| منوعـات
مع قلة الرسائل التي تصل من القراء إلا أن المرء يجد فيها ما يكفي لإعطائه شيئا من التشجيع وشيئا من التقدير لجهوده ولعمله وبدون ذلك الشيء الذي نسميه تغذية مرتدة لا يمكن للمرء أن يعمل, وإذا استمر في العمل بدون تغذية مرتدة فلابد أن ينتهي الى التبلد, المشكلة أن كثيرا من القراء لا يحب التعبير عن نفسه عبر الكتابة ويكتفي بالتعبير في وسطه وبين اصدقائه, وأستثني من ذلك المؤدلجين الذين يظنون أنهم أوصياء على العالم فهؤلاء تدفعهم مهامهم العظيمة للانتقال الى المبادرة والعمل, ولكن هؤلاء لا يعتبرون قراء لأنهم لا يملكون من حريتهم ما يكفي للتحاور معهم.
ولكن أفضل الردود والتعليقات في حياتي جاءتني قبل سنوات عندما نشرت دراسة بعنوان (كيف تصبح كاتبا في سبعة أيام)، وحتى الآن وأنا أتلقى الكثير من الآراء والتعليقات عليها وعندما أتأمل في تلك الدراسة أشعر بالفعل أنني أسهمت عبرها في مسار الحركة الثقافية في المملكة مع انها (مساهمة صغيرة ومتواضعة) مما دفع بعض الاخوة إلى الاعتقاد أن تلك الدراسة كانت أفضل مقالاتي النقدية الساخرة.
الدراسة كانت عن الحركة الثقافية في المملكة السائدة على صفحات الجرائد وتحديدا عن القصة, كانت تلك الفترة تعج بالفوضى مما سمح لمن هب ودب الالتحاق بالكتابة وراحت القصة القصيرة ضحية تلك الفوضى, فكل من أراد أن يكتب في الجرائد لجأ لكتابة القصة القصيرة الحداثية فتدافع كثير من الاخوة على قدور الإبداع القصصية يغرفون منها بأضخم الملاليس, فامتلأت الصحف والمجلات بالتأوهات والمطاطات، وقد فاض كرم بعض الاخوة فلم يكتف بالتقليط على صفحات الجرائد وإنما اصدر عددا من الكتب في الرياض والقاهرة وبيروت غيرها وهي قصص أطلق عليها نقادها حينذاك ثلاثة أسماء متبادلة (القصة الشعرية/ القصة التجريبية/ القصة الحديثة) وهو ما يمكن اختصارها في مصطلح واحد هو (المثلوثة) وقد تم ترشيح كثير من كتابها لنيل جائزة الملاس الذهبي.
في الحقيقة لم تكن دراسة (كيف تصبح كاتبا في سبعة أيام) هي الأولى لي في هذا الاتجاه, فقد كتبت في منتصف الثمانينيات دراسة عن كتابة القصة القصيرة نشرتها مسلسلة في جريدة عكاظ ، ولكن تلك الدراسة لم تؤد الدور الذي رجوت منها لأنها جاءت مباشرة وفي وقت من الصعب التواصل فيه مع الناس، وبالمقابل فقد جاءت دراسة (كيف تصبح كاتبا في سبعة ايام) في الوقت المناسب كانت الأمة العربية للتو خارجة من حرب الخليج وقد تداعت كثير من النظم والاطروحات السياسة والثقافية وبدأت الناس تفتح قلوبها وعيونها للمراجعات الجادة والآراء الجديدة, فكان رد الفعل قويا, وبالفعل فبعد تلك الدراسة اختفت فجأة كل المصطلحات التي كانت تغطي تلك التأوهات والمطاطات والجمل المحفوظة التي كانت تسمى قصصا.
في الواقع لم أكن أصدق أن مقالين فقط كانا كافيين لإزالة كل تلك الفوضى وبهذه السرعة ولو القى الإنسان نظرة سريعة على الصفحات الأدبية قبل ذلكما المقالين لظن أن المملكة قررت اعتبار إنتاج القصة القصيرة مصدرا منافسا لإنتاج النفط لو ترفع حصاة في طريقك فستجد تحتها كاتب قصة حداثية (رجال ونسوان).
لكن من يسمع الآن بكلمة العرافة؟ من يسمع الآن بكلمة الاغتراب؟ من يسمع الآن بالمغنية اللبنانية فيروز في ثنايا الكتابات الأدبية؟ من يسمع بالغجرية؟ من يسمع الآن من يبكي على مغني الرصيف؟ لقد تلاشى فن المثلوثة ولم يبق منه سوى فلول صغيرة متناثرة هنا وهناك مثل البداد على السفرة.
أفكر هذه الأيام في إعادة نشر تلك الدراسة بشقيها التنظيري والتطبيقي, وربما أضع لها موقعا خاصا على الانترنت ليطلع عليها القارىء في أي وقت واي مكان أو ربما أطبعها في كتيب صغير خاص بها على اساس أن أنشر معها نماذج من أقصاصيص المثلوثة حتى يتسنى لمن يريد أن يتعرف على ما كان يجرى في الثمانينيات من إبداعات نفطية, وهي في الواقع جزء من تاريخنا الحديث مهما كانت درجة السذاجة فيها.
لمراسلة الكاتب: Yara4me @ Yahoo. Com
|
|
|
|
|