أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 25th June,2000العدد:10132الطبعةالاولـيالأحد 23 ,ربيع الاول 1421

محليــات

لما هو آتٍ
د,خيرية إبراهيم السقاف
النقطة الفاصلة بين الدفتين
الحريصون كُثُر,.
والحرص على الشيء يقصد إلى ثبوته، وبقائه، وتأكيده,.
المناقش الذي يحتدُّ عند رأيه كي يثبِّتهُ ويقرُّه,, يرفض ما عداه,.
وذو الموقف الذي يحرص على ألَّا يَحيدَ عن موقفه، يُقرُّه، ويؤكد ثقته فيه,,، وكلُّ ذي موقفٍ يحرص على ألَّا يَحيدَ عنه إنما هو حريصٌ على ما يُمثِّله وحده، ويعزِّز رأيه وحده،
فالحرص أُحاديَّةٌ في الموقف، وفي الرأي,.
وهو إلغاءٌ لما سواه,.
تعطيلٌ لرأي الآخر، أو لموقفه، أو لوجهة نظره,.
فالحرص من حيث يثَبِّت صاحبَه من جهة، يزعزع الآخرَ من جهة أخرى,.
وعند الحرص تختلطُ الأمور:
هناك أصواتٌ تتعالى حين النقاش,, كلُّ طرف يحرص على إثبات موقفه,.
وقد تصل الأصوات إلى حربٍ لسانية، أو يدوية,, أو تراشق سخرية بالنظرات والهمهمات!!
هناك قد لا توجد أصواتٌ وإنما أفعال خفية، يعمل صاحب الرأي الحريص على موقفه أن يؤكِّده بكل فعل خفي كي يطيح بالآخر,.
هناك فناءٌ سالب يؤدي إليه الحرص ,, وينفذه الحريصون,.
فالحرص ليس من الصفات الحسنة,, إنه مذمة,, في أوجهه الغالبة,.
ذلك لأن الحريص دوماً فاقد,, لا تكتمل له فرحة، ولا يستوي له جمع يفرُّ منه الآخر فرار السليم من المجذوم,.
ذلك لأنه يصادره,.
يلغي وجوده,.
حتى الحريص على المادة، من حيث يبني رصيده الخفي، يفقد تمثُّلَه بين من حوله فلا يشارك، ولا يواسي، ولا يتكافل، ولا يبر,, فيتحول إلى بخيل والبخل مذمة,,
قد يكون للحرص وجه واحدٌ وضيءٌ,.
حين يكون صاحبه على حق في موقف أو قول أو فعل,, أو رأي,.
لكن في هذا يكون له ما يبرر حرصه فيجذب إلى كفته وجانبه الآخرَ,, ذلك لأن الحق يجذب ولا يُبعد,, والإنسان بفطرته إن فُتح له انجذب إلى جانب الحق,.
الحرص واحد من ضمن عشرات من الأمراض الباطنية في الإنسان,.
لا يقل خطورة عن الكذب,,، والخداع,,، والغش,,، والحقد,,، والبغض,,، والحسد,,، والجشع,,، والقسوة,,، والكراهية,,، وسواها,.
تلك الأمراض التي تتمركز في دخيلة صاحبها وتتضخم فلا يرى سواه,,، ولا يدرك غير ذاته,,، وهي فتَّاكة,, فتَّاكة,.
تقضي أول ما تقضي على لين العلاقة وتواصلها بالآخر,.
وتجعل صاحبها توَحدياً مع ذاته,, لا يرى سواها,,، ولا يفكر في غيرها,,، ولا يعمل إلا لمصلحتها,.
إن أول مفتاح للأمراض الباطنية في الإنسان الحرص,.
فهو الذي يؤدي إلى الأنانية وحب الذات، ومن ثمّ هي التي تؤدي إلى كره الآخر وبغضه والعمل على تجريده من حقه، وهذا يؤدي إلى الكذب عليه ومعه، وإلى بغضه وعدم الراحة حين ينجح هذا الآخر فيحسده,,، وينمُّه,,، ويخادعه,, و,,, إلخ,.
إن الحرص الذي يجمِّد صاحبه عند ذاته,, فلا يرى سوى رأيه,,، وسوى حقه,, وسوى مالَهُ,, وسوى دوره,, وسوى عمله,, وسوى قوله,, وسوى فعله,, في كل حركة صادرة منه، أو عنه، أو واردة له، أو معه,, هو العامل الأساس في الرموز المحنطة في مجتمع الإنسان,.
أولئك الذين ترتفع أصواتهم
أو تختفي أفعالهم,.
ولا أفضل لهم من شق الصدور أمام الهواء الطلق كي تتسلل إليها ذرات الشمس,,,، كي يروا أن الحياة ليست تنضوي أو تنطوي عليهم وحدهم,,, أو تلم أو تحوي من الناس هم فقط,, وإنما هي واحة واسعة خضراء ذات أشجار وارفةٍ تطل منها ثمار كثيرة عديدة ملوَّنة جميلة بهية هي الآخرون الذين يعيشون معهم الحياة,.
ولهم عليهم من الحق أن يقفوا في الخط الفاصل بين كفة الأنا والآخر,, كي تمضي الحياة بدفتين إحداهما لهم والأخرى للآخرين الذين يمارسون معهم الاستمتاع بالحياة المشمسة الوضيئة.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved