| لقاء
* كتب سَلمان العُمري
فنّد معالي رئيس ديوان المظالم بالانابة الشيخ منصور بن حمد المالك الحملة الشرسة التي أثارتها منظمة العفو الدولية ضد المملكة العربية السعودية وتلفيق التهم واللوم والادانة لها دون استطلاع وجهة نظرها عبر نقاش وحوار، ووصفها بأنها أحكام تبنى على تقارير أحادية الجانب تلقتها المنظمة من أيد معادية مشبعة بالحقد والكيد لثوابت هذا البلد الاسلامي لتكفي في معايرة نزاهتها وحيادها.
واكد معاليه ان ادانة منظمة العفو الدولية للمملكة في اجراءاتها القضائية ما هي الا رسالة موجهة بالعداء لأكثر من مليار مسلم، وسوف يحرك هذا الاستهجان والاستهانة بدينهم ومشاعرهم، ويثير سخطهم؛ لان الجميع يعلم أن النظام القضائي في المملكة بما في ذلك التشريع الجنائي مستمد برمته من الشريعة الاسلامية.
وكشف معالي الشيخ منصور المالك جرأة المنظمة على هذا العداء السافر لأحكام ديانة سماوية ختمت بها الأديان، واعتبرها تحديا جديداً، واعادة للمواجهة بين الاسلام وخصومه، مصحوبة بتزوير الحقائق، وتلفيق الأباطيل مع تدخل سافر في الاجراءات الشرعية والتنظيمية للسياسة القضائية والامنية لبلد اسلامي اخضع جميع أجهزته واداراته لسطان الشريعة الاسلامية وضمن استقلال قضائه، وأمضى احكامه على الجميع.
وقال معاليه في معرض اجابته على سؤال لصحيفة الجزيرة فيما اذا كان اختصاص الديوان يدخل فيما يتعلق بحقوق الانسان المنصوص عليها في النظام الاساسي للحكم، وهل للديوان علاقات أو تنسيق مع الجهات التي تهتم بحقوق الانسان في المملكة: ان اختصاص الديوان اوضحه نظامه، وهو بهذا يباشر ما اسند اليه في ضوئه، وما من دعوى لصاحبها حق فيها الا وهي من قبيل حقوق الانسان، والشريعة الاسلامية اول من حفظ هذه الحقوق ورعاها، وفي خطبة الوداع التي خطبها النبي صلى الله عليه وسلم منذ ما يزيد على اربعة عشر قرنا ارساء لقواعد حقوق الانسان، وبيان لها ينضاف لذلك نصوص الشريعة الاخرى.
واضاف معاليه قائلا في الصدد نفسه: وقد جاء هذا الاعلان الاسلامي لحقوق الانسان في قرون خلت طغت عليها الهمجية والوحشية ليس بين العرب وحدهم، ومن استقرأ احداث التاريخ علم ذلك، والنظام الاساسي للحكم حفل في هذا بمواد مستمدة من الشريعة الاسلامية، ومصالحها المرسلة شملت بعدلها الجميع دون استثناء، وبالأخص ما نحن بصدده، حيث نصت المادة (26) من النظام الاساسي للحكم على التزام الدولة بحماية حقوق الانسان، وليس وراء اعتماد الكتاب والسنة دستورا للمملكة من حديث، او اضافة.
واوضح معالي رئيس ديوان المظالم بالانابة قائلا: اما الشق الثاني من السؤال، فالديوان جهة قضائية تمارس عملها في الفصل بين المتخاصمين في نطاق اختصاصها الولائي، ولا ترى فيما وراء ذلك الا تجاوزا لصلاحيتها، وهي بما تقضي به من نصرة المظلوم، ومحاسبة الظالم، ما توصله من حقوق، وما تتوخاه من تحقيق العدالة، تعد بحق اعظم هيئة لحقوق الانسان، كما ان القضاء في المملكة بحمد الله لا تشوبه عوائق القضاء الاجنبي، وما تتطلبه من اجراءات معقدة لرفع الدعوى، تمر عبر قنوات شائكة لو لم يكن من مساوئها الا عزل المدعي عن مباشرة دعواه، وعدم تمكينه من مطالبته بحقه بنفسه، وحمله على توكيل مكتب للمحاماة ولو في نزاع يسير، وغير خاف ما في هذا من اثقال كاهل الفقير، وتركه احيانا لحقه خوفا من الاتعاب لو لم يكسب الدعوى.
واستطرد معالي الشيخ منصور المالك في سياق حديثه يقول: ان الحملة الشرسة التي اثارتها مؤخرا منظمة العفو الدولية ضد المملكة، اقول ان احكاما تُبنى على تقارير احادية الجانب تلقتها المنظمة من ايد معادية مشبعة بالحقد والكيد لثوابت هذا البلد الاسلامي لتكفي في معايرة نزاهتها وحيادها، ثم ان المنظمة لم تعبأ في حملتها بتجاوزات القاء اللوم جزافا على دولة ذات سيادة ارتضت شرع الله حكما عدلا لتدينها بعدم عدولها عن ذلك الى قوانين ارتضتها هي وأرادت املاءها على الغير في اطار محاولة فرض الرأي.
قانون الانتقاء,,!!
وأبان معاليه في هذا الشأن ان لهذه المنظمة وامثالها حظا وافرا في قانون الانتقاء وازدواجية المعابير، فمكيال هذه الدولة غير مكيال تلك، وما كان اليوم انتهاكا للحقوق قد يصبح غدا شأنا داخليا يتعلق بسيادة كل دولة وفلسفتها في اتخاذ ما تراه في صالح وطنها ومواطنيها، مشيرا الى انه من المعلوم ان هذا التبرير وامثاله لا ينسحب الا على البلدان التي خضعت لأهواء هذه المنظمة واهواء من يمولها ويحركها لاعتبارات دينية او سياسية بعيدا كل البعد عن مظهرها الخارجي وتعاطفها الانساني، وهي كما يعلم الجميع منظمة اهلية غير حكومية تتلقى دعمها المادي من جهات لم تعد خافية حققت من ورائها مكاسب خدمت اهدافها وسياساتها.
واكد معالي رئيس ديوان المظالم بالانابة ان الثقة التي تتكىء عليها هذه المنظمة لا تعدو في الواقع شهرة اكتسبتها بالكذب الدعائي والتمويه الاعلامي الذي انطلى للاسف على الكثير، خاصة في بدايات انطلاقها، وما ان اطمأنت الى رواج اسمها على الصعيد الدولي حتى شرعت في ممارسة نشاطها غير المعلن دون تحفظ او تحرز.
وافاد معالي الشيخ منصور بن حمد المالك ان الذي غاب عنها في حملتها المؤخرة ان ادانة المملكة في اجراءاتها القضائية هي رسالة موجهة بالعداء لاكثر من مليار مسلم، سوف يحرك هذا الاستهجان والاستهانة بدينهم مشاعرهم، ويثير سخطهم، لان الجميع يعلم ان النظام القضائي في المملكة بما في ذلك التشريع الجنائي مستمد برمته من الشريعة الاسلامية، ويضيق افق تلك المنظمة ان ظنت الامر موجه الحكومة وحدها، وقد شهدت احداث التاريخ الاسلامي ان الامة الاسلامية جسد واحد، كما اخبر بذلك نبيها الكريم محمد صلى الله عليه وسلم اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وقال معاليه: ان جرأة المنظمة على هذا العداء السافر لأحكام ديانة سماوية ختمت بها الاديان يعد تحديا جديدا، واعادة للمواجهة بين الاسلام وخصومه، مصحوبة بتزوير الحقائق، وتلفيق الأباطيل مع تدخل سافر في الاجراءات الشرعية والتنظيمية للسياسة القضائية والامنية لبلد اسلامي اخضع جميع اجهزته واداراته لسطان الشريعة، وضمن استقلال وحصانة قضائية، وامضى احكامهم على الجميع.
سابقة لا نظير لها,,!!
ومضى معالي رئيس ديوان المظالم بالانابة في نفس الصدد قائلا: ولا نغفل في هذا عن شدة اللهجة التي تضمنتها تلك الحملة الموجهة لحكومة شرعية لها ثقلها واحترامها الدولي ارتضت أن يكون دستورها مصدري هذا الدين العظيم: الكتاب والسنة، واحتضنت الحرمين الشريفين مهوى افئدة المسلمين، ومحط انظارهم كما لا نغفل عن التجاوب الاعلامي في بعض الدوائر الغربية، وتفاعله المصاحب لتلك التقارير المضللة، نكاية بهذا البلد وثوابته الشرعية، وما حققه بسبب ذلك من الاستقرار الامني، والترابط الاجتماعي في سابقة لا نظير لها اليوم بين الدول تُعد بحمد الله من جملة الاسباب في تحول عدد كبير من غير المسلمين الى دين الاسلام ممن ترك جاهلية التعصب، وانفتح لساحة النظر والتأمل في اسرار هذا الدين العظيم، حتى اوصله ذلك الى الحقيقة.
واعرب معالي الشيخ منصور المالك عن تعجبه في ان تصدر منظمة العفو تقاريرها بادانة المملكة دون استطلاع وجهة نظرها، عبر نقاش وحوار، ويعلم العالم بأسره ان حكومة المملكة العربية السعودية روح منفتحة في الحوار البناء، والاعتدال في الرأي، ومحاماتها عن ثوابتها لا يخرج عن كلمة صادقة وحماس متزن، مشيرا الى ان المطلع على بيان تلك المنظمة على التسليم جدلا بسلامة نواياها يخلص الى نتيجة واحدة مفادها ان منظمة العفو الدولية هي في الحقيقة هيئة للدفاع عن حقوق المجرمين، فمجمل تقاريرها تنصب على ذلك، وتنادي بالعطف والشفقة على المجرمين غير مبالية بضحاياهم من الابرياء، في ظل غيابها عن نمو معدلات الجريمة في الدول التي تطبق معايير هذه المنظمة من منطلق مبادىء خاطئة في بعض مدارس: علم النفس الاجرامي ،وهي ما اثبتت الايام فشلها وزيفها، والفرق بين الحصيلة الامنية للمملكة وبين غيرها من الدول هو الحَكَم والمعوّل.
ووجه معاليه من خلال اجابته رسالة اخرى لهذه المنظمة ومن تفاعل معها، بان التشريع الجنائي الاسلامي الذي قرر العقوبات الرادعة لحسم مادة الاجرام، هو الذي نهى عن التمثيل بالمجرم، أو حرقه، أو تأديبه في موضع التكريم، كضرب الوجه مثلا، وهو الذي شرع العفو وأجزل لصاحبه الاجر، وهذا مقصد كريم من مقاصد الشريعة العظيمة، لسل سخائم النفوس، ولتحصيل مزيد من الالفة، لكنه في المقابل اجاز العقاب بالمثل لمن لم يعفُ مع عدم الاعتداء بالزيادة، والعقاب بالمثل من العدل والانصاف، وفيه حصول التشفي للمظلوم من الظالم، كما فيه نصب الحاجز دون تكرار الجرم، كما أوجب علينا الشارع الحكيم اذا قتلنا ان نحسن القِتلَة، واذا ذبحنا ان نحسن الذِّبحة، حتى قال: والسياق في البهيمة العجماء وليحد احدكم شفرته وليرح ذبيحته.
لن تضيرنا الإدانات الظالمة!
وأبان معالي رئيس ديوان المظالم بالانابة ان النصوص في هذا كثيرة، معلومة منها قول الحق سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عُفيَ له من اخيه شيء فاتّباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم)، وقوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ومن قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطاناً فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا)، وقوله تعالى: (وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور), وقوله صلى الله عليه وسلم : (ان الله كتب الاحسان على كل شيء فاذا قتلتم فأحسنوا القِتلَة واذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته), والحديث في مسلم.
واستطرد معالي الشيخ المالك في السياق نفسه قائلا: هذا هو عدل الاسلام برحمته وحكمته، ولنا ان نرى ونعتبر بعد هذا في شنق المجرم وكتم انفاسه وتدليه بالحبال، او صعقه بالكهرباء، هل بعده من قسوة أو وحشية؟ ثم لنعتبر ايضا في واقع معيشة الضنك، وحال الاضطراب والانفلات الامني، والتفكك الاجتماعي لمن لم يقبل شرع الله فاستنكف واستكبر وجحد وتجبر، وفي هذا يقول الحق سبحانه (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى قال ربِ لمَ حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى) وقوله تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون)، فحصر سبحانه الامن لمن آمن به واتبع هدي شرعه المطهر، ولم يحدث في ايمانه ظلما وهو الشرك هنا، اما من عدا ذلك فلا امن له ولا طمأنينة، بل قلق دائم، ورهق مقيم، وترقب لا ينقطع للمخاطر والمحاذر.
وقال معاليه: ونخلص بعد هذا كله الى ان حكومة المملكة لن تضيرها بعون الله تلك الادانات الظالمة، ولن تحول دون عزمها على المضي في امر تراه من صميم معتقدها، ومن بقاء كيانها واستقراره، ويشكل لها صوت اكثر من مليار مسلم ستثير تقارير الادانة موجة سخطهم واستيائهم، ثم هل يخفى بعد هذا على تلك المنظمة السجل الحافل للمملكة في حقوق الانسان ومنظماته التابعة لهيئة الامم المتحدة، والتي تشمل الحضور والمشاركة الفاعلة في الطرح والنقاش، وابداء الرأي، وتقديم الدراسات والبحوث، وهو ما ثمّنه المجتمع الدولي للمملكة، حيث فازت مؤخرا بعضوية لجنة حقوق الانسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بهيئة الامم المتحدة، والفوز بهذه العضوية التابعة للمنظمة الدولية تظهر بحق المكانة المرموقة التي تحظى بها المملكة في المجتمع الدولي، تقديرا لدورها الريادي في هذا المجال، ومصداقيتها الاسلامية، وهذا يعكس التصور المنصف، والرأي المحايد لمنهج المملكة في مجال خدمة حقوق الانسان، والمستمدة من الشريعة الاسلامية التي تأخذ بها المملكة في جميع شؤونها.
الرد على الاتهامات المغرضة!
واكد معالي رئيس ديوان المظالم بالانابة في نفس السياق ان هذه النتيجة الايجابية تعتبر ردا على الاتهامات المغرضة، والادعاءات الظالمة غير المبررة التي تعرضت لها المملكة من قبل منظمة العفو وغيرها، مشيرا معاليه الى ان الشريعة الاسلامية التي كانت هدفا لتلك الحملة ارست مبادىء عظيمة شملت العالم اجمع بآداب واحكام لم تزدها القرون المتتالية الا رسوخا واعجابا بها، يشهد لذلك التنامي العظيم للاسلام، فقد انتشر ذلك الانتشار الواسع المدى في زمن قصير بعوامل اقتضتها حكمة الله، وأول هذه العوامل متانة أصوله، وسماحة شريعته، ووضاءة ما دعا إليه من أخلاق وآداب، فإذا صادفت الدعوة ذا فطرة سليمة وعقل راجح فنظر فيما يدعو إليه الدين من عقائد وأحكام وآداب، لم يلبث أن يتقبل دعوته ويصير إلى إيمان لا تزلزله عواصف التضليل، وقد جاء في خطاب العلاء الحضرمي عند دعوة المنذر بن ساوي ملك البحرين: هذا النبي الأمي الذي والله لا يستطيع ذو عقل أن يقول: ليت ما أمر به نهى عنه أو ما نهى عنه ليته أمر به أو ليته زاد في عفوه أو نقص من عقابه إذ كل ذلك منه على أمنية العقل وفكر أهل البصر ، فأجاب المنذر: قد نظرت في هذا الأمر الذي في يدي فوجدته للدنيا دون الآخرة ونظرت في دينكم فوجدته للآخرة والدنيا فما يمنعني من قبول دين فيه أمنية الحياة وراحة الموت .
وأفاد معالي الشيخ منصور المالك أن الحملة التي تُشن اليوم على التشريع الجنائي الإسلامي تنصب في مجملها على الحدود التي منها القطع وعلى عقوبة الجلد وهي تشريعات أنزلها الحكيم الخبير البصير بعباده، فقطع يد السارق روعي فيه حكم عظيمة، منها: التنكيل بالسارق وأخذ عضوه الآثم والاتعاظ به لزجر الغير عن عمله المشين، وكذا حد الحرابة وتزيد على السرقة بفظاعة الجرم، وترويع الآمنين وفي هذا أشد زاجر وأبلغ رادع عن كل ما يهدد كيان المجتمع الآمن، مبيناً معاليه أن الشريعة الإسلامية التي قررت هذه الحدود لا تطبقها إلا بشروط وضوابط دقيقة، فضلاً عن سقوطها بأدنى شبهة، فهي تتوقى وتتحفظ من أن يؤخذ عضو في هذا إلا بإقرار لا رجوع فيه، أو بينة لا يتطرق إليها احتمال.
التجارب واضحة للعيان
وأوضح معالي رئيس ديوان المظالم بالإنابة أن القياس الصحيح لكل عقوبة هو أثرها على نفسية المجرمين، والقضاء على الجريمة، فإذا لم يتحقق هذا الهدف فهي عقوبة فاشلة، والتجارب أمامنا واضحة وضوح الشمس، فحينما نعود إلى الله، ونحكم شرعه نعيش في أمن وأمان واستقرار واطمئنان، وتختفي الجريمة، ويكثر الإنتاج والعمل، وتزدهر دولة الإسلام، ونحن لا نحيل في هذا على أغوار التاريخ، بل على واقع ملموس في عصرنا الحاضر إلى دولة حملت لواء الشريعة وهي دولتنا المباركة.
وأضاف معاليه قائلاً: وفي هذا وصف عدد من كتاب التشريع الجنائي تجربة المملكة في تطبيق الشريعة، فذكروا أنها نجحت نجاحاً منقطع النظير في القضاء على الإجرام وحفظ الأمن والنظام، وأن الناس لا يزالون يذكرون كيف كان الأمن مختلاً في الحجاز حتى غدا مضرب المثل في كثرة الجرائم وشناعة الإجرام، وأن الدول كانت ترسل مع رعاياها من الحجاج قوات مسلحة لتأمين سلامتهم ولم تكن مع هذا قادرة على حفظ الأمن وسلامة الحجاج، نظراً لتطور أساليب الإجرام، وتعدد عصاباته حتى في ذلك الوقت ، وكانت قصص الإجرام، وفظائعه لا تكاد تصدق وظل حماة الأمن عاجزين عن حماية الجمهور، فكان الواحد منهم يكتب وصيته قبل سفره، ويحمل معه كفنه، حتى أذن الله بسلالة السلف الصالح الملك الراشد عبدالعزيز آل سعود يرحمه الله ، فدخل الحجاز، فأعمل عدل الشريعة المطهرة، ونصب قسطاسها المستقيم، فانقلبت الحال بين عشية وضحاها، وساد الأمن، وانتشرت الطمأنينة بين المقيمين والمسافرين، وانتهى عهد الخطف والنهب وقطع الطريق، وأصبحت الجرائم القديمة أخباراً تروى يظنها من لم يعاصرها من نسج الخيال وأساطيره، وبعد أن كان الأمن يعجز عن حفظه قوات عسكرية عظيمة من الداخل وقوات عسكرية من الخارج أصبح بحمد الله محفوظاً بعدد يسير من الأمن الداخلي، بل أصبح في واقع الأمر محفوظاً بصدى الأمن، وبركة الحكم المستمد من شرع الله المطهر، حتى أن الحاج ليفقد النقود ذوات العدد، فيعثر عليها مكانها كما هي لم تمسها يد معتد، فرفع الجميع أكف الضراعة للعلي القدير بأن يحفظ هذا الكيان الإسلامي، والقائمين عليه، وأن يجزل مثوبتهم، ويعلي درجتهم.
إجراء مسح للانضباط الأمني
ومضى معاليه في سياق إجابته لصحيفة الجزيرة قائلاً: إن تجربة المملكة لتطبيق الشريعة الكلية، وكفى بها دليلاً على أن النظام الجنائي في الشريعة الإسلامية يؤدي إلى قطع دابر الجريمة، وأنه النظام الذي لا يصلح العالم إلا به، وليت المتشدقين بالدفاع عن حقوق الإنسان يجرون مسحاً للانضباط الأمني، والتماسك الاجتماعي، والاستقرار السياسي على مستوى العالم بأسره، ليقفوا على الحقيقة التي تقيم عوج العالم، وتأخذ بناصيته نحو ذروة العدل والنبل، وتضمن له كرامته، وتوفر له أسباب سعادته على أساس من الحب والتراحم والسمع والطاعة لولاة الأمر، والنصح لهم في المنشط والمكره والعسر واليسر، بعيداً عن ضلالة الأحزاب والانتماءات والفرق والتكتلات، مما يشق عصا الطاعة، ويلهب الغوغاء والعامة، ويقلب الحال من استتباب واطراد إلى فوضى واضطراب، وحال العالم اليوم ناطق بهذا كله، هذه هي سياسة الشريعة وعدلها، فما من خير إلا دلت عليه، وما من شر إلا حذرت منه، قال تعالى (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين, يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)، وقال سبحانه (وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم, وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون, إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).
وأوضح معاليه أن شريعة الإسلام تسير في تحقيق العدالة في أصغر شؤون الأمة وأعظمها، وماكره الإسلام شيئاً كما كره الظلم والظالمين: (فويل للذين ظلموا من عذاب أليم)، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أن قال: (اتقوا الظلم فإنه ظلمات يوم القيامة)، بل إن الإسلام يقرر أن الظلم إذا فشا في أمة كان سبب هلاكها ودمارها: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا)، ويسمو الإسلام إلى ذروة الحق والنبل حين يحتم أن تنسحب هذه العدالة على غير المسلمين كما تجري على المسلمين، وفي الحديث :( ألا من ظلم معاهداً أو كلفه فوق طاقته وانتقصه أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فأنا حجيجه يوم القيامة)، ولا يقف عند هذا الحد، بل يأمر أن نقيم موازين القسط والعدالة بيننا وبين أعدائنا: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا أعدلوا هو أقرب للتقوى)، إنها شريعة الحق والعدل: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق)، وهذه هي أهم مبادىء رسالات الله إلى أهل الأرض :(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)، وفي هذ يذكر أهل العلم أن الله أرسل رسله، وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض، فإذا ظهرت أمارات الحق، وقامت أدلته بأي طريق، فذلك من شرع الله، ودينه، ورضاه، وأمره.
واستطرد معالي الشيخ منصور المالك في نفس الصدد يقول : وإذا تقرر هذا فإن بعض الدول غير الإسلامية عقلت بعض أسرار أحكام الشريعة، فقامت بتطبيق بعض العقوبات الشرعية، من ذلك عقوبة الجلد، فلمست من ذلك آثاراً ايجابية زادتها حماساً، ورغبة في المضي بتطبيقها، مؤكداً معاليه أن هذا اعتراف عام عالمي بأن عقوبة الجلد فيما شرعت له أفعل من أية عقوبة أخرى، وأنها هي الوحيدة التي تكفل حمل الناس على احترام النظام.
وأبان معالي رئيس ديوان المظالم بالإنابة أن السر في نجاح الشريعة هو في أن عقوباتها وضعت على أساس طبيعة الإنسان من لدن الحكيم الخبير بعباده، وطبيعة الإنسان تلازمه في الخير والشر، في الأعمال المباحة والأعمال المحرمة، فلا يرتكب الجريمة إلا لما ينتظره من منفعة، ولا ينتهي عنها إلا لما يخشاه من مضرة، فكلما انسجمت العقوبة مع طبيعة الجريمة ابتعد الناس عنها، وكلما انفكت أو تراخت زاد إقبالهم عليها، وكلما نظرنا إلى الجريمة دون المجرم آيس المجرم فلا يطمع في استعمال الرأفة، ونأى بجانبه عن الجريمة وسلك سبيل الاستقامة.
وقال معاليه: إن الحديث في هذا الأمر يطول وهو بحاجة إلى مزيد من البحث والدراسة، وقد يحسن لو تتبنى إحدى المؤسسات الأكاديمية متابعة الشبهات الوافدة، والحملات المغرضة عبر لجان متخصصة بهدف رصدها وتعقبها بالردود العلمية توحيداً للجهود، ولتنظر بالمستوى اللائق والمقبول، بحيث تتلاقى الخبرات، وتتضافر الدراسات، فيستطلع من خلالها معايير الخصم الفكرية والاجتماعية والسياسية والدينية، ومن ثم يكون الرد عبر وسائل الإعلام والاتصال الخارجية، ولا يخفى أن الإفاضة عبر الكتابات المحلية لها ايجابياتها وثمارها إلا أن غالب من تأثر بتلك الحملات قد لا يقف عليها، فلو تضاعف الجهد ثم سلط أكثر على الصعيد الخارجي لتحقق منه المقصود على أكمل وجه وأحسنه.
نقل الصورة المشرقة
وأضاف معالي الشيخ المالك في ذات السياق أنه يحسن أيضاً لو تبادر تلك اللجان بإصدار عدد من الكتابات والمتابعات بهدف نقل الصورة المشرقة والمشرفة لهذا البلد الكريم، بقيادته الحكيمة ومعتقده الصافي، فإن كثيراً ممن كان غرضاً لتلك الحملات المضللة تأثروا بأكاذيبها ومزاعمها، والإسلام منذ فجره حتى اليوم لا يزال أعداؤه في جهد جهيد للنيل منه، والحط من أهله :( لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيراً وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور)، وقد صادفت تلك الحملات المضللة والمزاعم الكاذبة هوى في نفوس البعض فلتقفها وصار صدى لها يدور في فلكها ويردد لغطها: (ولتصغى إليه أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة وليرضوه وليقترفوا ماهم مقترفون).
وأشار معاليه إلى أنه في هذا الصدد تفضل خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله لدى افتتاحه أعمال السنة الرابعة من الدورة الثانية لمجلس الشورى بحديث ضاف يعد بحق وثيقة تاريخية لفت فيه رعاه الله إلى ما يدور حولنا من استدراجات وغوايات تحسب أنها بما تقوله أو تردده من افتراءات واختلاقات تستطيع أن تمارس علينا نوعاً من الضغوط التي يمكنها في النهاية أن تحرفنا عن الطريق الذي اختاره لنا رب العزة والجلا، وهي تلوح مثلاً بموضوع حقوق الإنسان دون أن يكون لها اطلاع على حقيقة ما يجري في بلادنا، ودون أن يكون لها معرفة موضوعية بما تطرحه شريعتنا في هذا الخصوص من مبادئ سامية نحن نعتقد أنه لا يضاهيها ولا يجاريها في هذا المضمار أو غيره أي مبادئ أخرى، ويكفي أن تلك المبادئ تستمد أسسها من الوحي الإلهي الكريم، ومن سنة المصطفى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، الذي لا ينطق عن الهوى، وتابع أجزل الله مثوبته أننا من جهتنا نقف أحياناً موقف اللوم والتعجب لما يجري للإنسان ولحقوقه في مجتمعات أخرى تنتمي لحضارات غير حضارتنا سواء فيما يتعلق بأوضاع المرأة وما تتعرض له من ابتذالات فرضتها فلسفة الاستهلاك وواقعه، أو فيما يتعرض له الأطفال في أسواق العمل وسطوة المادة المتحكمة في كل شيء إلى آخر ما جاء في هذه الكلمة الوافية والشاملة.
|
|
|
|
|