أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 26th June,2000العدد:10133الطبعةالاولـيالأثنين 24 ,ربيع الاول 1421

محليــات

لما هو آت
اليوم معكم
د, خيرية إبراهيم السقاف
*** هذه سَلّة الياسمين,.
تفوح بصمتٍ، ولكنها تتكلم,.
تبوح بصمتٍ، ولكنها لا تقول,.
تتكلم لمن يلتقط من رائحة الياسمين الكلام,.
وتبوح بصمتٍ، ولا تقول لمن لا يُحسِنُ قراءة الرائحة,.
كل شيء ينطق حتى المُعَبِّر بصمت
فكم من الذين يقرأون لغات كل الأشياء المعبِّرة؟!
*** يا رب,.
امنح الإنسان القدرة على قراءة اللغات كي يكتمل له وعي اليقظة,.
ذلك لأن الإنسان فقيرٌ إلى الأشياء الصغيرة الصغيرة,, تلك التي تكمن فيها أسرار الإحساس الجميل.
,,, هذا لكم منِّي,,، أما ما هو لي منكم، فأقول:
*** هيفاء الناصر الفيصل في الاثنين الماضي، ومن شرفة هذا اللقاء المينائي ترسو فوقه سفنكم,, كي نبحر معاً,, أطلقت موجات من التساؤلات,,، كان كلُّ سؤال يحمل زخماً من القلق,,، لا يجعل شارةَ البوصلة عند شارفة القافلة مستقرةً,, هي تبحث عن إجاباتٍ تهدِّئ هذه الشارة كي يبدأ القبطان صافرة الإيذان بتحرُّك المراكب,.
وعَدتُها الإجابة عن أسئلتها، وحمَّلتُ نفسي رهق الإعسار، لكنني شَحَنتُ نفسي بأمل التوفيق في أن نصل معاً إلى حلولٍ توفيقية، أقرب لأن تكون لها منافذ,.
*** سؤالها الأول كيف أحقق الثقة في نفسي ولا أخشى الإقبال على الحياة ومن فيها؟!
*** ولعلَّ النفسَ يا هيفاء لا تستوي لها سكينتها إلا بالثقة، وعندي أن الثقة هي قناعة أساسٍ بما وهبه الله تعالى لكِ في كل ما يُمثل هذه النفس، بدءاً بالهيكل الخارجي الذي يحمل دخيلتكِ بما فيها من عقلٍ وقلبٍ ووجدانٍ وجوارح,,، ثم تتخطين هذه القناعة إلى طموح في جعل هذا الكيان في أسمى وأبهى صوره اكتساباً يعزز ما منحك الله,, فتسعين إلى علمٍ واسعٍ نافعٍ، وإلى ثقافةٍ لا تحدُّها أُطُرٌ، وفي خلال ذلك توظفين قدراتكِ ومشاعركِ وكل ما يخرج عن هذا الكيان الذي هو أنتِ من أجل أن تكوني راضيةً بين الناس عنكِ من خلال تعاملكِ وسلوككِ مع هؤلاء الخارجين عنكِ, وحين تتحقق لكِ المكانة المُرضية بخلقكِ وعملكِ ووعيكِ ووزنكِ العلمي والثقافي والعطائي تتحقق لكِ ثقةٌ موزونةٌ لا إفراط فيها فتتكبَّرِين أو تغتَرِّين ولا تفريط فيها فتبهتين وتتذبذبين, الثقة في النفس هي إيمانٌ مطلقٌ بقيَم ما منحك الله تعالى وبقيَم ما عملتِ لهذه النفس.
*** السؤال الثاني: كيف يمكنني أن أعبِّرَ عن رأيي دون وجلٍ من أن أحداً لن يستقبله بما لا أحبُّ؟
*** حين تتكون لكِ الثقة في نفسكِ، ويغدو لكيانكِ اعتبارُه عندكِ وعند الآخرين، سوف يكون الدَربُ متّسعاً لكِ وواضحاً، إذ ستدركين متى تقولين، ولمن تعبِّرِين، وكيف تُبدين رأيكِ!
إن العرب يا هيفاء وُسِموا بالفطنة، لذلك قالوا: إن لكل مجلسٍ جليساً، ولكل حدثٍ حديثاً، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: خاطبوا الناس على قدر عقولهم , والرأي لا يُبدَى إلا عند من يُقدِّره, أما إن كنتِ تقصدين ما يتمُّ من اختلافٍ في وجهات النظر داخل الأسرة فتتلقين نقداً لاذعاً أو قولاً جارحاً من أخٍ أصغر أو أكبر، أو أختٍ أو أمٍّ,, أو حتى زميلة في المدرسة أو مُدرِّسة أو صديقة، فإن أسلوب عرض الرأي يحتاج منكِ إلى حكمةٍ وأسلوبٍ لن يصعب على مثلكِ معرفته واستخدامه.
*** وسؤالها الثالث يقول كيف أكشف عمَّا يدور في مخيلتي من أفكارٍ ولا أتوقع نبذي إلى حظيرة الجاهلين والجاهلات؟
*** وما يدور في مخيلة الإنسان من أفكارٍ يا هيفاء هي إما موافقةٌ أو رفضٌ لما في محيطه من سلوك أو مواقف، أو أعمال، فإن كانت حسنةً يؤيدها ولا يلقى بتأييدها إلا الشُّكر، وإن كانت سيئةً يرفضها مع اقتراحِ أساليبَ لعلاجها وفي ذلك يتقبّل من يؤيده بمثل ما يتقبّل من يعارضه، وإما أن يكون ما يدور في مخيلة الإنسان أفكارٌ ذات طابع طموح وأمانٍ وعند التعبير عنها يختلف من يتلقاها في موقفه باختلاف حجم وعيه، وتوجُّهِه الفكري وقيمه الذاتية التي يبني عليها موقفه من تلك الأفكار، إذ هو يضعها على محكِّ معاييره الخاصة,
هناك يا هيفاء معايير عامة اتّفق عليها الناس، وهناك معايير خاصة تميّزَ بها الناس, ومن يعبِّر عمّا يدور في خلده هو يفسح بذلك عن الكشف عن مكنونه، وطالما فعل ذلك فلا بُدَّ أن يكون رحب الصدر في تقبُّل تفاوت استقبال الآخر لما أفضى به لهم, ولاحظي أن كلَّ المعبِّرين كُتّاباً كانوا أم رسّامين أو شعراء أو موسيقيين، أو نُقّاداً أو باحثين أو حتى خطباء، يواجهون من تفاوت ميزان الرضا في قبول أو رفض ما يقولون,, ويصمدون دون أن يحبطوا عند رفض ما عَبَّروا به عن مكنونهم.
*** السؤال الرابع والخامس: كيف أشعر أنني شخص مرغوبٌ فيه في مجتمعٍ ينظر إليّ ضمن منظار محدودٍ قاتم؟ وكيف أكون ذات رأيٍّ يُعتَدُّ به إذا كانت مجالات السماع لي والتعامل معي مغلقةً في البيت والمدرسة؟
*** إن كنتِ تقصدين بالمجتمع بيئتكِ الخاصة في المنزل، فإن صبركِ وحلمكِ ومحاولة إفشاء روح الحوار، والتجاوز عن أيِّ تعليق لا يُرضيكِ، والتقرُّب إلى وجهات نظر أفراد أسرتكِ، يساعدكِ على كسب ثقتهم وبذلك سيكون لك رأيكِ الذي يعتَدُّون به,, قال تعالى: ,, وقولوا للناس حُسناً,, (83 البقرة) و,, وجادلهم بالتي هي أحسن,, (125 النحل),,، و ,, ولو كنتَ فظّاً غليظ القلب لانفضوا من حولك (159 آل عمران)، فلا يمكن أن تكوني منبوذةً أو يُنظر إليكِ عبر منظارٍ قاتمٍ وأنتِ ليِّنةٌ هيِّنة لطيفةٌ ودودةٌ تحسنين التخاطب باللين والحسنى,,,، وهو السبيل إلى فتح مجالات السماع لكِ والتفاعل مع ما تقولين.
*** أما سؤالكِ كيف تتّقين السخط إذا ما حاولت تغيير شيءٍ من عادات المنزل وأولها إثبات وجودكِ أسوةً بأخيكِ، فإن ذلك يتمُّ بالأسلوب السابق نفسه إذ لا تزال غالبية الأسر تمارس ضغوط الموروث بإباحة كلِّ شيءٍ للولد على الرغم من أن الوعي قد انتشر وأن تربية الولد ضمن الضوابط الشرعية واجبةٌ ولا فرقَ بين الذكر والأنثى في كل ما وجَّه إليه الشرع من أسس التربية العَقَدية والسلوكية والخُلُقية، والأيام كفيلة بذلك يا هيفاء.
أما جديلتكِ فدَعِيها تنامُ فوق كتفكِ، إنك ذات لحظةٍ ستدركين أنها شيءٌ ثمين لا تفرِّطين فيه دون أن تُقحمي نفسكِ في مواقف تحدٍّ لا يذهب ضحيّتها إلا جديلةٌ جميلةٌ هي جزءٌ منكِ,, ستدركين أن أحداً لن يستطيع قصَّها حين لا تريدين يا هيفاء!, إن كنتِ ترمزين لشيء ما بهذه الجديلة.
*** وأخيراً: لضيق المكان، ولتراكم رسائل العزيزات والأعزاء ممن يريدون مناقشة تفاصيل رسائلهم آمل أن أكون قد أوفيت لكِ يا هيفاء,, وتكونين قد تأكدتِ بأن ليس كلُّ الأبواب موصدةً أمامكِ، وأن ليس كلُّ الناس لا تسمعكِ، وأنّ هناك من يرى في أسئلتكِ شخصيةً تنمُّ عن ذهنٍ وقّاد ذات طموحٍ كبير وهي إيذانٌ بولادة شخصيةٍ جميلةٍ سيكون لها شأنها في الحياة هي أنتِ بإذن الله.
عنوان المراسلة: الرياض 11683 ص ب 93855

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved