| الثقافية
** لا أتخيل أن يتخلى (مثلا) شاعرنا المتميز محمد الثبيتي حصلت إحدى قصائده على جائزة عربية مؤخرا عن أدواته الأدبية الفنية العالية وعن اخلاصه ومثابرته واحتشاده الطويل لنصه الأدبي الشعري، ويتخصص (مثلا) في كتابة المقالات الاجتماعية (المثيرة) عن قضايا ومشاكل (مثلا) اجتماعية وتعليمية لها كتّابها المتخصصون، لمجرد ان الأدب قليل الجمهور قياسا بجمهور المقالة الاجتماعية المثيرة.
لا أتخيل ان ينساق أديب واع نحو موجة المقالات الاجتماعية (العابرة) بعناوين أصحابها الالكترونية ومعالجاتها الضعيفة وهمومها الوقتية، لمجرد انه يريد الشهرة او لمجرد انه يريد ان يكوّن جمهوراً لا أتخيل ذلك لسبب بسيط يتعلق بضمير الكاتب الاديب ووعيه وهمومه الجوهرية التي ترفض الإثارة المسطحة وترفض الانزلاق في مطبات صحفية استهلاكية نفعية مثل هذه على حساب مبادئه وأهدافه الحقيقية,, الأديب ضمير أمته ونصوصه الأدبية في جوهرها أبعاد اجتماعية وسياسية واقتصادية، وله رأي في الواقع المحيط به لكنه دائما ضد التلاعب بعواطف القارئ أو استغلاله بأية طريقة كانت,, يمكن أن يطرح أسئلته بين وقت وآخر حول قضية اجتماعية ما لكنه لا يمكن ان يركز على هذا الموضوع ويهمل مشروعه الإبداعي والأدبي الكبير من اجل مسألة ثانوية هي الجماهيرية.
** في لحظة غائمة بلا معنى أو أن لها معاني كثيرة غير واضحة، قرر احد الكتاب أن يركب موجة المقالات الاجتماعية المثيرة لكي يثير صخبا مع ردود الافعال حول كتاباته، قرر ان ينسى هواجسه الأدبية التي أخلص لها طويلا، وأن يكتب عن الوظائف الشحيحة وظاهرة العنوسة وظاهرة الطلاق وظاهرة التفحيط وظاهرة التأجير المنتهي بالتمليك وظاهرة سعودة أسواق الخضار وسعودة الخضار نفسها، ومشاكل المرور ومشاكل الهاتف الجوال، وظاهرة زواج الشباب من الخارج، وظاهرة الرئاسة العامة لتعليم البنات ومشاكل القبول في الجامعات والمعاهد الفنية,, وإلى آخره.
الظواهر كثيرة ولهذا لن يجد صعوبة في تعبئة زاوية يومية خصوصا ان هناك الكثير من الأمور التي هي بحاجة الى تسليط الضوء السطحي من أجل الإثارة الجماهيرية العظيمة، قضايا مثل الهلال والنصر، وايضا الأكل في المطاعم، واسئلة عن مكتشف الخبز (التميس) من هو، وفائدة (الجمبري) وضرر صفار البيض، ولن ينسى ان يعود قليلا الى حارته القديمة ليكتب عن غبارها العذب وعصاريها الحلوة وأسطح بيوتها الرائعة ومن ثم يعود الى تلك الظواهر الاجتماعية مرة اخرى ويعقّب على ردود أفعال القراء المازحة والمهرجة في كثير من الأحيان كما نرى، وهكذا كل يوم زاوية بمقالة سريعة القلي هدفها الإثارة وأقل همومها جوهر القضية وأبرز صفاتها عدم الجدية.
لكن المؤسف ان تلك اللحظة التي كانت معبأة بالرغبة في دخول هذا العالم الضاج بدأت تنقشع غيومها وتتضح الرؤية حولها ليكتشف ان مثل هذه القضايا او الظواهر الاجتماعية المهمة ليست بحاجة له، وانها بحاجة الى دراسات جادة وكتابات لها مرجعيتها الثقافية، ليست بحاجة الى اسماء تكتب مقالات مسلوقة وسريعة على طريقة (الفاست فوت)، وبلا أي مشروع هادف وحقيقي.
** نحن نعرف المقالة الاجتماعية الحقيقية ونعرف أصحابها، ونعرف ان من اولويات همومها جوهر السلبيات واسبابها في القضية الاجتماعية من اجل محاولة الاقتراب منها وطرح اسئلتها بالعودة إلى جذورها او اصلها ونعرف ايضا المقالات الاخرى الطارئة بلغتها الفقيرة وثقافتها المتواضعة وحبها للإثارة والتهريج بغرض الاستمتاع والتسلي بردود الافعال الساخرة، والفاقدة لأقل درجات الجدية والمنهجية، وهذه المقالات وأصحابها ينهجون نهج الكثير من قنوات الفضاء التي تخاطب الغرائز والعواطف وتساهم في تردي الذوق العام وتردي الثقافة باسم الإثارة والجماهيرية وباسم التفاعل مع المجتمع وقضاياه!!؟؟
** هذا في الحقيقة ما نود أن تعيه صحافتنا العربية والمحلية، لأن المقالة الاجتماعية والادبية الجادة والحقيقية وليست المزيفة والمثيرة لها قراءها وهي تحتاج الى كاتب جاد يملك ادوات كتابة راقية ويملك ثقافة مميزة، تطلب من صحافتنا الحد من ظاهرة المقالة الاجتماعية الدعائية التي تلبس ثوب الإثارة والإمتاع والتسلي بعقول الناس على حساب الجريدة وعلى حساب القراء وعلى حساب الوعي والثقافة وعلى حساب جوهر القضايا التي يعاني منها اناس حقيقيون، وللأسف يتسلى بها بعض الكتاب الفاقدين لاقل وابسط درجات الوعي والثقافة والجدية، فالكتابة في القضايا الاجتماعية يفترض ان تحمل رسالة كبيرة على المستوى الثقافي والاجتماعي والإنساني وهذه كما اسلفنا لها كتّابها المتخصصون.
ولا يغيب عن القراء معرفة حقيقة جوهرية ان الكتابات الصحفية المثيرة والمسطحة والمسلية لا تقدم شيئا لأن القارئ الواعي بحاجة الى كاتب يخاطب وعيه ويقدم له افكارا جديدة ترتفع بمستواه سواء على مستوى القضايا الاجتماعية او الكتابة الأدبية.
أما مسألة جماهيرية الكاتب أو شهرته وكذلك مساحة الحرية الممنوحة له، ودور الصحف والمؤسسات الثقافية في الارتقاء بثقافة ووعي القراء، ومتى يتخلى الأديب عن مشروعه الأدبي الكبير ويتحول الى مقالات القضايا الاجتماعية فهذه لها وقفة اخرى نحاول الاقتراب منها وطرح اسئلتها الأسبوع القادم.
|
|
|
|
|