| الثقافية
عرف عباس محمود العقاد، أحد أعلام الفكر والأدب المشهود لهم بطول الباع ورسوخ القدم، فهو شخصية علمية وأدبية، ولقد لقب بالشاعر والمؤرخ والفيلسوف والسياسي والناقد والعبقري, قضى حياته في البحث والمعرفة وأخذ من كل علم بنصيب، لقد ولد في عام (1306 وتوفي 1383ه )، لقد ترك العقاد ثروة علمية وذخيرة فكرية مهمة من كتبه ومؤلفاته وبحوثه ودراساته التي ما زالت في رفوف مكتبته لم ينفض عنها الغبار, لقد اشتهر بالمؤلفات الدسمة العميقة موضوعاً ومحتوى، ولعل كتبه عن العبقريات التي استهلها بكتابه الموسوم: عبقرية محمد، والذي كان له صدى وتقديراً من العلماء والباحثين حيث أبرز فيه الشمائل والصفات المحمدية العظيمة بأسلوب ناصع وبيان قوي وبرهان ساطع، وكذا عبقرية عمر، وعبقرية الإمام، وأبو بكر الصديق، وخالد والصديقة بنت الصديق، وذو النورين عثمان، وغيرها من كتب العبقريات التي فتح بها أبصار الكثيرين على عظمة هؤلاء وما لهم من فضل كبير حيث قادوا العالم إلى صراط الله الحميد.
لقد حرص العقاد على ولوج باب البحث العلمي، يبحث عن الحقيقة وينشد الحكمة والمعرفة بعين الشمول والاستقصاء والتعمق بهمة لا تعرف الكلل، فأخرج عدداً من المؤلفات الباقية مدعما بذلك البناء الثقافي للثقافة العربية الإسلامية.
وتبدو قيمة تلك المؤلفات في تباين الموضوعات التي طرقها وأنتج فيها في ميدان الفكر حيث أثرى المسيرة الفكرية والأدبية والثقافية بما قدم من فكر، ولقد كان لكتابه حقائق الإسلام وأباطيل خصومه،وما يقال عن الإسلام دور كبير في التعريف بحقيقة الإسلام والعقيدة الإسلامية، وإيمانه العميق وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يقع فيها الكثيرون ممن يجهلون حقيقة الإسلام وجوهره، وبذلك أوضح قواعد الإسلام على أساس من مبادئ القرآن الكريم وتعاليم الشريعة الإسلامية.
إلى جانب تلك الكتب الإسلامية، فهناك عشرات الكتب ذوات الموضوعات المتنوعة من فكر وأدب ونقد ومساجلات فكرية وغير ذلك من العلوم والفنون حيث أثرى جوانب الحياة الفكرية والعلمية وكان في نقاشه راسخ القدم مبسوطاً، قوي البيان.
لقد اتجه إلى كتابة السير الإسلامية في سلسلة عبقرياته التي ضمت محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعلياً وخالداً، وتهتم في هذه العبقريات بعرض الظروف التي أحاطت برجاله العظام، ويرسم صورة لكل منهم من الداخل ومن الخارج.
وللعقاد دراسات في الإسلام والقرآن منها حقائق الإسلام وأباطيل خصومه والمرأة في القرآن الكريم.
كما أصدر عدداً من الدواوين الشعرية، وإن كانت شهرته في كتابته النثرية تفوق بل وتنسي البعض مكانته وشاعريته الفياضة ولذا غلبت صفة الكاتب على الشاعر عند العقاد كما يقول النقاد وإن كانت له في الواقع أشعار رائعة بديعة حوتها دواوينه حيث طرق مختلف أبواب الشعر وغاص في شتى بحوره، ولقد كان من أبرز المفكرين الذين أثاروا زوابع فكرية من حولهم ودخلوا في معارك طاحنة مع العديد من مفكري وأدباء عصره وكان يرأس جماعة الديوان التي تنادي بالتجديد في الشعر والأدب والنقد ومن أبرز معاركه معركته مع جماعة أبوللو التي اسسها عام 1932 الدكتور أحمد زكي أبو شادي وكان يرأسها أمير الشعراء أحمد شوقي الذي كان يقود زعامة الشعر التقليدي ومنافسه العقاد وقامت بين الجماعتين صولات وجولات عنيفة، كذلك اختلف العقاد مع الأديب مصطفى الرافعي بسبب كتابه إعجاز القرآن الذي ألفه الرافعي ونفى عنه العقاد صفة البحث العلمي وكانت كلها حوارات ثقافية ضارية مما خلف آثاراً أدبية بالغة الروعة للباحثين في المجالات الأدبية والتبحر في مدارسها المختلفة.
والواقع عندما يريد المرء أن يدرس شخصية العقاد فسيجد أنه من الصعب أن يلقاه في جانب من الجوانب، فهو ذو شخصية علمية متعددة الجوانب لتنوع موضوعاته وعمق دراساته، فهو عملاق من عمالقة الأدب والفكر والبحث والدراسة والتأمل يبرز في اسلوبه الطابع الفلسفي والفكر العبقري، فهو بحق دائرة معارف أحاطت بمختلف الفنون والمعارف والعلوم، فكان عالمي الثقافة، فلقد وفق العقاد في كتابة تلك العبقريات وتصوير ذلك بمنطق سديد وبصيرة نافذة وأسلوب قوي منتهجاً منهجه الذي اختطه في التحليل، وقد حلل بطولة الصديق فقال: كانت بطولة ليس أشرف منها بطولة تعرفها النفس الإنسانية وهي بطولة الحق وبطولة الخير والاستقامة وهي بعد هذا بطولة الفداء يقبل عليها من أقبل وهو عالم بما سيلقاه من عنت الأقوياء والجهلاء، وتحدث عن عمر رضي الله عنه أنه أحب الرسول وأقبل عليه يفديه بما يملك من قوة.
وبعد فإن ماورد على خاطري وأنا أتصفح مجموعة من كتبه والعبقريات التي كتبها,, في هذه العجالة لا يفي هذا العالم حقه الذي شق طريقه إلى العلم والمجد بقوة نفسه وصدق عزمه ومثابرته والتفاني في طلب المعرفة، وخلف من ورائه تراثاً نفسياً في العلم والأدب والفكر.
عبدالله بن حمد الحقيل
|
|
|
|
|