| مقـالات
هالني منظره، طفل لم يتجاوز الخامسة من عمره ولا يفهم كلامنا العربي وهو ابن لنا ويعيش بيننا، وشعرت بالأسى أكثر عندما رأيت أنه يفقه لغة خادمته الأعجمية أكثر من كلام أمه التي حملته في بطنها ورضع من ثديها، تلك الخادمة التي أصبحت واسطتنا في التخاطب معه والطلب إليه أن يفتح فمه أو يستلقي على السرير أو يجلس، كتبت له العلاج الذي دعوت الله أن يشفيه من مرض ألم به يومها، ولكن شعرت أن الدواء ليس بالذي كتبت، وأن هناك وصفة أخرى يجب أن تسطر، مسكت قلمي عله يفرج عني، وفكرت هل ياترى بلغ الانشغال بنا درجة لانلتفت بها إلى أبنائنا؟ ياويحنا إن لم يكن لسان فلذات أكبادنا لساناً عربياً مبيناً، وإن لم تكن ثقافتهم ثقافة الذكر الحكيم.
المشكلة ليست ظاهرة عابرة، هي أعمق من أن نأخذها بالعاطفة، إنها تستحق منا التمعن والتأمل وإيجاد الحلول الموضعية لها.
هناك ظاهرة الخادمة تلك التي أمست جزءاً من البيوت، فنجدها في المنزل ومع الطفل في كل لحظات حياته، منذ الولادة هي التي تعتني به، هي التي تعطيه الدواء، هي من تداعبه وتلاعبه، هي التي تذهب معه في الإجازات والعطلات إلى ماهنالك من أعمال تتعلق بحياة الطفل نجد الخادمة هي الأساس فيها، حتى أضحى الطفل يشعر أنها فرد هام في الأسرة وربما أكثر من ذلك.
أخوتي: العلم في الصغر كالنقش في الحجر، وهذا الذي تربى والخادمة تملأ عليه المكان لابد وأن يأخذ من ثقافتها وتربيتها ونظرتها، فالخادمة صحيح أنها قد تكون وضيعة الثقافة بمنظار الشهادات والدرجات، ولكن لها خلفيتها الاجتماعية وعاداتها وتقاليدها ولغتها وموروثاتها التي أخذتها عن بيئتها التي غالباً ما تكون مغايرة لبيئتنا، وهذه مهما حرصنا لابد وأن تصل لأطفالنا بشكل أو بآخر، بالشعور أو باللاشعور، وربما يكون فيها الشيء المدمر الذي لا نريده، قد يحتاج أحدنا لخادمة لأن مشاغل الحياة كثرت، ولكن لا يعني هذا أن تسلمها زمام أمانة يجب ألا تحملها غير أعناقنا، إنها أمانة الأطفال جيل الغد والمستقبل هؤلاء الذين يجب أن نبذل الغالي والرخيص حتى لانحيد بهم عن الفطرة التي خلقهم الله عليها، تربية الطفل عمل مقدس وكبير وكل واحد منا راع وكل راع مسؤول عن رعيته، أمانة هي تربيتهم، وصية هي تهذيبهم وتثقيفهم وسعي شريف هو العمل لأجلهم، ومهمات جسام كهذه لا تلقى على عاتق خادمة مهما بلغت مؤهلاتها، إنها مهمة الأم والأب، مهمتي ومهمتك أخي، فلنضحِ بجزء من وقتنا لعمل أهم وإن نظرت له من زاوية المردود فالمحصول وفير، لابل هائل جداً، ماأعظم أن تشعر بمحبة ابنك لك، ماأروع أن يراك هذا الابن المثل الأعلى، ما أمتع تلك اللحظات بين الأبناء وهم يقتبسون منك العمل الجميل والفكر النبيل، ما أجمل أن تراهم كباراً رائعين بارين تفخر بهم، ما أحلاها من مدرسة تلك التي يجب أن توجد تحت سقف كل بيت من بيوتنا تنهل من نبع ديننا الحنيف وتعطي أطفالنا اللغة والتربية والذوق السليم، إن ذلك لا يقدر بالدرهم والدينار لأنه السعادة بعينها، والله من وراء القصد,،،
د, عبدالمطلب السح
|
|
|
|
|