| الريـاضيـة
لم يشهد عشاق القارة العجوز منذ بداية بطولة الأمم الأوروبية لكرة القدم عام 1960م هذا الكم الكبير من العروض المدهشة والمفاجآت المذهلة والتي تصل إلى ذروتها الليلة بلقاء القمة الأوروبية الساخنة بين الإثارة والتشويق أو تحديدا بين إيطاليا وفرنسا,, فهل يواصل الأتزوري العريق مسيرته المظفرة لتحقيق الإنجاز الأوروبي المطلق بضم لقب الكبار إلى لقب الشباب الذي ناله الشهر الماضي، أم أن أبطال العالم في طريقهم لتكرارالإنجاز الألماني الفذ بضم اللقب الأوروبي إلى اللقب العالمي للمرة الثانية في التاريخ.
ومن واقع تجربتي الشخصية لنحو ثلاثة عقود من المشاهدة الحية والمتابعة الدقيقة لهذه البطولة الأهم في عالم الكرة، لم أشهد أقوى من دورة أوروبا 2000 مثلما رأينا الأحداث وتابعنا لغة الأرقام، كما لم يسبق لهذه البطولة أن حظيت من قبل بمثل هذا الاهتمام الواسع من قبل الشارع الرياضي السعودي والعربي الذي تهافت بشكل غيرمسبوق طوال الثلاثة أسابيع الماضية على مشاهدة مباريات البطولة عبر شاشات أجهزة التلفاز المشفرة وشبكات الإنترنت في المنازل والمقاهي والمطاعم والفنادق التي امتلأت كما لم تمتلئ من قبل، وهو بلا شك امتداد آخر لاهتمامات متزايدة بسحر الرياضة العالمية الراقية تجلت في السنوات القليلة الماضية على سبيل المثال في تذوق خاص لطلاب المدارس والجامعات السعودية لمثل هذه المتابعة الدقيقة لأحداث الكرة الأوروبية عبر بطولات أنديتها الوطنية والقارية الرسمية التي يحرص الاتحاد الأوروبي على تنويعها وتطويرها المستمر لتدعيم مكانتها الرائدة كمهد الكرة العالمية الحديثة.
*****
عودة إلى الترشيحات
وكانت ترشيحات البطولة الأوروبية الحالية للستة الكبار وضعت هولندا في المرتبة الأولى بنسبة بلغت ثلاثة إلى واحد،تليها فرنسا كوصيفة أولى (11/2)، وإيطاليا واسبانيا كوصيفة ثانية (بنسبة 6/1)، ثم إنجلترا (9/1)، وأخيرا ألمانيا (11/1),, وكنا بدورنا في ملحق الجزيرة الخاص رشحنا للدور قبل النهائي، وفق المستويات الفنية ونتائج الاستعدادات النهائية قبل البطولة، منتخبات هولندا وإيطاليا للمباراة الأولى وألمانيا واسبانيا للمباراة الثانية، فهولندا مبتكرة الكرة الشاملة في كامل قواها وتألق صفوفها بقيادة هداف البطولة الأسمر باتريك كلويفرت قادرة على السيطرة والتسجيل إلى جانب كونها تلعب على أرضها وبين جماهير هادرة لن تقبل بغير استعادة لقب عام 1988، وإيطاليا صاحبة الخبرات الدفاعية الأشهر والهجمات المرتدة الأخطر في العالم تمتلك لأول مرة صفين من المهاجمين الأبرز في الدوري الإيطالي العالمي وهم الثنائي أليساندرو ديل بييرو وفرانشيسكو توتي، والثنائي فليبو إنزاغي وفتشينزو مونتيلا.
وفي الجانب الآخر كانت ألمانيا حاملة اللقب تعتمد على نجوم عميد أنديتها وأحد أقوى الفرق الأوروبية بايرن ميونيخ العتيد إلى جانب النجم الموهوب وهداف نادي أ, سي, ميلان الإيطالي أوليفر بيرهوف، ولكن هذا الأخير أصيب فجأة وابتعد عن منتخب بلاده في اللحظات الأخيرة، ولم يكن المدرب إريك ريبيك موفقا في استدعاء المخضرم لوثار ماثايوس (39 سنة، 149 مباراة، 22 هدفا) من تجربته القصيرة الفاشلة مع فريق نادي مترو ستارز الأمريكي، ولم يلاحظ معالجة تحفظات أفراد المنتخب الألماني على انضمامه، فازدادت الخلافات وانعدم التفاهم ففقدت الماكينة الألمانية مبكرة صلابتها المعروفة، واسبانيا كانت كل المؤشرات ترجح فرصتها التاريخية في إمكانية بلوغ نهائي البطولة لولا ما أشرنا إليه مبكرا من هفوة المدرب الشاب خوسيه انطونيو كماماتشو ببعثرة الثنائي الأخطر لبطل أندية أوروبا ريال مدريد راؤول غونزاليس بلانكو وفيرناندو مرينتس واستبعاد الأخير في لحظة غير محسوبة لم ينفع فيها الندم المتأخر والاعتراف بالخطأ الجسيم!
*****
أضواء خلف الكواليس
ومع انتهاء مهرجان أوروبا 2000 هذه الليلة لا بأس من استكمال إلقاء بعض الأضواء الفنية للأحداث التي تجري خلف الكواليس ونحرص دائما على متابعتها باهتمام بالغ من دون أن تشغلنا مجريات المباريات الصاخبة، ونتناول اليوم المباراتين الساخنتين للدور قبل النهائي واللتين تسببتا في فتح الباب علىمصراعيه أمام علامات الاستفهام المتزايدة عن دور التحكيم المثير للجدل.
ففي المبارة الأولى بين البرتغال وفرنسا يجب القول بأن هذه الأخيرة كانت الأقرب للفوز على الرغم من الاهتزاز المتواصل لحكم المباراة النمساوي غونتر بينكو وإعلانه المفاجئ احتسابه ضربة الجزاء الذهبية الظالمة التي لم يرها بنفسه واكتفى باحتسابها بناء على إشارة مساعده حامل الراية الذي يدوره لا يمكن أن يراها كون اللاعب الذي سدد الكرة لابد وأنه حجب بجسمه الكرة عن الجهة الخلفية التي يقف فيها حامل الراية، والملاحظ أن الحكام الثالثة بدا عليهم الارتباك الشديد منذ البداية بسبب الوقوع تحت تأثير الضغط الكبير لجماهير العاصمة البلجيكية بروكسل التي ينحدر عدد كبير من سكانها من أصل فرنسي، وسبب وصفنا بالضربة الظالمة أن قانون كرة القدم ينص بوضوح على احتساب خطأ لمسة اليد عندما يتم لمس الكرة من الوضع المتحرك بمعنى أن الخطأ يقع في حالة حركة اليد المتعمدة ولا يمكن بأي حال احتساب الخطأ عند ثبات اليد في مكانها، وأن الاتحاد الأوروبي بدوره سارع متأخرا لبحث معالجة ضعف التحكيم في هذه الدورة، ومع ذلك فان غرابة ماحدث لا تقلل بالطبع من القدرات الفرنسية التي امتلكت منذ البداية وسط الميدان وفرضت سيطرتها التامة طوال اللقاء واستحقت النصر المنتظر حتى ولو جاء على طبق من ذهب.
وفي المقابل بدت البرتغال، التي أمتعت البطولة بعروضها القوية المثيرة وتحقيقها الرقم القياسي الجديد بالاحتفاظ بنظافة شباكها طوال 392 دقيقة كاملة، في غير صورتها الحقيقية وقدمت عرضا هزيلا لم يتحرك له المدرب هومبرتو كويلو وكأنه مستسلم وربما مبهور بأسلوب نظيره الفرنسي روجيه لومير بالضغط المباشر على مهارات وتحركات الخصم لشل توازنه والانتشار السريع في ذات الوقت لفرض الإيقاع الملائم وتحقيق السيطرة الكاملة بقيادة العقل المفكر للفريق زين الدين زيدان، والغريب أن المدرب البرتغالي كويلو لم يفطن طوال الأشواط الأربعة الأصلية والإضافية إلى ضرورة فرض رقابة لصيقة لهذا الجوكر الجزائري الأصل الذي يصول ويجول في جميع أنحاء الملعب من دون مضايقة أوملاحقة على الإطلاق، وبدا أن الفريق البرتغالي كان يستمتع أيضاً بمشاهدة اللمحات الفنية الرائعة لزيدان، ولم يكن ينقصهم سوى مشاركة الجماهير في التصفيق له،ولم تكن أيضا كافية بطبيعة الحال الاستقالة الفورية التي تقدم بها كويلو بعد ضياع الفرصة الذهبية الأخيرة لجيل الموهوبين الكبار لويس فيغو (27 سنة، 63 مباراة، 14 هدفا)، مانويل روي كوستا(28 سنة، 54 مباراة، 18 هدفا)، جواو بينتو(28 سنة، 60 مباراة، 19 هدفا) وصعوبة مشاركتهم في البطولة المقبلة التي ستستضيفها بلادهم عام 2004.
*****
صلابة الكاتناتشيو
وفي المباراة الثانية التي صنفها خبراء الكرة الأوروبية كإحدى أقوى اللقاءات في تاريخ المسابقة والتي جرت بين المضيفة الثانية والمرشحة الأولى هولندا والمرشحة الثالثة إيطاليا حظيت باهتمامات هائلة وتوقعات متأرجحة بين مدرسة الكرة الشاملة البارزة في فعالية هجماتها المتواصلة بكامل الخطوط الثلاثة، وبين مدرسة الكاتناتشيو الدفاعية الإيطالية الشهيرة المدعمة بتغطية دفاعية محكمة للغاية ترتد منها الهجمات المباغتة والقادرة على استغلال أنصاف الفرص المتاحة، وهكذا شهدنا الصراع الأروع في البطولة بين المدرستين الرائدتين، وتوفرت لهولندا كل الظروف المواتية لكسب اللقاء استخدمت كل أسلحتها وقدمت كل ما في جعبتها وهي تلعب على أرضها وبين جماهيرها المتعطشة حتى تمكنت من السيطرة الكاملة طوال أشواط المباراة وخصمها المرتبك يلعب ناقصا، كما أتيحت لها ضربتي جزاء دفعة واحدة في الوقت الأصلي للمباراة، بالإضافة إلى الشوطين الإضافيين والوصول أخيرا إلى الركلات الترجيحية، هذا إلى جانب مؤازرة الجماهير الهادرة والحماس الزائد من حكم المباراة الألماني ميرك الذي خانه التوفيق في منح ضربة جزاء غير صحيحة أيضا لصالح المهاجم الهولندي باتريك كلويفرت عندما تعرض للإعاقة والشد ولكنه تماسك وحاول الإفلات بالكرة فاعتمد الحكم مبدأ منح إتاحة الفرصة لينتفي معها فرصة احتساب الخطأ، ولكن عندما طالت الكرة بعد ذلك من اللاعب وهو طليق مجددا من دون مضايقة، عاد الحكم لاحتساب الخطأ الأول والإشارة إلى ضربة الجزاء,, ومع كل هذه السيطرة الماحقة والفرص السانحة لم يكن الخميس الماضي يوم الكرة الهولندية، ولن يستطيع أحد بالتأكيد أن يلوم المدرب فرانك راييكارد الذي أجاد كثيرا في قيادته الفريق ولكن فاته حسن اختيار العناصر الأكثر هدوءا وقدرة على تنفيذ الركلات الترجيحية ودفع بالقائد المهزوز رونالد دي بور الذي أضاع ضربة الجزاء الأولى في المباراة وكان من الطبيعي إهداره ركلة الترجيح الأولى أيضاً، وألحقه بالمدافع ياب ستام صاحب التصويبات القوية ليرسل قذيفة جوية طائشة كادت أن تتعدى المدرجات إلى خارج الملعب بأكمله إحدى الضواحي الجانبية لم تنفع معها في منع راييكارد من تقديم استقالته.
وعلى الجانب الآخر اهتزت إيطاليا في البداية بقوة وكادت أن تفلت أعصابها الباردة لأول مرة، عندما وجدت نفسها مضطرة لمواجهة الضغط الهولندي الرهيب بصفوف ناقصة بعد طرد لاعب الوسط المدافع جيانلوكا زامبروتا منذ الدقيقة 33 من عمر المباراة الماراثونية التي خاضتها واستمرت 120 دقيقة كاملة، ولكن سرعان ما استرد الفريق أنفاسه واستعاد فعاليته المدهشة في تطبيق الخطة الدفاعية المطلقةوإغلاق جميع المنافذ أمام المد البرتقالي، وحالفه كل التوفيق في منع ضربتي جزاء في الوقت الأصلي ومثلهما في الركلات الترجيحية، والجدير بالذكر أن المدرب دينو ذوف كاد أن يدفع ثمنا باهظا لتأخره في معالجة العصبية الزائدة لزامبروتا وسرعة استبداله قبل تلقيه الإنذار الثاني والطرد، الأمر الذي توقعه الكثير من المشاهدين وخاصة الخبير العربي محسن حسين الذي كان يتابع معي المباراة منذ بدايتها وحاول أن يشرح لي الدقائق القليلة التي فاتتني بأن الطرد سيكون على الأرجح من نصيب اللاعب المذكور، وتوقعت بدوري قيام المدرب الإيطالي بسرعة سحبه في أقرب وقت,
ولكن المدرب الإيطالي تجاوز زلته وأصر على خطته المتوقعة باستنزاف الخصم وإرهاقه مع محاولات مستمرة لخطف هجمة مرتدة شاردة لعلها تسفر عن هدف السبق، ووفق ذوف باقتدار في توجيه لاعبيه بالثبات واستهلاك الوقت لإصابة الخصم بالإحباط والوصول إلى الركلات الترجيحية، عندها سيكون الفريق الإيطالي أكثر استعدادا وهدوءا لتحقيقه مراده، وبالفعل نجحت الخطة الشديدة الدهاء بامتياز لا مثيل له,, سوى أناقة الموضة الإيطالية الشهيرة!
* تحتجب زاوية آفاق رياضية لفترة قصيرة بمناسبة الإجازة الصيفية. ameed@ shaheer. net.sa
|
|
|
|
|