| مقـالات
بحضور صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني بالمملكة العربية السعودية، وفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية اليمنية، وقع البلدان يوم الاثنين 10 ربيع الأول 1421ه الموافق 12 يونيو 2000م، بجدة على معاهدة الحدود الدولية النهائية والدائمة للحدود البرية والبحرية بينهما، وقد مثل كل من صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير خارجية المملكة ومعالي الأستاذ عبدالقادر باجمال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير خارجية الجمهورية اليمنية، بلديهما في عملية التوقيع.
وبتوقيع البلدين الشقيقين على هذه المعاهدة يكونان قد طويا صفحة امتدت لفترة تزيد على الستين عاما وتحديدا اعتبارا من العام 1934 ، حيث كانت العلاقات خلالها بين البلدين بين مد وجزر، ولكن بفضل الله وبفضل الحكمة والحنكة السياسية لقادة البلدين أمكن تجاوز العقبات والمصاعب, وبعد جهود دؤوبة وحثيثة بذلهما البلدان لفترة جاوزت الخمس سنوات، تم تذليل كافة هذه العقبات وتوجت هذه الجهود بتوقيع هذه المعاهدة التي ستكون فاتحة عهد جديد بين البلدين والشعبين الشقيقين وملبية لتطلعاتهما وطموحاتهما في فتح آفاق جديدة في العلاقات الأخوية الصادقة والكفيلة بتجاوز سلبيات وتراكمات الماضي وتعزيز المصالح المتشابكة للشعبين الشقيقين.
وتأتي هذه المعاهدة ضمن عدة معاهدات حدودية وقعتها المملكة مع عدد من الدول الشقيقة من بينها قطر والعراق وسلطنة عمان وكلها تمت في إطار من التفاهم الأخوي والودي وأتت متماشية مع الثوابت السياسية للمملكة المنطلقة من الحرص على كل ما من شأنه تعزيز وتقوية وتدعيم الأواصر الأخوية في نطاقها الإقليمي والعربي والدولي ، كما أن اليمن بدوره أنهى تماما كل مشاكله الحدودية مع سلطنة عمان شرقا وفي إطار من التفاهم الأخوي الودي, كما أنهى مشاكله الحدودية مع إرتريا عن طريق التحكيم الدولي.
إن الدولتين بتوقيعهما على هذا الاتفاق الكبير في حجمه ودلالاته والذي أتى بعد جولات طويلة ومضنية كانت ضرورية لإنجازه على أحسن الوجوه وبالشكل المرضي لكل من الطرفين الشقيقين وبالتالي فليس لأحد أن يزعم أنه تم بسبب مجاملات او ضغوط.
والآن سيرى الأخوة في اليمن والسعودية أنهم دخلوا تاريخا جديداً عندما اعتمدوا الوضوح والحسم في تسوية هذه القضية ويكونان بذلك قد قطعا الطريق على كل من لا يرتجي الخير والاستقرار لهذه المنطقة العزيزة والغالية، كما أن إدارة وولاة الأمر في البلدين الشقيقين وتعاملهم مع هذا الأمر يستحق كل الإشادة والتنوية والتقدير، فرغم طول عمر الخلاف وطول مسافات الحدود التي تتجاوز 1500 كليو مترا تقريباً وتشابكاته البشرية والسياسية، إلا أن حربا واحدة لم تقع على الإطلاق بين البلدين طيلة هذه الفترة الماضية، وبذلك يكون كل من الاخوة في السعودية واليمن قد وضعوا باتفاقهم الحدودي نموذجا يتعين أن تحتذي به وتنسج على منواله كافة أقطارها الخليجية والعربية والإسلامية التي تعاني من مثل هذه المشكلات والخلافات الحدودية باعتبار أن هذه الحواجز الحدودية بين الأقطار العربية والإسلامية إنما هي صنيعة استعمارية استهدفت تمزيق الأمة الواحدة وتكريس النزاعات والخلافات فيما بينها، مما يؤكد بالتالي على ضرورة التوصل إلى حلول سلمية أخوية لحسم مثل هذه الخلافات بين مختلف الأقطار العربية والإسلامية بما يؤدي إلى تعزيز أواصر الإخاء وجسور التعاون فيما بينها وصيانة حق الجوار.
ولا شك أن الانعكاسات الإيجابية لهذه المعاهدة المباركة بين البلدين الشقيقين سوف تتجاوز حدود البلدين لتشمل دول الجوار كافة، ومن هنا يمكن القول أنها سوف تشكل دفعة كبيرة للعلاقات الثنائية ولاستقرار المنطقة وللتعاون الإقليمي، كما أن كلا من البلدين الشقيقين سوف يحصدان الكثير من المكاسب التنموية بعد إنهاء مشكلتهما الحدودية وهو ما سينعكس إيجابا على اقتصاديات المنطقة بأكملها.
وأخيرا لابد من توجيه تحية تقدير وإكبار لكل من القيادتين السياسيتين في كل من المملكة واليمن واللتين جسدتا من خلال توقيعهما على هذه المعاهدة التاريخية نموذجا للتغلب على أي خلافات عربية وان الأسلوب والمنهج التفاوضي الذي تبنياه، كان مثاليا حيث لم يستمع كل من الدولتين لمحاولات دق اسافين العداء اواستغلال بعض المناوشات لتأجيج الخلاف بقدر ما كانتا عند المسؤولية حيث اعتبرتا أن أصل التفاوض هو الحرص على مصالح البلدين وأن العلاقات الإيجابية بينهما أثمن بكثير من الخلافات، ولعل تصريحات المسؤولين في كل من البلدين في هذا الصدد كان لها المردود الإيجابي والذي أدى في النهاية إلى التوقيع على المعاهدة بشكل جعلها نموذجا إيجابيا لكيفية التحاور العربي حول الأزمات الثنائية بين الدول العربية.
كما تجب الإشارة إلى الأهمية البالغة التي اكتستها الزيارة التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني بالمملكة إلى وطنه الثاني اليمن لحضور احتفالاته بمناسبة الذكرى العاشرة لعيده الوطني وما كان لها من دور في التعجيل بالتوقيع على هذه الاتفاقية وفي ضوء التوجيهات السديدة لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز أيده الله في هذا السبيل، فأخلص التهاني نزجيها لكل من القيادتين السياسيتين الحكيمتين في البلدين الشقيقين لهذا الإنجاز التاريخي الهام الذي سيسجله التاريخ لهما بمداد الفخر والاعتزاز.
*نائب المدير العام للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
|
|
|
|
|