| مقـالات
الأمر الذي لا مناص فيه أننا مازلنا نوغل في الاهتمام بحجم كبير من العمالة الوافدة، ولا نألو جهداً في إشراكها في معظم مجالات العمل في حياتنا اليومية بدءاً من قيادة السيارة وانتهاء بالوظائف المدنية وعبوراً بمجال التجارة والصناعة والحرف المتنوعة بل وفي مجال الصحة والزراعة كذلك، إلا أننا للحق والحقيقة نقول إن هذه العمالة قد أتت إلى مجتمعنا الفتي المسلم المشهود له بالاستقامة والوقار وهي متشربة لثقافة مجتمعاتها ولبيئتها التي قدمت منها، وتسلك سلوكها حسبما كونته من اتجاهات وأفكار ورؤى وعقائد اكتسبتها من خلال تنشئتها الاجتماعية والمهنية وشبت عليها.
وهانحن عزيزي القارئ نعرض في مقالنا هذا لجانب من المسلكيات اللاسوية التي تنتهجها فئة قليلة أو كبيرة من هذه العمالة والحقيقة أنها ليست العمالة الوافدة في جملتها، ولكن نقصد البعض منها الذين توغلوا في قطاع التجارة وقطاع الحرف اليدوية، ومقصدنا من هذا العرض التحرز والتوقي، والإصلاح ما استطعنا الى ذلك سبيلا.
فمن الحكم المأثورة والحقائق المسلم بها أن الوقاية خير ألف مرة من العلاج، هذا هو منطق العقل، ونتاج التجربة، ولعل ما نسمعه أو نقرؤه، أو نراه في مجال الطب والتوعية الصحية من ضرورة الاهتمام بالجانب الوقائي ما يؤكد هذه القضية ويزكيها كما في الوقاية من تأمين لمستقبل الفرد، وتوفير لجهده ووقته وماله، الأمر الذي يعود عليه وعلى مجتمعه بالحيوية والإيجابية والثراء والإنجاز بل والرقي والتقدم.
وليست الوقاية التي هي خير من العلاج والتي نعنيها في مقالنا هذا منصورة على الوقاية من الأمراض المتعلقة بصحة الإنسان عضوية كانت هذه الأمراض أو نفسية، بل إننا نعني بالوقاية هنا وقاية اجتماعية في جانب من جوانب العيش في المجتمع، أي أنها الوقاية بمفهومها العام والتي تشمل الوقاية من كل ما يضر بالإنسان وحمايته من عوامل الجشع والانحراف تلك التي تفشت في قطاع من قطاعات المجتمع مؤخراً، وأصبحت تشبه الى حد ما ظاهرة أفرزتها دوافع النهم في جمع المال بعد أن تغير وجه الحياة وطغى الجانب المادي فيها على الجانب الخلقي.
ومن مظاهر هذا الجشع والانحراف المسلكي الذي نقصده، الذي يجب أن نتصدى له ونواجهه بحسم ظاهرة التستر على العيب عند بيع بعض الأصناف والمنتجات ، والحرص على الدعاية عن المحاسن وإغفال المساوئ، وتجميل الظاهرة منها ومداراة الباطن فيها, وينطبق هذا المعنى على كل من يتعامل مع الجمهور ، فهو والحالة هذه يتعامل بوجهين ويخاطب الناس بلسانين، فمثل هذا الإنسان وبال على الإنسانية وداء في قلب المجتمع ويمثل شراً على غيره من البشر ويقول في هذا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم :إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه .
وإذا كان غش الإنسان لنفسه ولغيره بالصورة المتقدمة يمثل آفة الإنسان في الواقع المعاصر الذي يعيشه مجتمعنا النامي حين يتعامل مع الناس بوجهين ويخاطبهم بلسانين كما أسلفنا القول فهناك غش من نوع آخر يتمثل في الصنعة أو الحرفة التي يقوم بها كل فرد في مجال عمله أو تخصصه، أو المغالاة في تقدير أجرته ومثل هذا الإنسان لا يقل جرماً في حق نفسه وحق مجتمعه عن مثيله ذي الوجهين ، لأنه افتئات على غيره ومخالفة لشريعة الخالق التي تقول إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً فليتقنه .
وعسانا ونحن نختتم المقال نذكر بأن الغش بمعناه الواسع والشامل والأكثر انتشاراً هو الذي يتعلق بحياة الأفراد ومسيرتهم اليومية في درب الحياة، ومسالك العيش، وطلب الرزق وهو الغش في إصلاح السيارة الذي يمكن نتيجة لهذا الغش أن يودي بحياة إنسان، ونفس الشأن في إصلاح الثلاجة أو المكيف أو البوتاجاز أو الكهرباء عامة أو الغش في البيع فيكفي حيال ذلك أن نقول إن الغاش في هذه المجالات لا يستحق أن يطلق عليه لفظ إنسان لأن الإنسانية تراحم وتعاطف وحب وإخلاص وتفانٍ وثقة وشفقة وتكافل وتواد.
فما أحوجنا في مجتمعنا المسلم وفي ظل قيادتنا الرشيدة أن ننبذ الغاش المدلس، ولنضرب عليه بيد من حديد ردعا لما يرتكبه في حق الإنسانية من جرم، وفي حق البشرية من هدم ودمار.
وفي هذا الصدد نقترح أن تتشكل في كل منطقة لجنة لمكافحة الغش وحماية المستهلك، تضم في عضويتها ممثلي الأجهزة المعنية حكومية وأهلية لمراقبة الأسواق والكشف على المبيعات وعلى كفاءة المعروض منها وعلى أسعار الخدمات وعلى المرافق الصحية، وليكن شعارها وصول أرقى خدمة بأقل سعر حفاظاً على كيان مجتمعنا وشخصيته الجيدة التي جابت الآفاق.
|
|
|
|
|