| مقـالات
من اكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية، معهد الدراسات العليا، تحصل الباحث مشعان بن مشعي آل محمد السبيعي على درجة الماجستير بتقدير ممتاز، وكان عنوان الرسالة (تقويم الرقابة على أداء الجهات الحكومية والمؤسسات العامة).
الرسالة تناولت قضايا على جانب من الأهمية وفي هذا العرض استعرض جزءا صغيرا منها وهو يمثل مدخلا للرسالة على النحو الآتي:
تنفق الدول النامية في شتى أنحاء العالم وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية أموالا كثيرة على جميع انواع البرامج الاقتصادية، والاجتماعية والصحية والتعليمية والأمنية والعسكرية، والخدمية بشكل عام التي تهدف الى توفير الغذاء والمسكن والتعليم والصحة والحماية والتنمية الشاملة لشعوبها.
ولذلك اصبحت الحكومات والدول اليوم بحاجة اكثر من أي وقت مضى الى ما هو أكثر من مجرد الحصول على معلومات مالية للوقوف على مدى توفر عنصر المساءلة العامة، بل إنهم بحاجة أكثر إلحاحا الى معلومات تفصح لهم عما إذا كانت البرامج والأنشطة والخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية والمؤسسات العامة والتي يتم تمويلها عادة بمبالغ ضخمة تستمد من ثروات الشعوب ومدخراتها تحقق أهدافها وتلتزم بالقواعد والقوانين واللوائح المنظمة لها، وأنها تنفذ بطريقة تتسم بالكفاءة والفعالية والرشد في الانفاق والبحث بأسلوب علمي عن الأسباب إذا لم تكن الأمور تسير في هذا الاتجاه, وبالإضافة الى ذلك فإن الحكومات والدول محتاجة ايضا الى معلومات تمكنها من الوقوف على ما اذا كانت تلك البرامج والأنشطة والخدمات بحاجة الى تعديل أو تصحيح أو تغيير، أو حتى الوقوف على مدى الحاجة الى وجود أو استمرارية هذه البرامج والانشطة والخدمات من الاصل.
وهكذا وفي عالم تتناقص فيه الموارد وتعصف به التغيرات المجتمعية والتقنية والاقتصادية المتسارعة التي اصبحت سنة من سنن الحياة اليوم، فانه ليس هناك هدف اليوم افضل من الوصول الى السبل التي تمكن الحكومات غدا من تحقيق الكثير باستخدام القليل، وذلك لن يتحقق إلا من خلال الرقابة على الأداء، هذه الوظيفة الإدارية التي تعتبر بمثابة فحص موضوعي ومنظم يهدف الى الوصول الى تقييم محايد حول اداء الجهة أو البرنامج أو النشاط الحكومي أو المؤسسي العام محل الرقابة، مما سيؤدي الى ترشيد عمليتي صنع القرارات واتخاذها وخصوصا القرارات الاستراتيجية، وسيمكن الحكومات من تحديد سبل العمل بشكل افضل وبتكلفة أقل، كما سيؤدي ذلك الى اكتشاف الفساد والرشوة والتزوير والغش والإسراف، ومما سيجعل الحكومات إذا رغبت قادرة على التغيير من اسلوب عملها نحو الأفضل.
وبالنظر الى ما حدث من انخفاض في انتاجية بعض المؤسسات العامة الخدمية والانتاجية في الدول الصناعية الكبرى في السبعينيات مثل الولايات المتحدة الامريكية وكندا وبريطانيا في الوقت الذي ماتزال فيه انواع الرقابة الاخرى في هذه الدول تقدم معلومات تفيد بأن الامور في هذه المؤسسات تسير على ما يرام مما جعل هذه الحكومات والدول مضطرة الى البحث عن وسيلة ادارية اخرى من وسائل الادارة اكثر كفاءة وفعالية في الإفصاح عن الواقع الحقيقي لهذه المؤسسات,, هذا على المستوى الدولي، اما على مستوى المملكة العربية السعودية فإن تذبذب اسعار البترول حينا وتراجعها احيانا كثيرة، وفي ظل عدم قدرة الرقابة المالية وأنواع الرقابة الأخرى على تقديم صورة واضحة المعالم للأداء الحقيقي للجهات الحكومية والمؤسسات العامة ورغبة في تحقيق المزيد من الاداء الافضل على مستوى الادارة العامة بالمملكة فقد عنيت حكومة المملكة العربية السعودية ممثلة في ديوان المراقبة العامة باعتباره الهيئة الرقابية المستقلة بوظيفة الرقابة على اداء الجهات الحكومية والمؤسسات العامة، حيث اناطت بديوان المراقبة العامة مهمة القيام بتنفيذ هذا النوع من الرقابة في كل من الجهات الحكومية والمؤسسات العامة، وذلك من خلال الادارتين العامتين للرقابة على اداء الوزارات والمصالح الحكومية وعلى اداء المؤسسات والشركات العامة، حيث تخص هاتان الادارتان العامتان بفحص اداء الوزارات والمصالح المدنية والعسكرية والمؤسسات والشركات التي تساهم الدولة في رأسمالها بنسبة تزيد على 25%، أو التي تضمن لها الدولة حدا ادنى من الارباح، وذلك بهدف التأكد من مدى تحقيق تلك الجهات لاهدافها الموضوعة بكفاءة وبفعالية وبقدر مقبول من الدقة والرشد في الانفاق، حيث تقدم من خلال هذا النوع من الرقابة المقترحات البناءة التي تساعد تلك الجهات على تحسين ادائها والعمل بشكل افضل وبتكلفة أقل.
ونظرا الى كون الديوان قد قام ومايزال يقوم بالرقابة على أداء العديد من الجهات الخاضعة لرقابته في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والخدمية، كالمستشفيات والهاتف والمياه والكهرباء والطيران والنقل الجماعي، وذلك من خلال تطبيقه للرقابة على أداء الجهات الحكومية والمؤسسات العامة فإنه بلا شك قد كوّن خلفية ما في هذا الخصوص، إلا انه وبالنظر الى حداثة هذا النوع من الرقابة في البيئة السعودية والتي لم يتجاوز عمرها تسع سنوات، وفي ظل عدم ادراك الكثيرين لماهية هذا النوع من الرقابة وأهدافها ومقوماتها ومراحل تطبيقها ومناهجها والعوائق التي قد تعترض سبل تطبيقها والنتائج التي حققتها، فإن الباحث يحدوه أمل كبير في ان يقدم من خلال هذه الدراسة تقويما للرقابة على أداء الجهات الحكومية والمؤسسات العامة، وذلك من خلال وجهات نظر القائمين على تنفيذ هذا النوع من الرقابة بالديوان ببيان واقع هذا النوع من الرقابة وطبيعتها ومدى فعاليتها في قياس أداء الجهات الحكومية والمؤسسات العامة والرفع من مستوياتها وأهميتها وأهدافها ومقوماتها لتحقيقها، ومعوقاتها لتلافيها، أو التقليل من آثارها، وذلك بما يعكس بجلاء تجربة المملكة العربية السعودية في هذا المجال إيمانا من الباحث بأهمية الرقابة على الأداء لضمان البقاء والمنافسة والاستمرار لمنشآتنا الحكومية والعامة، الخدمي منها والإنتاجي، والتي تلعب دورا حيويا وهاماً ومتنامياً على المستوى الوطني هذا من جهة، ومن جهة اخرى فإن هذه الدراسة سوف تكون باذن الله اول دراسة على مستوى المملكة تقدم نموذجا مطوراً لمراحل واجراءات الرقابة على اداء الجهات الحكومية والمؤسسات العامة، بحيث يكون تطويرا للنموذج المعمول به حاليا لدى الديوان.
بقي أن اقول إن (اكاديمية نايف) أثبتت مع الايام أنها لا تقل في شيء عن الجامعات الجادة في الاحتفاء بالباحثين الجادين,, وتقديم دراسات علمية نظرية وميدانية متميزة تستحق التقدير والاحترام.
واستطيع ان اجزم ان الرعاية الكريمة التي تحظى بها هذه الاكاديمية من صاحب السمو الملكي الامير نايف بن عبدالعزيز آل سعود وزير الداخلية ورئيس المجلس الاعلى للاعلام والراعي الاول لهذه الاكاديمية الجادة جدا كان الدافع الرئيسي لماحققته وما ستحققه باذن الله من انجازات علمية في مجال البحث والدراسة والتحليل بصورة لا تقتصر افادتها على المملكة العربية السعودية وانما شملت الامة العربية من اقصاها الى اقصاها.
|
|
|
|
|