| الاقتصادية
ذكر الناقد الاجتماعي فانس باكاو في كتابه صانعو النفايات أن المؤرخين قد يشيرون إلى وقتنا هذا بانه عصر نبذ النفايات.
إنّ كثيراً من المواد الخام التي تدخل في الاقتصاديات الصناعية تخرج من الطرف الآخر كنفايات, ورغم ان النفايات أو القمامة ليست أكبر ولا أخطر فئة من فئات المواد المبددة في الدول الصناعية، إلا أنها بالتأكيد مؤشر للتبذير.
كما أن السلع التي تؤول في نهاية الأمر إلى قمامة تُسهم في الكثير من النفايات الأخرى التي تولدها المجتمعات الصناعية, فعلى حين يبدو أن كثافة استعمال المواد تتناقص في الانتاج الصناعي إلا ان التنامي المستمر في تولد النفايات الصلبة يوضح أنه يتزايد على الأرجح في قطاعات السلع الاستهلاكية,, وعلى ذلك فالمجتمعات التي ترغب في تحسين الكفاية الاجمالية لموادها قد يكون من الافضل لها أن توجه عنايتها إلى خفض ناتجها من القمامة.
والأكوام المتراكمة من القمامة تكاد تكون سمة مميزة لكل دول السوق الصناعية وفي منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أوضحت 14 من الدول الأعضاء التي لديها بيانات متاحة أن هناك زيادات في تولد النفايات الصلبة للفرد الواحد.
يقول جون يونج: التصنيع والنمو الاقتصادي لم يؤديا إلى حدوث زيادات في القمامة فحسب، بل وإلى تغيرات في خصائصها.
وعلى حين يظل الورق والكرتون عادة هما أكبر مكونين لنفايات البلديات الصلبة في الدول الصناعية، فإن أنواعاً أخرى من النفايات تتزايد بسرعة أعلى فالألومنيوم والبلاستيك ومواد أخرى جديدة نسبيا يتزايد احلالها محل المواد التقليدية مثل الزجاج، والفولاذ والألياف الصناعية.
كذلك فإن كثيراً من السلع الاستهلاكية الحديثة تحتوي على مواد سُمِّية قد تثير مشكلات في التخلص منها، فالبطاريات الكهربائية تحتوي على فلزات ثقيلة مثل الرصاص والزئبق، والمكانس الكهربائية المنزلية والمبيدات الحشرية، تحتوي غالباً على كيماويات خطرة.
وتتفاوت مقادير القمامة الناتجة تفاوتاً واسعاً في أنحاء العالم، وتوضح بيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لسنوات منتصف الثمانينيات أن الفرد الأمريكي والكندي يولِّد من القمامة ضعف ما يولِّده الفرد في أوروبا الغربية أو اليابان.
وتكمن أعظم هُوة في تولد القمامة بين العالمين الصناعي والنامي، ورغم أن القمامة لا تنفرد بها الدول الغنية، إلا أنها تتولد هناك على نطاق مختلف.
وفي الدول النامية، نجد أن النفايات ترف لا يتاح إلا للأقلية الثرية, وإعادة الاستعمال وإعادة الدوران أسلوبان للحياة، والكثيرون يعيشون على النبش في قمامة الاغنياء بحثاً عن فتات قيم.
ويتشارك كثير من الدول الصناعية في انتهاج تصرف رسمي تجاه القمامة، يُسمى تسلسل إدارة النفايات ويتضمن ذلك قائمة من الخيارات الادارية ترتب فيها الاولويات: الخفض من المنبع اي تجنب توليد القمامة، وإعادة الاستعمال المباشر للنواتج واعادة الدوران، والحرق، ثم استخدام المقالب كملاذ أخير,, ويُقِّرُ برنامج البيئة هذا التسلسل كما تُقِّره جماعات المواطنين وكثير من قادة الصناعات.
وللأسف، فإن الممارسة قد سارت في اتجاه مضاد تماماً للمبدأ فمعظم الحكومات تُواصل التركيز على الادارة بدلا من خفض النفايات وعندما تواجهها أزمات النفايات، فإنها تجنح إلى تمويل خيارات إدارة النفايات بنسبة عكسية لموضعها في التسلسل، حيث ترقى درجة إلى أعلى على السُّلم، من استخدام المقالب إلى الحرق.
وتوجد مفاهيم خاطئة حول طبيعة الحَرق (حَرق المخلّفات) إذ يشار إليه عادة بوصفه صورة من صور إعادة الدوران وبديلاً لاستخدام المقالب, وهو ليس أيا منهما إذا توخينا الدقة التامة، فالحرق يمكن أن يقلل من مقدار المواد التي تتطلب تخلُّصاً نهائياً وأن يسترجع بعض الطاقة إلا أنه لا يسترجع المواد أو يُغني عن الحاجة إلى المقالب.
والخلاصة، فإن المسار السلس للمواد يتيح للمجتمعات فرصة لحل مشكلات القمامة دون وجود مخاطر بيئية جديدة, إنه ينقلنا تجاه الهدف المرتجى، وهو كما وصفه شوماخر، أقصى درجة من الرفاهية بأقل قدر من الاستهلاك.
*وحدة بحوث الاقتصاد الإسلامي عمادة البحث العلمي بالرياض جامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|