رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Wednesday 28th June,2000العدد:10135الطبعةالاولـيالاربعاء 26 ,ربيع الاول 1421

مقـالات

منعطفات
فترة واحدة,, لا فترتان ,,,!
د, فهد سعود اليحيا
في كل دول العالم المتقدمة، وفي تلك التي تسعى حثيثة في ركب الحضارة، شمالاً وجنوباً، وشرقاً وغرباً، وبغض النظر عن حالة المناخ، فإن الناس يعملون أساساً نهاراً، وعدا ذلك يكون استثناء كالعمل في المطارات أو المطافئ أو البريد وغيرها, ذلك أن التقدم يكون مبنياً على التوازن بين مصلحة العامل ومصلحة العمل، بين مصلحة الموظف والوظيفة، بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع, ومن هنا جاءت فكرة جعل عطلة نهاية الأسبوع يومين بدلاً من يوم واحد, ومن هنا جاء مبدأ ثماني ساعات عمل ومثلها راحة ومثلها للنوم.
وفي ألمانيا يجبر الموظف على التمتع بإجازته السنوية كل سنة, ولا يحدث أن يجمع إجازات عدة سنوات فيتمتع بها دفعةً واحدة, ذلك أن العمل المتواصل دون إجازات ليس في صالح الموظف ولن يستطيع الإنجاز كما يجب, ولدينا يسمح نظام الحكومة بجمع إجازات ثلاث سنوات ولربما كان لتمتع الموظف باجازتين طويلتين نسبيا في عيدي الفطر والأضحى تجديد لطاقة الموظف وعلى كل حال لنا عودة في الأسطر اللاحقة فموضوعنا ليس الإجازات ولكن الدوام بنظام الفترة الواحدة أو الفترتين يومياً.
الأغلبية الساحقة من القطاعات الحكومية تعمل بنظام فترة عمل واحدة, بينما العكس هو القاعدة في القطاع الخاص حيث يعمل موظفوه على فترتين تفصل بينهما أربع ساعات ضائعة على الموظف وعلى حساب راحته وأسرته ومصلحة وقته الخاص, ولذلك تحارب البنوك لدينا من أجل تطبيق نظام عمل الفترة الواحدة، وتحارب من اجل حذف دوام الخميس نصف النهاري, فقد وجدت بعد عقود أن هذا يتعارض مع مصالحها ومع مصالح موظفيها, بل انها بدأت تفقد كثيراً من الكفاءات لكون هذين العيبين لصيقين بها.
ولا يوجد مبرر معقول لأن يكون نظام الفترتين قاعدة لعمل القطاع الخاص دون الحكومة خصوصاً وأن نظام العمل السعودي يحرم الجمع بين الوظيفة الحكومية والعمل الخاص, المناخ واحد، ودرجة المواطنة واحدة، والمجتمع هو المجتمع فلماذا التفريق؟
لقد تعامل أجدادنا الأوائل، وجدودنا القريبون، مع ظروف المناخ والظروف الحضارية بعبقرية: تبدأ الحياة مع الشروق، أما من يصفّر فهو الكسول الخائب (أي من يستيقظ عندما تصفر الشمس أي ما بين السابعة والثامنة صباحاً!) وينطلقون إلى أعمالهم حتى صلاة الظهر وقت حموة الشمس فيتناولون الغداء ثم يقيلون وبعد صلاة العصر يستأنفون أعمالهم, والليل لهم منذ أذان المغرب حتى الفجر للعشاء والشبّة والدورية والسمر, لقد عاصرت هذا عندما كنتُ أذهب لزيارة جدتي في الخرمة قبل أن تغزوها الكهرباء والتلفزيون والحضارة, وفي يقيني أن هناك الكثير من القرى ما زالت تتبع هذا النظام.
أما مبدأ العمل بفترتين في القطاع الخاص، فليس له علاقة بالمناخ أو بتقاليد اجتماعية أو أي شيء آخر وإنما هو اعتداء على حق الموظف في الاستمتاع بالست عشرة ساعة المتبقية من يومه سواء أمضاها مع أسرته، أو في التبطح أمام التلفزيون وأكل الفصفص هذا شأنه طالما أنه لا يخالف القانون.
والغريب أن معظم الناس ولعلي لا أفشي سراً يقولون ان العمل في القطاع الخاص مجهد لأن رب العمل يريد من العامل أن ينتج ويقول للكسول انت! فاكر نفسك في مكتب حكومي؟ ولذا يتحاشى الخريج عموماً القطاع الخاص، ويبذل جل جهده في البحث عن وظيفة في الحكومة، فإن لم يجدها توجه إلى القطاع الخاص, باختصار كيف يعامل موظفو القطاع المنتج بحيف من حيث الاجازات وعطلات نهاية الأسبوع ثم الدوام بفترتين.
على مستوى موظفي القطاع الخاص الخسارة فادحة: مضاعفة المشوار للعمل، ومضاعفة الوقت المستهلك في الذهاب والجيئة، ضياع الوقت المستقطع بين فترتين فلا هو وقت للاسترخاء مع الأطفال، ولا هو للتسوق مع الأسرة، ولا هو وقت زيارات اجتماعية,
أربع ساعات هي في الواقع خازوق يشطر نهار اليوم وربع مسائه بلا فائدة للموظف أو للعمل.
أما فحص الضرر على المستوى الاجتماعي فيستدعي نظرة أبعد من طرف الأنف: ازدحام كل الطرقات طوال الوقت، فساعات الذروة في باقي بلاد الله مرتين يومياً، ولكنها لدينا بضع مرات في اليوم، واستهلاك زائد للطاقة، وتكريس للبطالة حيث البعض يعمل في الحكومة حتى صلاة الظهر، ثم يفاخت (بالمناسبة انتاجية الموظف السعودي لاتزيد عن 45 دقيقة في اليوم) لينعم بالقيلولة ثم يذهب للعمل فترة مسائية، بينما البعض الآخر يبحث عن وظيفة, وعلى المستوى الاجتماعي أيضاً ومع النمو المطرد في القطاع الخاص تدنت الأواصر الاجتماعية, أتحدى من دعي لعشاء أو أولم وجاء أو جاءه الضيوف قبل الثامنة والنصف على أفضل تقدير.
وعلى المستوى الأسري فموظف القطاع الخاص يسعى لتأمين حياة مادية كريمة لأسرته ولكن على حساب السعادة الأسرية, فلا وقت يقضيه (اللهم يوم الجمعة، عطلة نهاية الأسبوع الوحيدة له) مع أفراد أسرته الصغيرة: عندما يعود ظهراً ينتظر قدوم الأطفال من المدرسة (والزوجة العاملة) وينطلق الأطفال للعب أو مشاهدة التلفزيون فالطعام الغداء، وربما تكون هناك قيلولة، ثم ركضة للحاق بفترة الدوام المسائي، وعندما يعود يكون الأطفال قد ناموا استعدادا للمدرسة, ومع ذلك نقول متقمصين سمة الحكماء إن على الأب أن يرعى أولاده، ويستذكر معهم دروسهم، وأن يذهب معهم في زيارات اجتماعية وأماكن ترفيهية توثيقا للعلاقة الأسرية!! وأيضا لا وقت لصلة الرحم وزيارة أفراد الأسرة اللهم إذا انتظروا أن يطل عليهم حضرته في العاشرة مساء.
(وجعلنا النهار معاشا) صدق الله العظيم، فالنهار للعمل، والليل لسواه, ولو استشارني المجلس الاقتصادي الأعلى لمحضت له النصيحة ولكني لن أشق عليه بذلك ولن أنتظر فأبذلها أمامكم وأقول خذوها مني خالصة مخلصة دون هوى: لتكن القاعدة في كل قطاعات العمل فترة نهارية واحدة، ،لتظل الأسواق مفتوحة إلى الثامنة أو التاسعة على الأكثر، ولتبقى المطاعم والمقاهي والمنتزهات وأماكن الترفيه إلى منتصف الليل، ولن نندم.
fahads@suhuf.net.sa

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved