| مقـالات
الطب ليس تجارة، ولكنه في نفس الوقت يباع ويشترى, وتكلفة الخدمة الطبية في تزايد مستمر مع زيادة الاعتماد على التقنية المتقدمة والتنافس على رفع مستوى الخدمة الفندقية, وكما انه ليس من المنطق ان نطالب الاطباء بالموت جوعا، وأصحاب المستشفيات بالتنازل عن ارباحها، فإن من العدل ان نطالبهم بما نطالب به اي تاجر ومستثمر: تقديم خدمة توازي قيمتها، لا غش فيها ولا غبن.
ومحاور قضية الخدمات الطبية التجارية متعددة ومتضاربة، ففي الوقت الذي يطالب فيه أنصار الاقتصاد الاجتماعي بتدخل الدولة في تحديد سعر الخدمات الطبية والاستمرار في تحديد سعر الدواء، يصر أنصار السوق الحر على فتح الباب على مصراعيه للمنافسة التجارية والتي من شأنها وحدها رفع الخدمة وتخفيض السعر, وفي حين يطالب الأطباء بالتسامح مع الأخطاء الطبية، طالما أنها لم تصدر عن قصد ونية مبيتة، ينادي دعاة حماية المستهلك (المريض في هذه الحالة) بتشديد العقوبة على المخطئين ليزداد الحرص والدقة ولغربلة الوسط الطبي من المتساهلين، والمهملين، والمستغلين، واللامبالين, ويبرر المدافعون عن الأطباء بأن سيف العقوبة سيجعلهم يترددون في اتخاذ القرارات المهمة وإجراء العمليات المعقدة، ويستشهد المنافحون عن حقوق المرضى بالكوارث الطبية التي تنشرها الصحف كل يوم، والناتجة عن الطموحات التجارية لأصحاب المستشفيات والأطباء المستفيدين بالنسب المئوية من كل عملية أو تحليل، والغش التجاري الذي يسوق خبرات ومؤهلات وهمية للأطباء، ويسمح لهم بالعمل في غير اختصاصهم، والاستهتار الذي يدفع الطبيب الى التسرع في اتخاذ قرارات مصيرية والقيام بعمليات لا لزوم لها.
وفي وسط هذه المعمعة يأتي التأمين الطبي الإلزامي ليخلط الأوراق من جديد, فشركات التأمين تسعى إلى تخفيض التكلفة بالتقليل من نسبة التحاليل والعمليات والتنويم وكمية الأدوية التي يصفها الاطباء في كثير من الأحيان بداع أو بغير داع, إلا أن هذا الأسلوب قد ينتج عنه إغفال أو عدم اكتشاف لأمراض خطيرة أو إعطاء علاج خاطئ نتيجة لعدم إجراء الكشف اللازم، أو العملية اللازمة.
الاسئلة المطروحة كثيرة، وتدور في مجملها حول كيفية ضبط التوازن بين الالتزامات الإنسانية والمكاسب المادية المشروعة في المستشفيات الخاصة، ودور المشرع في وضع النظم الكفيلة بتنظيم العلاقة بين جميع الأطراف وإحكام التوازن المادي والأخلاقي الذي تحكمه طبيعة الخدمة الطبية وبعدها الإنساني وصلتها بأعظم ما حرم الله، روح الإنسان, والإجابة على الأسئلة لا بد أن تبدأ بحوار مفتوح بين جميع الأطراف: وزارة الصحة وأصحاب المستشفيات الخاصة وشركات التأمين وخبراء الاقتصاد الطبي والمستفيدين من الخدمة، مع الاستفادة من تجارب الدول التي سبقتنا في هذا المجال، والأمل أن ينتج عن هذا الحوار نظام منصف لجميع الاطراف يحقق نمو هذا القطاع الحيوي ويفتح أمامه أبواب التوسع والتطور من خلال أنظمة التأمين الطبي الشامل والمنافسة الشريفة، ويراعي، في ذات الوقت، وضع الضوابط الكفيلة بمنع التجاوز والاستغلال واللامبالاة.
* رئيس الشؤون المحلية، جريدة الوطن، أبها.
|
|
|
|
|