| ملحق القوارة
منذ أيام كُنّا مجموعة من الإخوة الأصدقاء نقف على الجال الشرقي للقوارة ,, وكان الوقت آخر النهار والشمس تقترب من الأفق الغربي حيث بدت القوارة بيننا وبين الشمس ، وكان الجميع يصوبون أنظارهم في الموقع الذي نقف عليه من الجال ، حيث كان المحتفى بهم الأستاذ فهد بن عوض الحربي المندوب السابق لتعليم البنات في محافظة عيون الجواء يشرح لهم عن المشروع السكني الذي سيقيمه في نفس الموقع من مزرعته (المعمورة) التي أنشأها حديثاً هناك.
وكنت من بينهم يسرح بصري مأخوذاً بمنظر القوارة وقد بدت على ضوء شمس الأصيل مدينة عصرية صغيرة بمبانيها الحديثة وشوارعها المسفلتة وهي تعج بحركة السيارات ، وخيل إلي أنني أبصر بلدة غير القوارة التي أعرفها ، فقد تغير فيها كل شيء تقريباً ، ما عدا ذلك الجبل الأحمر الضخم الجاثم في وسطها ك أبي الهول جبل حصيان القوارة الذي بقى محافظاً على هويته كأبرز معالمها على مر الزمان وعادت بي الذاكرة إلى المرة الأولى التي رأيت فيها هذا الجبل ، قبل أكثر من ثلاثة عقود ، إذ كان أبرز الأماكن التي كنا نرتادها في سن الطفولة والشباب ، إذ قدمت إلى القوارة مع الأسرة من مدينة ساحلية لا جبل فيها ولا نخل، هي جدة ، واستقر بي المقام في حائط نخلنا المعروف ب الراشدية الذي يقع في الوسيطا بين حي المدرسة وحي الهجرة وكانت إقامتي التي انطبعت فيها هذه الصور العائدة ، مدتها عام ، حيث غادرتها بعد ذلك ، وكان جبل الحصان هذا هو متنفسنا الترفيهي البريء آنذاك ، ترانا مجموعة من الأطفال نتسلقه حتى إذا علونا على ظهره ، كنا نبدو للناظر كالعصافير.
وترى بعضنا يعاني العنت وهو يحفر على صفحة جلده الصخري الأحمر ، وبعضنا يعالج الحفر بمفراص من الحديد أو سكروب ليكتب اسمه للذكرى أو جملة مما تخطر في ذهنه الصغير ، ولا تزال جملة حسبي الله التي حفرتها إذ ذاك ، تبدو لمن يزورون الجبل للنزهة ومطالعة معالمه.
وفي ذلك الموقع في الجال الشرقي اخذت الصور تنثال من الذاكرة ، فتبدو لي القوارة في فصل الربيع ذات مناظر طبيعية أخّاذة عندما تكتسي التلال التي تشكل جزءاً من معالمها ببساط أخضر موشّىً بألوان من الزهور الصفراء والحمراء والزرقاء.
وكيف رأيت حينذاك لأول مرة فيها ، بحيرتين طبيعيتين تمتلئان بالماء في الربيع (هما فيضتا ، صلاصل وأبقريّة) وهما تحضنان تلك الطيور المائية البيضاء ذات الرقاب الطويلة وهي تمخر الماء بهدوء إلى حيث الأعشاب الخضراء التي تحيط بكل من البحيرتين إحاطة الأهداب والربيع والصيف هما الفصلان اللذان يتركان انطباعاتهما في الذاكرة بتميزهما بالنماء والخضرة والازدهار والثمار.
فالصيف صورته مميزة بثماره اليانعة في حيطان النخيل وأشجار الفاكهة ، حيث تنتشر الحيطان متباعدة قد تفصل بينها عدة كيلومترات فنراها في تلك السن المبكرة وكأنها واحات في فيافي صحراوية ممتدة ، يلتمع سراب الهاجرة دونها ، لكنها أي القوارة في تلك الحيطان المسورة بالطين وبيوتها الطينية الصغيرة كانت تعج بالحياة بأهلها الذين عمرت قلوبهم تلك القيم والمبادئ التي توارثوها واتصلت بينهم وشائج الشيم التي لم يرضوا بها بديلاً أو يحيدوا عنها ، كهولاً وأشياخاً وشباباً متفتحاً على الحياة ومتطلعاً للمستقبل الذي يراه مشرقاً وجميلاً.
آخر الصور
بها استوقفت للنظر الرفاقا وقد همّوا من الربع انطلاقا قفوا لي برهةً عيناي فيها تأمل مربعاً للقلب شاقا وتزداد الجوانح من هواها وقد هبَّت نسائمها رقاقا تأرج بالخزامى والأقاحي بنفحٍ للأنوف زكى وراقا دعوني أغمض الجفنين شوقاً على مزدانة الصور إئتلاقا |
عبدالرحمن بن عوض الحربي
|
|
|
|
|