| شرفات
الفنان العراقي عزيز خيّون يبدأ دائماً من المسرح,, ودائماً ينتهي ايضاً إلى المسرح,, يحمل قَدَراً مسرحياً على كتفيه حتى وإن أخرج البرامج التلفزيونية، أو قدم الأعمال الإذاعية، ولأنه مسكون بالمسرح خرج على الاوساط الثقافية في العالم العربي بتجربة جديدة تمسرح الشعر، وتنتقي مقاطع من قصائد احد الشعراء، لتلقى على نحو درامي مؤثر، باستخدام كل إمكانات الصوت البشري,, عن تجربته الأخيرة خاصة، وعن مسرحه عامة، أدلى عزيز خيّون بهذا الحوار للجزيرة:
أمسية درامية
* تقدم حالياً دراما شعرية تقوم على الاداء الفردي وتعدد الإمكانيات الصوتية لك كفنان مسرحي,, فهل سبقك احد إلى ذلك؟
لم أسمع ولم أشاهد من قبل من قَدّم القصيدة الشعرية بالشكل الذي قدمته، والذي يبتعد عن القراءة المحايدة، لقد طورت القصيدة من خلال الأداء والغناء والإنشاد واستخدام الأصوات التراثية من المخزون الجمعي, مستفيداً من إمكانياتي كمخرج وممثل.
* لكن يقال إن هذا الشكل المبتكر الذي يجمع بين فنين عتيقين: المسرح والشعر,, هو نوع من السقوط من البين بين أي ليس مسرحاً وليس إلقاءً شعرياً؟
ما اقدمه هو مسرح لأنه يوجد نص، ويوجد ممثل، ويوجد حضور، وبالتالي تحققت حالة المسرح والتلقي, فمثلاً عازف الربابة المصري عندما يجلس في مقهى ويعزف ويغني، فهذا يعني وجود الدراما,, وما افعله هو تقديم النص الشعري الى المتلقي من زوايا مختلفة، مما يؤثر عليه إن سلباً وإن ايجاباً، تبعاً للذائقة والثقافة ودرجة الوعي والاندماج، وكلها عناصر مهمة لإيجاد حالة استقبال ناجحة, مع الاخذ في الاعتبار ان الاختلاف حالة صحية.
تجربة للخاصة
* ولماذا لم توسع التجربة، بحيث لا تقتصر على نخبة المثقفين,, كالصحفيين او الادباء,, حيث عرضت في اماكن محدودة المقاعد إلى حد كبير؟!
النخبة لا تعنيني,, كتوجه عام ابحث عن المتلقي العادي كالعامل والفلاح وأهل القرية، لكن هذا يحتاج مني تفرغاً وسياحة في المدن، وبالتالي يعوق تحقيق طموحي حالياً وربما في المستقبل أُجرّب بصورة أخرى الوصول إلى أكبر عدد من الناس.
* ألا توجد صعوبة في نشر تلك التجربة المتعالية بعض الشيء عن طبيعة المسرح الذي يرتبط بالحس الشعبي والبسطاء او ما يمكن ان نسميه بالمحلية؟
إنني في تجربتي المسرحية دائم البحث عن النص المحلي، ولا أفكر إطلاقاً في تقديم اعمال عالمية، في الوقت الذي شرب غيري من حوض تلك الاعمال,, إنني ابن مجتمع وتجربة ومناخ وخصوصية، وعلي أن أنبت في هذه الارض، وأتغذى من هذا المناخ، فأصير حياً من خلال الارتباط بهذا المجتمع والتعبير عن إنسانه, لذلك تجدني في كل تجاربي المسرحية بما فيها مسرحة الشعر أقدم عملاً شعبياً يلامس أوتار الجميع في امتي، وفي نفس الوقت لا انسى التحديات المعاصرة على المستوى العالمي في العرض المسرحي, تلك هي الفرضية التي انطلقت منها في عروض كثيرة, فمثلاً جئت إلى الدورة الأولى للمسرح التجريبي بالقاهرة بعرض الف رحلة ورحلة وهو مستقى من حكايات السندباد, وفي الدورة الثانية قدمت حكايات شعبية عراقية، وفوجئنا بالتقدير الشديد إذ حصلنا على الجائزة الاولى في التمثيل.
ربما لا تشغلني الجائزة او العالمية بقدر ما يشغلني ان تكون هناك استجابة، وان يسقط حاجز اللغة، إذ إنني أتعامل مع المستوى البصري بالدرجة الاولى وليس على مستوى اللفظ فحسب.
عزلة المسرح
* رغم هذه الروح في الكلام عن حميمية الاستجابة، ومحلية العرض المسرحي، إلا أن المسرح العربي يزداد انعزالاً عن المتلقي يوماً بعد يوم,,,؟!
المسرح بشكل خاص هو صورة من صور الزمان نفسه، فلو كان الزمان حافلاً بالعطاء يفتح نوافذ مشرعة على كل ماهو جديد وحديث، أعتقد ان المسرح ايضاً سينفتح هو الآخر,, لكن الوضع العربي المعاصر لا يبعث على السعادة والفرح لذلك كثير من الاصوات الجميلة على مستوى الشعر والمسرح والرواية تتقهقر أو تموت, وهناك اسباب لا تحتاج إلى شرح, رغم ذلك فإن المسرح كعنصر تعبيري يحاول بين فترة واخرى ان يقدم ذاته، احياناً خجلاً واحياناً مشاكساً وعنيداً ومخاطراً.
هناك تجارب غنية في المسرح العربي وهناك اسماء حفرت تجاربها في الصخر، ولكن المحزن لعدم وجود قنوات وجسور ثقافية عربية نقف حائرين، لا نعرف تجارب بعضنا البعض, هناك تجارب مهمة في تونس وفي مصر ايضاً, بل إن المسرح العراقي تحت الحصار قدم تجارب مهمة على مستوى كتابة النص وعلى مستوى ابتكار قراءات جديدة، وهناك اسماء مهمة مثل: صلاح القصب، سامي عبدالحميد، فاضل خليل، كاظم النصار، وعلى مستوى الكتاب هناك صلاح شاكر وعواطف نعيم، ومحيي الدين زنجنة وغيرهم.
إذن المسرح العربي، رغم كل الإشكالات المحيطة به لا يزال مسرحاً حيوياً متحركاً، يحاول أن يزرع ذاته في أرض لا تمده احياناً بالماء أو الهواء، لكنه مطالب وقدره كذلك ان يكون مبدعاً لانه ينتمي إلى امة مبدعة.
سبع,, صنائع
* لا شك في إيمانك الشديد بالمسرح، لكن رغم ذلك جربت العمل في وسائط اخرى كالإذاعة والإخراج التليفزيوني,, فما سر هذا التغيير؟!
جيلنا عامة يعيش حالة من القلق,, فنحن جيل مضطرب، غير مستقر، لأنه وُضع ليس كما يريد هو في ظرف صعب وشائك, فعندما يضيق فضاء المسرح احتمي بفضاء القصيدة، وعندما يضيق هذا أتجه إلى فضاء الإذاعة أو إلى السينما, بالطبع ليس هذا ميسوراً لكل فرد، لكني وجدت في نفسي القدرة على الكتابة هنا او الإخراج هناك، تبعاً لكل موضوع, فإن ما يشغلني هو الموضوع ثم بعد ذلك ابحث عن فضاء او وسيط للتعبير عما يشغلني من احزان وهموم في هذا الكون المضطرب.
أسباب التنويع
* لكن ما الذي ساعدك على هضم تلك الوسائط والتعامل معها مخرجاً وممثلاً؟
إنني اعمل بالمسرح والمسرح هو ابو الفنون وخالها وعمها ايضاً، اي انني أتعامل من خلاله مع النص والممثل والمخرج، مع اختلاف التقنيات في كل وسيط.
ربما ساعدني ايضاً انني نشأت في فترة كنت اجد نفسي صديقاً للشاعر وللممثل السينمائي وللإذاعي، فكنا مجموعة من الاصدقاء تزيد عن خمسة عشر فرداً تجمعنا المشاريع والحوارات، فكنت دون أن ادري اجد نفسي كاتباً للقصيدة وأنا لست بشاعر، أو اجدني اقف وراء الكاميرا دون أن أكون مخرجاً سينمائياً, هناك كفاءات مختلفة تعلمها جيلي من سخونة الحياة، ولولا هذه الظروف لما استطعت أن أتذوق الشعر أو السينما ولبقيت مجرد ممثل مسرحي.
* وماذا عن مشاريعك الحالية للمسرح؟
في العام الماضي انشأت محترف بغداد المسرحي بمساندة الصديق الشاعر فاروق سلوم، ومن خلال المحترف قدمت مسرحية بعنوان مسافر زاده الخيال ، هذا النص الذي كتبته الممثلة والكاتبة عواطف نعيم من خلال قصة تشيكوف الشهيرة عنبر6 وهو نوع من التناص يبنى على قصة تشيكوف، ويغايرها في نفس الوقت ومازلت من خلال المحترف اقدم التجارب المسرحية الحديثة على مستوى الاخراج والتمثيل والكتابة بما يجعل المسرح ابن زمنه، وبما يجعلنا نحاصر الحصار بطريقة مسرحية!!
شريف صالح
|
|
|
|
|