اسقط في يدي حينما قال لي احد الدكاترة الأصدقاء الأعزاء متسائلا,, ما علاقتك بالنادي الأدبي والأدباء فأنت رسام,,؟؟؟ ذلك عندما اعتذرت عن مرافقته لاحدى المناسبات الأسرية لارتباطي بمناسبة أدبية ضمن فعاليات اختيار الرياض عاصمة للثقافة, هذا التساؤل,, او السؤال من صاحبي شكل أمامي علامات استفهام كثيرة وكبيرة,, شعرت خلالها بنوع من الاحباط نتيجة توقعي السابق بأن هناك من يقدر ويفهم ما نقوم به في مجالنا التشكيلي وعلاقته بالأدب والثقافة, فكيف يأتي هذا السؤال ممن نعتبرهم في قمة هرم العارفين,,!! نقلت هذا الاندهاش وهذا الموقف لعدد من الفنانين من رفاق الدرب فأخذ كل منهم يكشف مواقفه وما احاط بها من طرائف ومواقف مماثلة وجدت فيها اننا في حاجة ماسة للتعريف بهذا الفن اكثر من ان نمارسه كإبداع إذ ما زال في دائرة التهميش,, ودائرة العبث والهوايات التي يرى أولئك الجاهلون به انه مضيعة للوقت.
ذلك السؤال لم يمر بي مرور الكرام بقدر ما دفعني للجلوس مع صاحبي وصديقي من منطلق (الميانة) فاحلت لقائي معه الى محاكمة معتمدا في دفاعي عن هذا الفن على معرفتي السابقة باطلاع (الدكتور إياه) على الفنون محليا وعالميا,, دون ان اترك له فرصة للإجابة او المراوغة والالتفاف وتحويل المفهوم او النتيجة لصالحه,, وأخذت في شرح أبعاد هذا الفن وتاريخه وعلاقته بالحضارات, واعتباره احد الشهود والشواهد الحضارية, وان الفنان شاهد على عصره وقد يسبق عصره قليلا بالحدس وتصوير القادم بناء على الحاضر وانه لا يختلف عن الآخرين في شكله وسلوكه وانما يختلف بكيفية صياغة واقعه في عمل بصري إنساني لا يمكن إلا ان يكون رائعا ومعبرا عن الحقائق,, وانه لا يأتي عبثا او ان يدرج ضمن الهوايات ووسائل التسلية بقدر ما يعني مروره بالعديد من العوامل والمراحل بصرا وبصيرة بناء على رد فعل لفعل ما حسنا كان ام سيئا ثم يظهر للمشاهد ليصبح وثيقة من وثائق العطاء البشري,, وان علاقة الفنانين التشكيليين الرسامين بالأدباء والمبدعين علاقة متكاملة فهم يتشابهون في التفاعل ويختلفون في وسيلة التعبير وان في اللوحة مصدر الهام للقاص وللشاعر وفي القصة والقصيدة مرتعا خصبا لمواضيع تشكيلية وان هناك كثيرا من الأدباء والشعراء من يمارس التعبير بالرسم والشواهد كثيرة: خالد الفيصل,, وجبران,, وفاروق حسني,, وعبدالعزيز مشري,, الى آخر الحديث الذي استغرق مني الجهد والوقت كنت بعده جازما بأن صاحبي سيقف لي احتراما ويمد يده مصافحا مدللا بذلك على اعجابه بمحاضرتي تلك وبالفن التشكيلي إلا انه فاجأني بهدوئه,, التام والمعهود وتمتم قائلا,, (وماذا,, بعد؟؟).
صحوت بعدها وتوقف اندفاعي لابحث من جديد عما يعنيه بقوله وماذا,, بعد هل يعني ما سبق قوله تحديدا في حديثي وهل هناك قول او إيضاح آخر ام ماذا بعد في حال واقعنا التشكيلي,,؟ وهنا تقع القضية والمشكلة والمعاناة, ويصبح للجميع عذر في ذلك, إذ ان التواصل بين المبدعين مفقود,, مفقود,, ياصاحبي فالأدباء القاصون في واد والشعراء في واد والتشكيليون في واد آخر,, وكل منهما يغني على ليلاه,, وان كان واقع الأدب والشعر أحسن حالا,, فالفن التشكيلي هو الهائم على وجهه دون معرفة لحاله عند اصحابه فكيف بمعرفة الآخرين به واذا كان هذا الصديق قد أعلن جهله بتلك العلاقة فهذا مؤشر لجهل الكثير مما يعني توجيه السؤال للجهات المعنية بالثقافة والفنون وعن معنى ربطها دون تفعيل للعلاقة علما بأن الفن التشكيلي هو الأقرب للأدب والفكر وحقوقه محفوظة في الإعلام ضمن دائرة او حقوق المؤلفين بينما بقي نشاطا هامشيا يقام لتغطية مساحة من مساحات فعاليات أي مهرجان ويدرج ضمن نشاطات الأندية وبرامج رعايتها للهوايات إننا حينما نصل الى هذا القدر من الفهم والتعامل فاقرؤوا على هذا الفن السلام في الوقت الذي تعطى له كل الفرص وتقام له صالات العرض والمتاحف وتؤسس له جمعيات مستقلة في مختلف أقطار الدنيا,, الصغير منها والكبير فهل يعي الإداريون في الجهات المسؤولة هذا الحجم من التقدير وان هذا الفن له حقوقه وقدره, ويبحثون عن سبيل دعمه والوقوف معه ومع ما يحظى به من اهتمام,, ويترفعون به عن واقعه الحالي من سوء في العرض وتردٍّ في مستوى الاختبار وتفكك في منظومة الفنانين,, وبعد عن الجهود حتى اصبح مجالا غريبا ومبتورا عن جسد ثقافة وأدب وفكر الوطن,, وبقي في الدائرة الضيقة لا تتعدى برامج محدودة وضعيفة.
كتاب السليمان ضاع بين هذا وذاك
كتاب الفن التشكيلي السعودي الذي كلف به الزميل الفنان عبدالرحمن السليمان ضاع بين هذا وذاك بين المراجعة والمراوغة,, وتسلمته أياد وعيون ما زالت تحدق في كل حرف وجملة ومعنى سعيا في ان يخرجوا منه او به بنتاج مفيد علما ان كاتب الكتاب او مؤلفه الزميل السليمان اقرب للواقع التشكيلي ممن كلف بمراجعته ولكن البعض (عايز كده) وإذا كان مثل هذا الكتاب قد مر بمثل هذه الإجراءات من الأخذ والعطاء أكثر من سنة فكيف بمن يعتزم اعداد كتاب مماثل وبزيادة في الطرح.
ما نقوله هو: (اجعلوا سمن وطنكم في دقيقه ففينا من هو اقدر على فعل شيء في مصلحة الوطن كواجب وليس كوظيفة).
|