| مقـالات
المقاهي مستغرقة في مسامرة أنفاس الغسق، الرواد ترحل أفكارهم عبر ضفاف ذلك الشاطىء متجهة الى السفن القليلة في وسط البحر تومض أنوارها الخافتة في لجة الأمواج, وهناك الأطفال يصخبون ويتقافزون على الشاطىء بمرح الطفولة وبراءة القصد سوى الانطلاق في أجواء الحرية التي لم تعرف قوانين الأرض البلهاء, ولسبب لا يعلمه إلا الله انفلت ذلك الطفل من سرب البراءة واتجه راكضا الى الطريق المبثوثة بمحركات الموت في ذلك الشارع المزدوج, فصدرت عدة أصوات لكابحات الفرامل والألسنة الخائفة لتفادي الاصطدام بذلك الجسد الضئيل المنطلق مخترقا تلك العربات التي لا تكف عن السير السريع لالتقاط الركاب على جانبي الطريق, وشعر الطفل بتورطه في تلك المغامرة فأخذ يصرخ ويغذ الخطى نحو الجانب الآخر عله يفلت من مصير شبه محدد تحت عجلات مارقة, على ان محاولة السائقين تفادي ذلك الجسد الصغير الذي يعانق الموت لاهثا استفرت عن تفادي الكارثة مؤقتا, ونهض أب يجلس بين رواد المقهى مندفعا نحو مقابلة الطفل المروع بخطورة الموقف فقدف بنفسه مضحيا هو الآخر بحياته عبر سيل العربات الذي بدأ مضطربا حتى استطاع احتضان ذلك الطفل البائس فتعالت شهقات الفرح من كل جانب لإنقاذ نفس بريئة كادت تغادر الحياة, وتجمع الناس من الجنسين لإمطار والد الطفل الذي فوجىء بما حدث بالتوبيخ والعتاب, وانضمت ام الطفل للجمع الغفير الذي تكاثر حول الولد الذي كادت تزهق أنفاسه متدخلة بالصراخ مدافعة عن زوجها من الألسنة التي تسلقه بالنعوت, والطفل البرىء استسلم لموجة من الحنان الذي افتقده منذ زمن فأرخى رأسه فوق كتف الرجل المنقذ والدموع تنهمر من عينيه البريئتين بينما الصراخ يشتد ما بين الحضور الذي تجمهر من كل جانب وقد اوقفوا السير في ذلك الموقع, وكان بعضهم يود أن يدخل السرور الى قلب الطفل باتحافه بما يستطيع لولا أن الموقف الصاخب لم يكن ليسمح بهذا التعاطف, وتذكرت أن عدد السكان في العالم أخذ في ازدياد لولا ان العاطفة الإنسانية تبقى ذلك الميل والانسياق نحو الطفولة بالذات بصرف النظر عما تفعله النساء في حياتنا من تعاسة وجدب يفقر الحب ويطفىء ضياءه على مدى العمر إلا من شعاعات صغيرة تومض ثم لا تلبث وان تختفي في الظلام, لأن التعاسة هي مصير الإنسان كما يبدو.
|
|
|
|
|