| الثقافية
البقاء للقصيدة,, أقول ذلك وأنا أسمع خبر فوز محمد الثبيتي بجائزة البابطين لأفضل قصيدة عربية هذا العام، وفوز الشاعر الثبيتي بالجائزة يمثل إجابة واضحة حول محور أردت أن أطرحه منذ مدّة حول غياب القصيدة الجيدة في السنوات الأخيرة، قلت في ذلك المحور كمدخل,, نقرأ كثيراً من القصائد فنجد أنها أشبه بالنظم,, وتضيع قصائد جميلة بين ملفات الشاعر غير المنشورة لا أقصد الثبيتي طبعاً والإصدارات الرديئة، لماذا لا يُعتنى فعلا بالقصيدة,, لماذا لا تكون القصيدة لوحةً جمالية يعلقها القارىء في الذاكرة فترة من الزمن ليتأملها كثيراً، هل انقرض الشعراء المبدعون أم تدثر الشعر بوشاح رديء، بقي السؤال قائماً حتى مَثُلَ اسم محمد الثبيتي أمامي، الذي حدثنا في أول إطلالة له عبر ديوان عاشقة الزمن الوردي الصادر عام 1402ه قائلاً منذ مدة طويلة وأنا أورط نفسي في اقتحام مجاهل الشعر وذرع متاهاته المسحورة,, أحاول هزَّ أفنانه اللدنة لتمطر لي الورد,, والفراشات والسوسن والأصداف وتمنحني الإكسير المتوهج الذي يهب الحب والحياة,, وأدعو أشعته الملونة لتخضلَّ في صدري,, وتورق بين أصابعي وتلد لي السحر والرحيق (والقصيدة العصماء) .
هذا الشاعر الذي أطل علينا منذ ما يقارب العشرين سنة عبر ثلاثة دواوين شعرية صغيرة، يؤكد لنا أن القصيدة تمثل له مشروعاً خاصاً، وهنا يتميز محمد الثبيتي فمقابل عشرات الدواوين التي يصدرها بعض شعراء المناسبات والتي غالباً لا نتذكر عناوينها، مقابل ذلك يبقى في الذاكرة عناوين لقصائد قالها الثبيتي ويحفظ كثير من متذوقي الشعر وقرائه مقاطع من تلك القصائد وأقرب مثال قصيدة التضاريس وتغريبة القوافل والمطر هذه القصيدة التي تعد أول نص شعري يقدم على خشبة المسرح في المملكة كعرض مسرحي قدمته فرقة المسرح بجمعية الثقافة والفنون فرع القصيم، أتذكر أن الجمهور ردد مع الممثلين مقاطع مغناة من ذلك النص وبالذات المقطع الذي يقول فيه:
شدنا في ساعديك
واحفظ العمر لديك
هب لنا نور الضحى
وأعرنا مقلتيك
واطو أحلام الثرى
تحت أقدام السليك
نارك الملقاة في
صحونا، حنَّت إليك
ودمانا مذ جرت
كوثراً من كاحليك
لم تهن يوماً وما
قبّلت إلا يديك
سلام عليك,.
هذه القصيدة التي كتبت بين عامي 84 86م لا تزال كلماتها تدوي بالذاكرة لأنها تنبض بالحياة وهذا نلمسه في أغلب قصائد الثبيتي، فالقصيدة لديه كائن حي تحتاج فقط لمن يقوم بتجسيدها كنص مرئي فالحوار موجود والنسق الدرامي واضح في أغلب قصائده، لنعد إلى قصيدة أغان قديمة,, لمسافر عربي في ديوان عاشقة الزمن الوردي وقصيدتي فواصل من لحن بدوي قديم,, و,, صفحة من أوراق بدوي في ديوانه الثاني تهجيت حلما تهجيت وهما وديوان التضاريس كاملا وأخيرا قصيدة الفوز موقف الرمال,, موقف الجناس اقرؤوها وتخيلوا ذلك الحوار والنسق الدرامي المذهل تأملوا ذلك المشهد
ضمني
ثم أوقفني في الرمال
ودعاني
بميم وحاء وميم ودال
واستوى ساطعا في يقيني
وقال:
أنت والنخل فرعان
,,,,,.
وأنا هنا لست بصدد تقديم دراسة نقدية عن شعره أو لرصد سيرته الشعرية، ولكن لكي أقدم باقة ود لصديق عرفته منذ ما يقارب العشرين سنة، ولأشارك عبر منبر بسيط بالاحتفاء به مؤكدا بأن الشعر العربي عُرِفَ عبر القصائد المتفرقة وليس عبر الدواوين، جميل أن تجمع تلك القصائد وتنشر في دواوين مختلفة لتصل للقارىء بصورة أبسط وأنظم، ولكن ليكن محمد الثبيتي مثالا جيدا يحتذى به، فالقصيدة لديه ليست وليدة مناسبة ارتجالية أو رصفا لمجموعة من الألفاظ والمحسنات البديعية، بل مشروع متكامل مبني على ثقافة عميقة واختزال للفكر الإنساني ليأتينا النص شاهدا حضاريا ووساما نعلقه فوق صدورنا احتفاء بثقافة الوطن وتأطيرا لمشروع الرياض العاصمة الثقافية، فحييت أيها الثبيتي قامة ثقافية نفتخر بها دائما كأحد المبدعين الذين ينتمون لهذا الوطن المعطاء.
ASALS1999 @YAHOO.COM
|
|
|
|
|