| مقـالات
عندما فتح ضباط الجمارك في ميناء (دوفر) الانجليزي الباب الخلفي لشاحنة هولندية، صعقوا بوجود (ثمان وخمسين) جثة لرجال واربع نساء!! وقد ماتوا اختناقا بالحرارة خلال رحلة العبور الطويلة من ميناء (زيروج) في هولندا الى (دوفر) في بريطانيا.
والأجساد التي وجدت كانت لمجموعة من المهارجين الآسيويين الذين هربوا من بلادهم في رحلة عبور طويلة تمتد الى ما يقارب من اثني عشر ألف كيلومتر، وصولا الى أوروبا التي يجد فيها معظمهم الجنة الموعودة التي ستحل لهم مشكلات الجوع والفقر والبطالة.
وتفاصيل الحادثة بمجملها شديدة الشبه بقصة الأديب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني (رجال في الشمس) التي تدور حول حكاية مجموعة من الرجال الفلسطينيين الذين ارادوا التسلل الى الكويت بصورة غير شرعية بهدف العمل هناك والبحث عن موارد أوسع للرزق فخبأهم أحد المهربين في سيارة (صهريج) الى ان يستطيعوا العبور من نقاط الجمارك والتفتيش، ولكن يبدو ان سائق السيارة قد تأخر في اخراجهم الى ان ماتوا اختناقا هناك!!
ومع التشابه مع حادثة الميناء الانجليزي وقصة غسان كنفاني التي يقولون بأنها هي بدورها قد بنيت على واقعة حقيقية يتكشف لنا الجانب الإنساني المحرق في تلك الحكايات، والتي يتحول طريق الخلاص الى تنين مرعب يلتهم احلاما ظلوا ينسجونها طويلا من بين انياب الفقر والجوع وأطياف الخلاص، ويقال بأن اعداد الهاربين من اوطانهم سنويا يربو على الستة ملايين نسمة وعلى الغالب يفرون من ملاحقات أنظمة قمعية او هربا من الجوع والبطالة، وإذا رافقهم بعض من الحظ فإنهم سيكونون أفرادا ملاحقين، يعملون تحت مظلة الرعب والتوجس بأجور متدنية ومن دون أي ضمانات اجتماعية او حماية قانونية!!
وبالتالي سيكونون تجمعات للفقر والبطالة والجريمة بحيث يصبحون عبئا على البلدان نفسها.
وكلما ازدادت الهوة بين الشمال والجنوب استفحلت هذه الظاهرة واتخذت لها ابعادا أكثر مأساوية.
والغربة والاقتلاع من الجذور هو ثمن قاس يدفعه أي فرد بمرارة وتحت ضغط ظروف قاسية، فما بالكم اذا كانت رحلة البحار المظلمة ليست للوصول الى طوق النجاة بل للموت والحتف بأثمان بخسة, والرقم ستة ملايين ليس بالرقم السهل والبسيط الذي يجعل من الدول القوية وذات القدرة تتغاضى عن رقم مثل هذا، الأمر الذي يجعل من الملح ان تلتفت المنظمات العالمية للاغاثة الى هذا الموضوع بصورة جدية وفاعلة وبالشكل الذي يقلل من حجم الخسائر البشرية في هذا المجال واظنه لم تغب عن اذهاننا بعد قصة الطفل الكوبي (اليان غونزاليس) والذي قضت أمه نحبها وهي تحاول التسلل الى الولايات المتحدة هاربة من (كوبا) التي كان فيها وجه الطفل (غونزاليس) يملأ الشاشات بمشاعر البؤس والحزن لقطاع كبير يبرز لنا عظم الهوة تلك التي تقع بين الشمال الغني والجنوب المعدم!!
|
|
|
|
|