أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 26th June,2000العدد:10133الطبعةالاولـيالأثنين 24 ,ربيع الاول 1421

منوعـات

يارا
بطولة الأشياء المهجورة
عبدالله بن بخيت
رغم غياب الميمون كشخصية مركزية عن التأثير في مجريات النص فإن الانسان يظل اساسيا في كتاب الحصاد الذي صدر مؤخراً للكاتب المعروف سليمان الحماد, يمثل الجزء الثاني الذي بين ايدينا ثمرة جهد كبير في محاولة مضنية من المؤلف لتأسيس الكتابة التي تعتمد السيرة والتاريخ المنسحب من الذاكرة بسرعة كبيرة, أو أنها محاولة لايقاف ذلك الانسحاب المحزن لكل شيء يتعلق بالماضي في منطقة نجد, منذ اللحظة التي ينفتح فيها النص على عالم الضفادع التي تنق على حافة البركة كما لو كانت أرضية للنص وحتى بلوغ النص نهايته مذعنا لهيبة الجمال الانساني الاسطوري الذي مثلته غادة، تلاحقك التفاصيل الدقيقة التي يسردها الكتاب امامك وكأنك تقوم بجولة شخصية على طبيعة الحياة في نجد قبل عقود من الزمان بصحبة رجال يعيشون تلك الحياة بتفاصيلها اليومية, فتتحول كل الاشياء المنقرضة بطلا اسطوريا يحل محل الانسان في النص بسهولة, لذا لم نكن في حاجة قصوى للميمون أو غيره ممن يعيشون في داخل النص لكي نبحث من خلالهم عن احداث تكمل العمل الروائي وتمنحه قيمة فنية.
فصول الكتاب لم تأخذ عناوينها من المواقف او من اي احداث او من الشخصيات, كل هذا قد تراجع أمام زخم الأشياء التي تتابع في النص فكل فصل من فصول الكتاب هو في الواقع مشهد تتحرك فيه الجمادات, وكأن لها روحها الخاصة التي تضمرها في داخلها منتزعة من تجارب الناس الذين اوجدوها وأثرت فيهم, لك أن تتصور ان الكتاب عرض سينمائي وثائقي لمجاهل مهجورة لا يعرف لها أحداث, فنحن بصدد كتاب يشبه الى حد كبير عملية التنقيب في الاحافير الانسانية فسيرة الميمون لا تأتي في إطار صراع او قصة تتنامى وانما هي في الواقع مجموعة من الاحداث الصغيرة وضعت بشكل متعمد حتى تعطي صورة الحياة الميتة المنقرضة التي يحفر فيها المؤلف وكأنه ينقب بين انقاض لم يبق منها سوى اسمائها, يذكرني سرد هذه الأشياء وبهذه الطريقة بمدينة بومباي الايطالية التي داهمها البركان وهي في أوج نشاط سكانها وبعد مئات السنين وجد الباحثون كل شيء في مكانه كما كان, وكأن أهلها لم يموتوا إلا قبل قليل, شكل فني انتزع من الواقع الذي عاشته تلك الاشياء سواء في الذاكرة او في الواقع, وهذه الاشياء هي حياة الناس تتحول إلى كلمات حيوية متحركة في كل مشهد تقرأه, فالأشياء في الحصاد تتحدث وتغرس وجودها وحضورها في داخل المشهد وتشعر بوجودها المستقل عن الانسان كما أراد أن يفعل كاتب فرنسي يدعى (ألان روب جرييه) قبل أكثر من نصف قرن.
هذه الرواية يمكن ان تكون الاولى من نوعها والاولى في طبيعة موضوعها فهي تحاول ان تعالج فترة تعتبر شبه ميتة من الصعب السيطرة على موضوعها ومسارات الاحداث فيها لذا أعتقد أنها ستسهم في يوم من الايام بدور مرجعي عظيم لاعمال كبيرة ستكتب في المستقبل.
كتاب يجمع بين المتعة الفنية وبين المرجع المعجمي لكثير من الكلمات والمصطلحات السائدة قبل عشرات السنين في منطقة نجد, كما يعكس اسلوب عرضه واللغة الموحية المنتقاة في كتابته الحياة التي كان يعيشها الناس، تلك الحياة التي تقع دائما بين الفقر وصعوبة العيش وبين البساطة والحب، خصوصا إذا تسنى لنا ان نلمس التعاطف الكبير من الراوي وانحيازه المبطن مع الذين عاشوا في تلك الفترة.
كتاب تأسيسي متعدد الأغراض يقرأ على عدة مستويات بدءا من القارىء البسيط الذي يبحث عن المتعة وحتى عالم الاجتماع الباحث عن المعلومة.
ملاحظة:
(لم يصدر الجزء الأول بعد في كتاب).
لمراسلة الكاتب:Yara4Me@Yahoo. Com

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved