أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 26th June,2000العدد:10133الطبعةالاولـيالأثنين 24 ,ربيع الاول 1421

محليــات

الجزيرة تكشف سر البائع الملثم وتقف على عودة الابن لأبيه
مواقف وطرائف بعد تطبيق سعودة أسواق الخضار,.
*حائل: عبدالعزيز العيادة
معايشة جديده ومختلفة إلى ما وراء سوق الخضار وإلى اعماق (العيب الاجتماعي) واسلوب المعالجة التي تمت في بعض البيوت ونواحي الفشل في الاخرى!! من خلال اختصاصيين اجتماعيين ونفسيين وكذلك آراء المحيطين والمعايشين لهذا الواقع بالاضافة الى اقتصاديين تكلموا بلغة الارقام!
كيف يفكر هؤلاء (الباعة)؟ كيف ينظر لهم المجتمع من حولهم ماهو مستقبلهم وتأثير العمل؟ المتواصل عليهم صحياً؟ وماهو رأي الطب في هذا العمل؟ وبعض التصرفات الخاطئة واهمية تأهيل الحمالين وتدريبهم عضلياً وكم من شاب سعودي متحمس اصيب خلال الفترة الماضية بتمزق في عضلات الظهر وجملة من الموضوعات الشيقة والمهمة والمثيرة في نفس الوقت نتناولها في هذا التحقيق الذي ركزنا خلاله على الاستفادة من واقع تجربة تطبيق سعودة الخضار بشكل كلي بالاضافة الى آراء المتخصصين فإليكم ماجمعنا:
عودة بعد الجفاء
طردني أبي قبل سنوات,, هكذا بدأ في الحديث (محمد الشمري) بعد ان ساءت العلاقة بينه وبيني بسبب تركي للدراسة نهائياً بعد ان تعب معي وتعبت مع الدراسة,, وعشت (شبه مشرد) بين أقاربي لسنوات طويلة لم اذق فيها طعم الراحة مطلقاً رغم مساعدة بعض اقاربي فقد عملت في كل شيء ولم افكر في سوق الخضار إلا بعد تطبيق قرار السعودة الجزئي والكلي واخيراً وجدت لقمة العيش الهنيئة ووجدت نفسي بعدما كونت (زبائني الخاصين) واصبح لي مكانة في السوق الذي احببته من اعماقي خصوصاً وقد التقيت بأبي فيه وعانقني مفتخراً فما كان مني إلا ان انخرطت بالبكاء ووقعت بين مشاعر ابوية ساخنه ضمتني في اعماقها وذهبت لعائلتي بعد سنوات الجفاء الطويلة!!
أعمل ملثماً:
وقال (س,ع) انني ما زلت اعمل في سوق الخضار ملثماً لا يعرفني احد وخصوصاً اذا اقترب لي من غير ان يدري احد اقاربي,, لا اخفيك انني مؤمن بأن عملي هذا شريف ومربح ولكني حقيقة لم اكن اتخيل نفسي بائع خضار في يوم من الايام كنت احلم بأن اكون طبيباً اومهندساً اوحتى مدرساً او موظفاً ورغم كل ذلك تجاوزت كل احلامي ودست على كل آلامي ولكن ما زلت عاجزاً عن مواجهة نفسي والناس بهذه الحقيقة الواقعية التي أعيشها الآن وقد يكون مرد ذلك لابتعاد اهلي واخواني مني وعدم اهتمام الناس من حولي بتفاصيل حياتي ولكن الاهم انني ما زلت احمل علامات استفهام كثيرة حول ما أعايشه حالياً والى متى تبقى الحال على ما هي عليه؟! واكثر ما اخشاه فعلاً سؤال بريء من اهل زوجة المستقبل ماذا اعمل؟ والذي اخشى انني في حينه اذا استمر الوضع هكذا سوف اكذب!!
سأتعود على المهنة
شاب لم يتروض بعد على هذه المهنة ويؤكد انه لا بد ان يتعلم اشياء كثيرة ويعتقد طلال العبدالله الآن ان وجوده في سوق الخضار مثل عدمه وقال لا يكفي ان اهلي اجبروني على هذا (المبسط) في هذا السوق لكي اكون بائعاً ماهراً استطيع تحمل المسئولية والكسب الحلال الاهم ان يكون انا لدي الرغبة في العمل وهذا للاسف ليس موجوداً لدي الآن على الاقل بل انني افضل الجوع على العمل هنا!! ويستطرد بتفاعل,, لا تسألني لماذا لاتُذهل!! فكما انت تحب اشياء وتكره اشياء كالآخرين فانا ايضاً اكره وجودي كبائع ولكن ماذا افعل بالذين يحاصرونني من اجل العمل في هذا السوق بل ان ابي قال انني اذا تركت السوق فإنه لن يرضى عني ابداً!! ولن اغضب والدي فهو كما اعرفه حكيم وربما يريدني أن اتعلم اشياء جميلة في حياتي,, وما علي الا الصبر والنجاح من عند الله,, واعترف طلال ان الاجبار هذا جعله احياناً يتصرف بعبث فوضوي خاطىء برمي بعض الطماطم بطريقة ساخرة على زملائه خلف دافع استهتاري ليحقق ذاته في شيء آخر غير البيع والشراء!!
بين الطيبة والاستغلال
واستوقني على حين غرة (ابو عادل) وبادرني بسؤال استفزازي: أين نقودي,, طولت الغيبة؟ فالتفت إليه!,, فتفاجأ انني لست من يريد فقال: عفواً انني قد جننت في هذا السوق على ما يبدو (وبعد التعارف بيننا) ذكر قصته قائلاً: انا لا أصلح لأي شيء,, لا حظ ولا مال وفير ولا اي ميزه!! واستطرد قائلاً: ما فائدة ان لي رغبة بالعمل واعشقه وابذل قصارى جهدي وبالاخير لا اجني سوى التعب اما السبب فيتلخص بعدة اشياء أهمها انني اخجل من طلب النقود عندما اعطي انساناً البضاعة والثاني انني (اقسم الايمان بالله العظيم) وارفض استلام قيمة البضاعة إذا كان المشتري من اقاربي او احد معارفي بالحارة!! والثالثة انني حسن النية بالجميع والكثير ممن لا اعرفهم اشتروا مني بضاعة ولم يعودوا للتسديد حتى الآن رغم انهم طلبوا مهلة عدة ايام فقط,واضاف ابو عادل مؤكداً ان منزله يشكو من نواقص لا يستطيع توفيرها بسبب عدم كسبه في هذا العمل رغم اجتهاده من الصباح الى الليل ولكنه قبل ان نمضي من عنده (حلف) واصر على ان نحمل الخضار والفواكه (مجاناً) معنا كهدية مجانية (وابو طبيع لايمكن يغير طبعه)!!
الإعداد النفسي
وتحدث ابو عبدالله الشمري مشيراً إلى أن ابنه عبدالله كان متردداً في البداية للدخول في تجربة البيع والشراء في سوق الخضار لولا انه وقف بجانبه وجلس معه عدة مرات في (المبسط) وحاول معالجة السلبيات التي تطرأ عليه خلال الايام الاولى في هذه التجربة بل ان ابنه قد هرب ليومين متتاليين ولم يره ومع هذا قام بعملية البيع في هذين اليومين وفي اليوم الثالث جاء الابن برفقة ابن عمه الآخر الذي اقتنع معه بالعمل الشريف في سوق الخضار وقال ابو عبدالله ومع ذلك ما زلت ملاصقاً لابني نفسياً وقريبا له متى ما احتاجني ساكون حاضراً وشدد ابو عبدالله ان سن الشباب من اخطر الاوقات في عمر اي رجل ومهام البيع والشراء مسئولية كبيرة والنجاح بها يحتاج لمضاعفة الجهود والاعداد النفسي العائلي الجيد ليتمكن ابناؤنا من المساهمة في توفير لقمة العيش لهم ولعائلتهم بإذن الله وليكونوا فاعلين في خدمة وطنهم.
لا زواج مع الخضار!!
شاب نحتفظ باسمه قال: بعد ان انهيت الثانوية العامة قسم علمي وبعد سنتين (دبلوم) وشهادة كمبيوتر وكذلك لغة انجليزية خطبت فتاة من اقاربنا ووافقوا وقالوا الزواج بعد الوظيفة ومرت السنوات ولكن الوظيفة لم تأت وفتحت الفرصة امامنا في سوق الخضار,, وبكل حماس عملت بكل جد واصبحت النقود في يدي كثيرة وتقدمت للزواج خصوصاً وانا من عائلة مقتدرة ولله الحمد ولكنني تفاجأت برفض اهل البنت وقالوا لن (نبهذل) بنتنا معك في هذا العمل الشاق من الصباح الى المساء ونحن وافقنا لك عندما كنت تبحث عن وظيفة اما الآن فلا؟!!
تلك القصة تشابهت مع قصة مؤهلات الشمري الذي يعمل في سوق الخضار بنفس المؤهلات ولكنه دون تلك القصة الحزينة فالشمري قال لنا انه لن يتوظف في اي وظيفة اخرى سوى سوق الخضار رغم كل شهاداته الموجودة لديه وقال: وجدت نفسي وتجاوزت مسألة العيب الاجتماعي وكل القيود السابقة واصبحت افكر بشكل سليم وأهلاً ببنت الحلال التي تتفهم ظروفي ولا للكسل والخمول!!
الإهانة من الزبائن
يتحدث محمد الجبر واصفاً بعض الزبائن بأنهم (متغطرسون) وانهم قد يهدمون جهودا مضاعفة تمت من عدة جهات من اجل نجاح السعودي في البيع والشراء في سوق الخضار ويستطرد الجبر مؤكداً أن البعض يحاول استفزاز البائع بأي شيء يضايقه والبعض للاسف لديه عقده داخلية واحساس بالتعالي ويريد البائع ان يقبل رجليه من اجل ان يمنحه (طفسه) بعض المال بعد ان يأخذ كل مايحتاجه من الخضار ويؤكد انهم في تناقص مستمر لانهم بدأوا يتفهمون وضعنا، ثم يقول الجبر حتى اصحاب الثلاجات الكبيرة بعضهم لا يريد ان يتعامل مع السعودية مطلقاً احساساً منهم بأنه هو السبب وراء منع الاجنبي الذي كان يقوم بالتحميل عنهم سابقاً ووقعوا الآن في هذه المشكلة واصبحوا يحملون وينزلون!!
وقال الجبر (هوامير السوق) او (حيتان السوق) خطر على (الاسماك الصغيرة) ولازال خطرهم قائما ولكن جهود الدولة رعاها الله بالمرصاد!!
ومع هذا نجد ان بعض الشباب ينصدم في هذا الواقع التنافسي الصعب فيضطر إلى الانسحاب وبعضهم ليس مهيأ تماماً وبعضهم يستمر وسط انكسارات متعدده وبلافائدة وآخرون يستمرون بقوة ويفهمون اللعبة وينجحون وهذه الفئة المستهدفة والتي لا بد من مساعدتها!!
انعكاسات سلبية
اكد الاختصاصي الاجتماعي نايف العبدالله ان تجاوز الكثير من عقبات العادات والتقاليد في المجتمع يخضع لمدى جدية المجتمع نفسه بالتخلص من سلبياته واضاف ان الوقوف امام الشباب بعبارة (عيب) فهذا لم يكن موجوداً من قبل وهو قتل لكل طموح مشروع، وتطرق لاهمية تهيئة العاملين في سوق الخضار قبل البدء في العمل وخلاله وطالب الجهات المعنية بإقامة المحاضرات والندوات اللازمة للبائعين في السوق وكذلك في المدارس وفي بعض الاحياء وحتى في المساجد بعد كل صلاة لتحفيز الشباب ومعالجة السلبيات ان وجدت وقال المختص الاجتماعي لم أر مطبوعة متخصصة في هذا المجال ولم اتابع إلا الاهتمام من الجزيرة لهذا الموضوع الهام، وقال ايضاً لا بد ان تختلف نظرة المجتمع للشباب فالامس يختلف عن اليوم والأهم ان نشجع الشباب المنتجين بصرف النظر عن نوعية انتاجهم حتى يصبح وطننا عنوانا للتقدم الدائم ان شاء الله.
العلاج النفسي
فيما حذر الدكتور النفسي مصطفى عبده من العواقب السيئة على نفسية الشاب اذا ما احس بالفشل بعد هذه التجربة خصوصاً وأنه قبل بها رغم عدم قناعته الكاملة ورغم نظرات الآخرين من حوله ورغم انتظاره الطويل سابقاً وانتظاراً لهذه الفرصة وغيرها وكذلك محاربته لرغبته بأن يكون طياراً أو مهندساً واستبدالها ببائع خضار بعد كل ذلك، وقال الدكتور مصطفى هناك حالات نفسية تبدأ بسيطة ولكنها تتعاظم اذا لم يتم العلاج المناسب لها احياناً تبدأ بكراهية الشاب لذات السوق ومحاولته الهروب عنه رغم اندفاعه في البداية وهذا يتطلب زيارته للطبيب ومعرفة كل الظروف المحيطة بالحالة على ان من المؤكد ان مثل هذه الحالات نادرة خاصة في عصرنا الحاضر كون شبابنا بات على علم ودراية بما يدور حوله واصبح ناضجاً متعلماً متفهماً لواقعه، ويدرك مدى خطورة الانقياد والانسياق لبعض المفاهيم القديمة البالية التي بدأت تندثر.
التحميل والتمزق
واوضح الدكتور احمد علي اختصاصي العلاج الطبيعي ان لديه الآن اكثر من مريض يراجعونه يشكون من تمزق في عضلات الظهر بسبب العمل الزائد والتحميل بطريقة خاطئة اثناء العمل في سوق الخضار وقال ان طريقة التحميل والتنزيل الصحيح مهمة جداً حتى لا يتعرض اي شخص لآلام في الظهر بالاضافة الى ممارسة التمرينات لتقوية الجسم لتحمل الاعمال الشاقة والانتباه إلى عدم تحميل الجسم فوق طاقته خصوصاً عند تفريغ الشاحنات الكبيرة ولا بد من موازنة بين كميات البضاعة وعدد الذين يقومون بعملية التحميل والتنزيل وقال الدكتور احمد اكثر الذين راجعونا خلال الايام الماضية من متوسطي العمر وكذلك من الشباب وتفاوتت اسباب تعرضهم للاصابات ولكن حماس البعض عرضهم للاجهاد العضلي وآخرون لم يمارسوا العمل من وقت طويل وحملوا عضلاتهم فجأة فوق طاقتها فتعرضوا للاصابة وحث الدكتور احمد جميع العاملين في الاعمال التي تحتاج لقوة عضلية بممارسة الرياضة لانها سوف تقيهم باذن الله من الاصابات.
المكاسب المادية محفزة
بينما اشار احمد العنزي احد الاقتصاديين إلى ان الارباح المتوقعة للعاملين بسوق الخضار سوف تساعد على معالجة السلبيات الناشئة من العادات والتقاليد الاجتماعية السابقة ونظرة البعض للبائعين بأنهم طبقة اقل حيث أشار إلى ان معدل دخل البائع سيتراوح مابين (5000) الى (14الف ريال) شهرياً حسب جهد كل بائع وهذا دخل جيد في هذا الوقت بالذات وهذا سيجعل النظرة الاجتماعية تتغير تدريجياً لصالح هؤلاء الشباب العاملين في هذا السوق وبالتالي انحسار النظرة الضيقه سابقاً خصوصاً اذا تبعتها تحركات تجارية ناجحة من هؤلاء بعد كسب الارباح والتوسع بما يكفل استمرارهم واتساع تجارتهم وارباحها وهذا يتطلب ايضاً عمل محاضرات وندوات من قبل الغرفة التجارية الصناعية وتوزيع النشرات التوجيهية والارشادية اللازمة لان نجاح هؤلاء الشباب سيعود على اقتصاد الوطن بمزيد من الفائدة وستبقى المليارات التي كانت تخرج خارج الوطن في ايدي ابنائنا داخله مما يعني مزيدا من القوة الاقتصادية للوطن باذن الله,,
الخاتمة
بقدر تفاؤلنا بالنجاح المنتظر لهؤلاء الشباب بقدر ما لمسنا مدى المعاناة التي يعايشونها يومياً من الصباح إلى المساء بشكل متواصل مما يعني ابتعادهم جزئياً عن مشاركة المجتمع من حولهم مناسباته وهذا يتطلب وضع ضوابط وتعليمات جديدة ونظام يكفل لهؤلاء العمل بشكل ملائم ويحقق لهم الدخل المطلوب كذلك من المهم الوقوف امام الحالات الانسانية واستثناؤها من القرارات الصارمة مثل (المعاقين) الذين كانوا يحترقون من الداخل وهم يقفون مكتوفي الايدي بعد منع عمالتهم من الدخول للسوق خصوصاً وان البعض منهم متزوجون ولديهم عوائل وليس لهم دخل إلا من خلال هذا العمل الشريف ولا يستطيعون بسبب الاعاقة التحميل والتنزيل ابداً!!
بقي ان نؤكد ان الموازنة مطلوبة من العاملين في السوق ومن الذين من حولهم ومن الجهات الاخرى المختصة بمتابعة هؤلاء لكي نستطيع ان نوجد سوقاً سعودياً للخضار 100% من البذرة الاولى وحتى آخر ثمرة وهذا لن يتم إلا اذا تفاعل المجتمع بجميع طبقاته وتنازل عن كل قناعاته السابقة وتجاوب مع هذا المشروع الوطني الهام بكل فاعلية ودعم استمراره ونجاحه!!


أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved