| الثقافية
استيقظ وكالعادة، قبل شروق الشمس بقليل، ليصلي الفجر ويستعد لمشقة يوم جديد وسط أمواج الخليج الزاحفة بحماس نحو القرية، وما أن فرغ من الصلاة حتى اتجه نحو قلة التمر الرابضة في زاوية العريش، وبدأ يلتقط كل تمرة تبرز من بين أخواتها، حتى بان النقص منها، بعدها وجه نظره إلى زوجته، التي كانت تكنس الحوي ، قال:
اذهبي يا امرأة واملئي لي قدحي باللبن الذي جلبته البارحة.
هبت الزوجة للمطبخ، وسرعان ما أتت تحمل قدحاً كبيراً مملوءاً باللبن المحلي، ناولته إياه، فما لبث أن رجع إليها فارغاً تماماً.
استعد النوخذة سلمان للخروج متجها للمركب,, هاهم أعوانه من البحارة يجهزون المركب للإبحار، وما هي إلا دقائق حتى جهز المركب، واكتمل البحارة,, وأصدر النوخذة سلمان أوامره بالتوجه إلى كبد البحر,, واتبعها بزجرة على كل من لا يبدوا عليه النشاط الكامل، وبمثلها لمن لم يتجهزوا بعد,, أسدل المركب أشرعته، وهاهي مجموعة تفك الحبال.
في هذه الأثناء ارتفع دخان من وسط القرية,, تعالت له الأنظار وعمت بسببه الفوضى,, وحاول بعضهم الذهاب مستأذناً النوخذة:
حضرة النوخذة، يبدوا أن هذا الحريق في أحد المنازل، ونخشى إن ابحرنا أن لا يستطيع باقي الأهالي إخماده، فيلتهم باقي البيوت والحظائر، فهلا أذنت لنا باستكشاف الأمر؟
وماذا عن العمل الشاق الذي ينتظرنا؟!
أجاب آخر: يا نوخذه، رزقنا ما بيطير .
فأفزعه النوخذة بصرخة مدوية، استمر طنينها يرن لفترة في أذنه، وصمَّت آذان الباقين:
كيف تؤخرون كل المركب من أجل حريق لا تعلمون مصدره,,, تباً لمن هي في بيته, ثم استطرد:
هيا، سيروا المركب واتركوا هذا الهراء، ومن يفكر في هذا الحريق، لا أريد رؤيته في المركب بعد اليوم.
نفذ البحارة ذلك على وجل، وقلوبهم توسوس خائفة عواقب الحريق.
وفي البحر، أنزلت الشباك، وغطس الغواصون بحثاً عن المحار لنقله إلى ظهر المركب,, حيث يفتح هناك، وصار الكل يعمل ليتحول المركب وكعادته مصنعاً، فهذا يسحب الشباك وذاك يجلب المحار وآخر يفتحه ورابع يصنف الأسماك، والنوخذة سلمان يصدر أوامره المتتابعة إلى كل من تلمحه عيناه، وهم على هذا الحال حتى غربت الشمس إذ صلوا العشاءين ثم استلقى كل واحد منهم بطريقته الخاصة وبدوا كالجثث المتراكمة.
وما طال هذا الوضع,, إذ هموا بالرجوع، وهم هذه المرة بصيد وفير قليل الحدوث، ولكن أحداً لم يبد أي سعادة بذلك,, إلا النوخذة سلمان، ذاك بأنه يبيع بنفسه كل نتاج الرحلة، ثم يعطيهم روبيات معدودة من الصعب أن تشبعهم ولو ليوم واحد، وصل المركب لموقعه,, أنزلوا الصيد,, أرجعوا كل شيء على حاله وكأن شيئاً لم يكن,, زحفوا متعبين منهكين لبيوتهم وليس لدى أحدٍ منهم طاقة تنقله إلى أبعد من فراشه!
النوخذة سلمان يمشي متبختراً في أزقة القرية، مفتخراً بصيد يوم سمين، معتقداً بأن أخبار هذه الرحلة الموفقة ستكون حديث المجالس، وقد غطى كبرياؤه على تعبه، وأخذ يرمق أبناء القرية باحتقار ورجالها باستعلاء، وهم أيضا لا تكاد عيونهم تقلع عنه أينما كان، وكأنهم يراقبونه، مضى في طريقه,, وصل بيته,, وجده محترقاً.
فاضل عمران
|
|
|
|
|