| مقـالات
تعتمد النكات على المفارقة والمفاجأة ولا تكترث بالمنطق وربما تلجأ إلى السخف ومن هنا تأتي قوتها في إثارة الابتسام والضحك، ولكن بعض النكات تكون عبقرية الحبك والمعنى وقد تعبر عن حالة عامة, شأنها في ذلك شأن الكاريكاتير الناقد اللاذع الذي يغني عن مقالة كاملة برسمة وبضع كلمات, ذات يوم أدى كاريكاتير لفنان الكاريكاتير المصري صاروخان لأن تستقيل الوزارة.
ومن هذه النكات العبقرية أن أحدهم ذهب لشراء دجاجة، ولما كان هناك محل حديث كبير متعدد الأدوار تم افتتاحه حديثا امتلأت وسائل الإعلام والجدران بدعاية قوية ملء السمع والبصر عنه فقد تكبد طول المشوار للوصول اليه, وهناك اتجه الى الكاونتر في الدور الارضي فقابله البائع باحترام وسأله:
مفرق أو جملة؟
مفرق !
معذرة ولكن الدور الأرضي للبيع بالجملة، اتفضل الدور الأول.
وهناك قال له البائع:
عفوا قسم الدجاج في الدور الثاني.
صعد الرجل الى الدور الثاني وقال للبائع:
اريد دجاجة لو سمحت!
بياض والا لاحم؟
لاحم !
هنا بيع البياض فقط,, اتفضل الى الدور الثالث.
وصعد الى الدور الثالث فساله البائع:
حية أو مذبوحة؟
مذبوحة!
عفوا,, المذبوح في الدور الرابع.
وفي الدور الرابع سأل عن طلبه فسأله البائع بدوره
منتوفة أو بريشها؟
منتوفة لو سمحت!
المنتوف في الدور الخامس.
في الدور الخامس سأله البائع:
مقطعة أو كاملة؟
مقطعة !
تفضل الى الدور السادس.
وهنا طلب دجاجة مقطعة، فسأله الموظف:
بعظمها أو مسحوبة العظم؟
مسحوبة العظم!
اتفضل للدور السابع.
في الدور السابع قال للبائع:
اريد دجاجة مذبوحة، منظفة من الريش، مسحوبة العظم، ومقطعة، فرد عليه البائع:
آسف توقفنا عن بيع الدجاج بأي شكل منذ اسبوع,.
واستدرك متباهيا:
لكن قل لي,, إيه رأيك في النظام؟!
هذه نكتة لا تُصنع إلا من دول العالم الثالث ولا تكون نكتة إلا في العالم الثالث حيث البيروقراطية العتيقة، والروتين المتكلس يخيم على كل شيء وحيث روح النظام وفلسفته تختفي وراء حجب قوية من التخلف الاداري والاجتماعي,, اما في غير العالم الثالث فإن هذه النكتة تصبح مصيبة، تضحي مأساة وتمسي كارثة.
والحمد لله نحن نسير في ركاب التقدم والخصخصة ونستورد أحدث النظم ونطبق افضل الانظمة ولكن على طريقة بائع ومشتر وبينهما دجاجة، وانصع مثال لدينا شركة الاتصالات وأبسط مثال هو الآتي: عندما تطلب الدليل وتسأل عن رقم هاتف معين يستقبلك الموظف بالترحاب ويحولك على جهاز التسجيل ولا ينسى ان يشكرك على اتصالك بالدليل, بعد ذلك المسألة شختك بختك فإذا كان شختك عليك إعادة الاتصال مرة ومثنى وثلاث وما بعدها حتى يرتفع بختك وتصل الى مبتغاك.
حدث هذا معي اكثر من مرة ولما تكرر عنّ لي ان أسأل الدليل عن رقم هاتف عيادتي, في المرة الأولى اعطاني رقما غريبا تبين فيما بعد انه لعيادة اخرى.
وفي الثانية اعطوني رقم الفاكس, وتكرر ذلك في الثالثة والرابعة اما في الخامسة وبعد جدل وتوضيح مع الموظف حصلت على الرقم الصحيح ولكنه والحق يقال لم يسألني عن رأيي في النظام.
اما اذا فتحت الدليل المطبوع لكي تبحث وهذا مجرد مثال عن فرع البنك الفلاني في حي الورود مثلا فستجد عشرات الارقام دون تحديد لما هو فرع او إدارة ناهيكم عن الموقع، وعليك حينها ان تهرش دماغك وتحاول معرفة المقسمات لا لتصل الى الرقم الذي تريده ولكن لتقلص الاحتمالات, اما الصفحات الصفراء فهي تذكرني بالابتسامة الصفراء تقول تفضل هذه الصفحات لمساعدتك ولكن تكتشف أنها القطة التي قابلت إليس في مطلع رحلتها في بلاد العجائب, من الصعب ان تجد غايتك في الصفحات الصفراء ما لم يكن هناك مربع يحوي إعلانا بشكل واضح ومع ذلك نقول ان لدينا دليل هاتف وصفحات صفراء تجعل المدينة بين يديك.
لقد علمتني أكثر من ثلاثين سنة في التعامل مع الدوائر الحكومية وشبه الحكومية ان اضع يدي على قلبي عندما اسمع أحدهم يقول القانون والنظام فأتوقع شرا مستطيرا والا تنجز معاملتي، والا يقضى طلبي المشروع إلا بعد فتح عمورية على يد معتصم يمتشق تليفونه او يلوح بكارته.
وفي السبعينيات جئت من القاهرة الى جدة صيفا في إجازة قصيرة وعندما حاولت الحجز للعودة وجدت تاريخا بعيدا، جزعت وتوسلت عبر الهاتف الى موظف الحجز فقال لي: خلاص دحين ما نقدر! فيه كمبيوتر, واسقط في يدي ولكن والد صديقي قال لي: سيبك يا ولدي! الكمبيوتر عشان ينظموا فيه الواسطة! أديني رقم حجزك وروح انبسط وهذا ما حدث، وما زلت أحمل له هذا الجميل.
وطالما أن الحديث بدأ بالعبقرية فلا بد أن ينتهي بها, والمواطن لدينا يستعمل مفهوم النظام بطريقة عبقرية فذة, إذا كان النظام لصالحه فإنه يشق الجيوب ويتظلم ويشتكي ويقلب الدنيا ويبعث بالبرقيات مشتكيا: الحق معي ! فالنظام يقول كذا وكذا,, وعندما لا يكون النظام في صفه فإنه يستمر بالشكوى والتظلم جات عليّ انا ؟ كل الناس يسوون كذا,.
ما رأيك يا طغرائي؟ علل النفس ما شئت بالآمال، أما انا فمتشائل وإن أردت سعبط (سعيد ومحبط)!
fahads@ suhuf. net.s
|
|
|
|
|