| وَرّاق الجزيرة
جاء في كتاب: منشور الهداية لعبدالكريم الفكون (1073ه) الذي خصصه للتراجم لشخصيات معينة قصة جميلة حين ترجم لجده الشيخ يحيى الفكون قال: ويحكى أنه لما ظهر تأليف الشيخ البرزلي بقسنطينة يقصد كتاب : الحاوي في الفتاوي ولم يكن إلا عند الجد أبي زكريا سيدي يحيى وكان القاضي إذ ذاك ابن عبدالرفيع، فجاء القاضي إلى الشيخ عمر الوزان وطلب منه أن يتوسطه إلى الجد في إعارة سفر من الكتاب للنظر فيه، فأعاره الجد له فبقي مدة يسيرة عنده قيل: إنها ثمانية أيام، ثم رده للجد وطلب السفر الثاني فأعاره الجد فبقي المدة المذكورة ورده ولم يزل ذلك دأبه إلى أن أكمل أربعة الاسفار بالإعارة والرد، فبعد ذلك ظهرت نسخة أخرى في البلد بخط القاضي ابن عبدالرفيع، فاتصل الخبر بالجد فأرسل إلى الشيخ الوزان فجاءه فذكر له أن الواقع لا يليق لأن أصل العارية للمطالعة لا للاستنساخ فاعتذر له الشيخ الوزان بأنه لاشعور عنده بذلك ولا في ظنه إلا المطالعة فقط، فسمع القاضي ابن عبدالرفيع فأرسل إلى الجد بما استنسخه وطلبه في التحليل أو القبول فرد الجد عليه نسخته التي نسخ وأعطاها إياه وطيب له ذلك، ثم قال مؤلف الكتاب عبدالكريم الفكون: رحمهم الله ما أصوب طريقهم وما أنصفهم ,ا,ه
كثير ممن يقرأ هذه القصة سيتوجه باللوم على القاضي ابن عبدالرفيع، حيث استعار النسخة ونسخها دون أن يخبر صاحبها بذلك، لكني أرى أن فعل الشيخ يحيى الفكون هو الذي ينبغي أن يكون محل الاهتمام ليكون محل إعجاب ومكان فخر، وذلك حين رضي أولاً أن يعير النسخة الوحيدة عنده، بل في البلد كله، ثم حين سمح لابن عبدالرفيع بالنسخة التي نسخها، فلقد آثر مصلحة نشر العلم بين الناس على حب الذات وميل النفس إلى التملّك وذلك لأجل أن يكثر المستفيد ويعم النفع، ولم يرض أن يستأثر بهذه النسخة الوحيدة في زوايا منزله لا يطلع عليها غيره ، فكما قال المؤلف: ما أصوب طريقهم وما أنصفهم، لأنهم عرفوا قدر العلم وما يترتب على نشره بين الناس، خصوصا إذا كان الناشر له شخصا يليق بالعلم ونشره كما هو حال القاضي في مثل هذه القصة.
فهل نجد في مجتمعنا من يكون بمثل هذه الصفة يقدر ما تحمله المخطوطات وكتب التراث، فلا يكون ضنينا بها على غيره.
*باحث في التراث
|
|
|
|
|