| شرفات
يعرف الكتاب من عنوانه,, مقولة نتداولها كثيراً للدلالة على معرفة الاشياء من ظاهرها المعلن، ولكن هل تنطبق المقولة على العناوين الابداعية اي التي يختارها الادباء لنصوصهم الابداعية، وكيف يتم اختيار هذه العناوين وما دلالتها لديهم، وهل يكشف العنوان جوانب النص الابداعية ويكون مفتاحاً لقراءة المضمون.
هذه التساؤلات وغيرها حملتها شرفات في مبادرة جديدة منها إلى نخبة من الأدباء والمبدعين وكانت اجابتهم عبر السطور التالية.
لاتوجد قاعدة
الاديب الكبير خيري شلبي لا توجد لديه قاعدة ثابتة في اختيار عناوين اعماله الابداعية فأحياناً يعكف على كتابة العمل حتى نهايته ثم يختار له العنوان المناسب والدال، وأحياناً أخرى يكتب العمل وفي ذهنه عنوانه المحدد سلفاً، وأحياناً ثالثة يطرح عدة بدائل للعناوين ويختار الانسب منها.
ويقول اختيار العنوان عملية مرهقة بالنسبة لي فانا اتعمد اختيار العنوان الذي يبعد ذهن القارىء عن الاتجاه إلى موضوع الرواية اوالقصة بشكل مباشر، وفي حالات كثيرة يكون اسم العمل في ذهني حتى أنتهي من الكتابة ولكني اكتشف انه لا يصلح واقوم بطرح عدة بدائل اختار منها العنوان غير المباشر، ففي رواية الوتد على سبيل المثال كان عنوانها في ذهني اثناء كتابتها امبراطورية فاطمة تعلبة وبعد انتهاء كتابتها اكتشفت ان هذا العنوان مباشر ويتجه بذهن القارىء إلى عناصر معينة في الرواية ويركز عليها وقمت بتغييره الى اسم الوتد، كذلك رواية صهاريج اللؤلؤ كان اسمها العراف وقد تم تغيير هذا الاسم اكثر من مئة مرة حتى استقر رأيي على صهاريج اللؤلؤ، وهذه الرواية كتبتها منذ اربع سنوات ولكن لم استكملها إلا مؤخراً.
وبالنسبة لدلالة العنوان وما يمثله من كشف داخل النص الابداعي وكيفية اختياره على هذا النحو يقول خيري شلبي ليس شرطاً ان يكون العنوان,, دالاً على محتوى العمل، والعنوان يقدم حكاية مختلفة وانا اريد إبعاد ذهن القارىء عن الدلالة المباشرة للعمل فاختار العنوان الذي يعطي دلالة موازية وحول ما اذا كان يستشير احداً في اختياره لعناوين اعماله يقول شلبي لا احصل على رأي احد في عناوين اعمالي ولا احب اطلاع الاخرين على اي عمل اكتبه الا بعد النشر.
في وقت واحد
من ناحيته يرى الاديب محمد البساطي ان العنوان يأتي مع كتابة العمل الابداعي في وقت واحد رغم انه لا توجد قاعدة واحدة تحكم كيفية اختيار العنوان، وبالنسبة لي يأتي اختيار العنوان مع الكتابة واحياناً يولد العنوان اثناء الكتابة ذاتها لكن مع وجود عنوان مؤقت في ذهني واستمر في الكتابة على اساسه ومن الامور الجميلة التي يستمتع بها المبدع هو اكتشاف عنوان دال ومكثف وجذاب اثناء الكتابة ولكن في اوقات اخرى تنتهي الرواية بدون اختيار العنوان وحينها اظل فترة ابحث عن العنوان الملائم واستشير بعض الاصدقاء المقربين حتى اعثر على العنوان المناسب.
وما هو العنوان المناسب من وجهة نظرك؟
العنوان المناسب من وجهة نظري هو الذي يعطي اكثر من دلالة وليست دلالة واحدة فأنا ارفض العنوان الذي يوجه القارىء إلى حالة معينة داخل النص ولكن يترك له المجال واسعاً لاستكشاف جوانب النص جميعها، كما ارفض العناوين التي ليس لها معنى ولا طعم ولا رائحة فالعنوان يجب ان يكون له دلالاته الكثيرة في النص الابداعي, ففي روايتي صخب البحيرة ظللت لفترة طويلة في حيرة بين ثلاثة عناوين هي ضجيج البحيرة، وهدوء البحيرة وصخب البحيرة حتى استقر الرأي على العنوان الاخير، وفي روايتي ويأتي القطار اخذت آخر جملة في الرواية.
ولكن لماذا جاء العنوان مسبوقاً بحرف العطف الواو وهل قصدت شيئاً من وراء ذلك؟عنوان روايتي ويأتي القطار جاء مسبوقاً بحرف الواو بقصد فعلاً وقد هدفت من وراء ذلك ان يأتي العنوان معطوفاً على ما قبله والاشارة إلى كافة الاحداث التي تسبق مجيء القطار.
التعبير المباشر
ويختلف الاديب الكبير ابو المعاطي ابو النجا عن الآراء السابقة بقوله ان العنوان لا بد أن يكون معبراً بشكل مباشر عن القصة أو الرواية ويقول إذا كان العمل الابداعي مجموعة قصص قصيرة فغالباً ما يتم اختيار العنوان الذي يعبر عن روح قصص المجموعة او الخيوط المشتركة التي تربط القصص ببعضها، او يكون العنوان معبراً عن المحور الرئيس الذي تدور حوله المجموعة القصصية.
اما اذا كان العمل الابداعي رواية فيكون العنوان معبراً عن المعنى المهيمن على الرواية وكاشفاً عن الفكرة الجوهرية التي تدور حولها الرواية.
وعن اختيار العنوان يقول ابو النجا ان العنوان يأتي قبل الكتابة وقد يكون عنواناً مؤقتاً حيث يكتب المبدع علىهدى هذا العنوان ومن ثم قد يكتشف اثناء الكتابة اوبعدها عنواناً اكثر شمولية واكثر دلالة فيستقر عليه، وحدث لي أثناء كتابتي رواية عن عبدالله النديم وتتحدث الرواية عن هروبه واختفائه ومنفاه وقد كان اسم الرواية في ذهني يدور حول المنفى فكان العنوان العودة إلى المنفى، وهكذا يختار العنوان كمفتاح او مرشد للعمل الابداعي.
المكان هو العنوان
اما الاديب يوسف ابو رية فالعنوان لديه ينشغل بفكرة المكان وخصوصية الاماكن التي تعبر عنها اعماله الابداعية وجزء كبير من اهتمامه بالعنوان يعود لانه يعبر عن الفكرة الاساسية ودلالة المكان داخل النص الابداعي فيقول في رواية الضحى العالي يأتي العنوان معبراً عن ملامح المكان الذي تدور حوله الرواية فالعنوان تعبير متوارث عن الاجداد يشير إلى ارتفاع الشمس قبل الظهيرة، وحياة الفلاحين التي تتناولها الرواية مرتبطة بالشمس فالفلاح لا بد ان يقوم إلى عمله قبل الضحى وإذا جاء عليه وقت الضحى العالي فهو فلاح خامل وكسلان.
ويضيف ابو رية,, لأنني مهتم برصد تحولات الريف المصري ورحيل الاجداد، والبحث في التقاليد الريفية تأتي عناوين اعمالي معبرة عن هذه التحولات ففي مجموعتي القصصية وش الفجر تدل على الزمان الريفي ايضاً عن ذلك الفلاح الذي اصبح ينام وش الفجر,, إلى وقت الضحى العالي بعد ان كان ينام مبكراً ويصحو مبكراً، ايضاً في مجموعتي ترنيمة الدار وهي تدور في اجواء الشجن والحزن والبكاء عما مضى ومجموعة طلل النهار وهي بكاء على الاطلال وهي مرتبطة بالاعمال السابقة.
اما روايتي عطش الصباح فيتجلى فيها دلالة العنوان اكثر فالصبار دائماً مرتبط بالمقابر، كما أن الصبار لا يعطش، وعلى هذا العنوان تدور الرواية حول حياة العائلة المصرية وما حدث فيها، كما تحمل روايتي الثانيةوالثالثة اسماء امكنة ايضاً وهي تل الهوى، والجزيرة البيضاء، فالمكان هو المحور الاساسي الذي يقوم عليه ابداعي بشكل عام مابين قرية صغيرة ومدينة.
وحول امكانية كتابة رواية على اساس عنوان تم اختياره مسبقاً يضيف ابو رية:
من الصعب صنع رواية على اسم ولكن مايحدث ان يكون هناك في ذهن المبدع اسم مؤقت قابل للتغيير، هذا الاسم المؤقت يساعد على رسم التفاصيل العامة للعمل واحياناً التفاصيل الصغيرة واثناء الكتابة يتغير هذا الاسم كثيراً ففي روايتي تل الهوى كان الاسم المقترح الشبورة وقد ساعدني هذا الاسم في كتابة مدخل الرواية ثم تغير إلى تل الهوى, وانا بصفة عامة اميل للعناوين البسيطة المكونة من كلمتين.
العمل يختار عنوانه
العمل الابداعي يكتب نفسه ويختار عنوانه,, هذا ما يؤكده الاديب سعيد الكفراوي ويضيف ان العنوان يأتي في آخر مراحل الكتابة الابداعية فانا لا أبدأ كتابة قصة او رواية واقول سأكتب قصة او رواية بعنوان كذا، فانا لا اسعى نحو تأكيد معنى من المعاني او أستهدف شكلاً من الاشكال فالعمل هو الذي يكتب نفسه، ومن الإيقاع والملامح الاساسية للشخصيات وما يبقى من العمل الابداعي في القلب,, من كل هذه الاشياء يتم اختيار العنوان او حتى المفاضلة بين اكثر من عنوان وقد حدثت لي هذه المفاضلة في روايتي بطرس الصياد فقد كنت قد اخترت لها عنوان التجلي الاخير ثم وجدت عنوان بطرس الصياد ادل وأشمل، وهكذا لا بد ان يأتي العنوان من قلب النص الابداعي ومعبراً عنه في شموليته.
ويعلق الناقد الادبي الدكتور مدحت الجيار على كيفية اختيار المبدعين لعناوين اعمالهم وهل من الضروري ان يحمل العنوان ضوءاً كاشفاً على النص فيقول ان العنوان له اهمية كبيرة قد توازي اهمية النص فلا بد من توفر بعض الاشتراطات في اختيار العنوان اولها ان يكون له معنى داخل النص ويحمل جانباً سواء كبيراً او صغيراً من دلالة الفكرة التي يتحدث عنها العمل الابداعي اي لا يكون دون طعم اولون او رائحة.
ثانياً: ان يكون اختيار العنوان كأحد مفاتيح الدخول الى النص وليس شرطاً ان يكون هو المفتاح الوحيد لقراءة واستكشاف النص ولكن من الضروري ان يكون احدها او جزءاً منها.
اما عن توقيت اختيار العنوان سواء قبل الكتابة اوبعدها فيقول د, مدحت الجيار ليست هناك قاعدة ثابتة لذلك ويعود هذاالامر للمبدع ذاته ويختلف من مبدع إلى آخر.
|
|
|
|
|