوات والوقفات وان التفاعل الداخلي مع العصر يستوجب ايجاد لغة قابلة للتجربة بايحائية مستحدثة وعندما أثبتوا ان تطور الرؤية الانسانية ثم الرؤيا الفنية في الموقف من العالم هو في أساس البناء الشكلي الجديد في الشعر العربي ، وفي الوقت الذي لا تزال فيه هذه المقومات تشكل قدرا مشتركا وتعكس رؤية الحداثيين لظاهرة الحداثة في الشعر العربي حسب د, خليل أبو جهجة في دراسته وما يورده عن آخرين يرى كثير من التقليديين ان الشعر الجديد غامض وجمالي وبلا غاية، أو متهم، وهو متهم بالنسبة للتقليديين في كل الأحوال,, ما داموا ملتزمين بقديمهم فقط.
والتقليديون يحاكمون الشعر الجديد من منطلق قراءتهم لبعض أنواع الشعر الجديد، لا كلها، فهم يرون الى جمالية الجماليين وغموض الغامضين وذاتية الذاتيين وبرج عاجية البرج عاجيين ورمزية وسريالية وابهام أصحاب تيار اللاوعي، ويحاكمون بها الشعر العربي الجديد كله، مع ان هذه الحالات المذكورة.
وان شكلت تيارات واسعة الانتشار والضجيج، لا تشكل في مجملها سوى نسبة قليلة من الشعر العربي الجديد الحقيقي والجيد سواء عند الرواد أو الاجيال اللاحقة لهم أو عند الشعراء الجدد.
|
|
|
|
|