| مقـالات
*نشر بهذه الصحيفة قبل أسبوعين؛ خبر عن أب أعلن في مسجد الحي الذي يسكنه؛ عن رغبته في تزويج بناته ال (تسع),, اللاتي يعملن في حقل التعليم، وتتقاضى كل منهن راتباً شهرياً قدره ستة آلاف ريال,,!
* الخبر نقله الزميل عليان آل سعدان، الذي يملك حساة سادسة حقيقية، فهو من الصحافيين القلائل الذين تجري الصحافة في دمائهم، ويحسنون التفريق بين خبر يهم قراء الصحيفة؛ وآخر لا يهم إلا صانعه ، وهذه ميزة مهمة، وقدرة خاصة لا تتوفر في كل من امتشق قلماً وصال وجال في ميدان صاحبة الجلالة.
* ما إن نشر الخبر في الصحيفة؛ حتى انهالت علينا في المقر الرئيس؛ وفي فرع الطائف؛ مئات,, بل آلاف المهاتفات، من رجال يطلبون التعرف على هذا الأب الذي أخذ بمثل سائر يقول: (اخطب لبنتك، ولا تخطب لولدك),, وكل منهم يسعى جاهدا لخطبة واحدة من هؤلاء البنات (المدرسات),,! والزواج منها حتى اصبحت هواتف مكتبنا في الطائف مشغولة باستمرار، وموقوفة على هذه القضية، وزاد بعضهم؛ بان حصل على ارقام الهواتف الخاصة لمنسوبي المكتب بطريقته، فلاحقهم في منازلهم في اوقات خارج الدوام, ودخل عليّ الزميل عليان بعد أيام من نشر الخبر شاكيا من الضغوط التي يواجهها من الخطابين، حتى وصل الأمر بأحدهم أن عرض عليه مبلغ خمسين ألف ريال لكي يتوسط له فقط,,! وجاء عدد من هؤلاء الخاطبين إلى المكتب لبحث الأمر مع كاتب الخبر,, ولم اجد شيئا أقوله لمواساة الزميل عليان غير أن اقول له: توكل على الله واشتغل خطابة,,! وكان عادل إمام قد سبقني حين وجد أن مهنة الرقص وهي الأنسب لأحد الممثلين معه فقال له: توكل على الله واشتغل رقاصة,, ياالله,,!
* وبغض النظر عن الظروف الخاصة التي دفعت هذا الأب الحاني إلى ما اعلن عنه أمام الملأ؛ فهي معروفة ومفهومة ومقدرة، وما فعله عين العقل، ولو تخلص كل الآباء من عقدة العيب في هذه المسألة؛ لأصبح جل البنات متزوجات، ويكفي هذا الأب العظيم أنه أنجب تسع بنات، فرباهن وأدبهن وعلمهن، فلا ضير أن يسعى إلى سترهن وسعادتهن مع أزواج يحافظون عليهن بعد وفاته.
* هذا الموقف يذكرني بصديق مصري من طنطا هو الدكتور رشدي حسن محمود رحمه الله، فقد كان شاعراً وأديبا، وزيادة,, فهو ظريف ولطيف المعشر، وعمل في مستشفى الصحة النفسية سنوات طويلة قبل عودته إلى طنطا ووفاته هناك، رحمه الله ، كان قد أنجب ست بنات، ولم يعقب غيرهن، فاختار لهن أسماء تاريخية من مثل: أندلس شجرة الدر ألف ليلة,,, واجتهد في تربيتهن وتعليمهن حتى أصبح منهن المعلمة والطبيبة والمهندسة وغير ذلك,, وكان يقول في مجالسه: أنا من أهل الجنة إن شاء الله,, فيقال له كيف؟ ماذا فعلت حتى تقول بذلك؟ فيقول: الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأن من انجب ابنة (واحدة)؛ فأدبها وعلمها وأنعم عليها؛ كان من أهل الجنة، وأنا انجبت بدل الواحدة ستاً، ربيت وعلمت وأنعمت عليهن جميعاً,,! وهو رحمه الله يشير بذلك الى حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من كانت له ابنة فأدبها فأحسن أدبها، وعلمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نعم الله التي أسبغ عليه، كانت له منعة وستراً من النار),, أخرجه الطبراني في الكبير، والخرائطي في مكارم الأخلاق.
* ووالد البنات التسع ان شاء الله من الذين جعل الله بينهم وبين النار منعة وسترا؛ بسبب ما أولدوا وربوا وأدبوا وعلموا وستروا من البنات.
* والبركة في تعليم وتأديب البنات عظيمة وكبيرة عند الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة, روى أبو موسى عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ (أن أوس بن ساعدة الأنصاري؛ دخل علىالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله؛ إن لي بنات، وأنا أدعو عليهن بالموت, فقال: يا ابن ساعدة: لا تدعو عليهن، فإن البركة في البنات، هن المجملات عند النعمة، والمعينات عند المصيبة، والممرضات عند الشدة، ثقلهن على الأرض، ورزقهن على الله).
* ومثل ما للأب من أجر ومثوبة عند الله سبحانه وتعالى في تربية وإصلاح البنين والبنات، فالأم لها مثل ذلك, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد؛ إلا كانوا لها حجاباً من النار, فقالت امرأة: واثنين؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنين), أخرجه الشيخان, وقدمت: فقدت.
* وقديماً كان المحلق الكلابي؛ مئناثاً مملقاً، أي كثير البنات فقيراً, وكان الشاعر الأعشى؛ يوافي سوق عكاظ في كل عام ينشد أشعاره، فقالت امرأة المحلق لزوجها؛ يا أبا كلاب؛ ما يمنعك من التعرض لهذا الشاعر؟ فما رأيت أحداً اقتطعه إلى نفسه إلا وأكسبه خيرا, قال: ويحك؛ ما عندي إلى ناقتي وعليها الحمل؛ قالت: الله يخلفها عليك, وعندما مر الشاعر؛ تلقاه المحلق قبل أن يسبق إليه أحد، وابنه يقوده، فأخذ الخطام, فقال الأعشى: من هذا الذي غلبنا على خطامنا؟ قال: المحلق, قال: شريف كريم, ثم سلمه إليه فأناخه، فنحر له ناقته، وكشط له عن سنامها وكبدها, ثم سقاه وأحاطت بناته به يغمزنه ويمسحنه, فقال: ما هذه الجواري حولي؟ قال المحلق: بنات أخيك, وهن (ثمان) شريدتهن قليلة, أي بقية أموالهن, ثم خرج الأعشى من عنده ولم يقل فيه شيئا, فلما وافى المحلق عكاظا، إذا هو بسرحة قد اجتمع الناس عليها، وإذا الأعشى ينشدهم قصيدته التي مطلعها:
أرقت وما هذا السهاد المؤرق وما بي من سقم وما بي تعشق ولكن أراني لا أزال بحادث أغادى بما لم يمس عندي ويطرق |
ومنها:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة إلى ضوء نار باليفاع تحرق تشب لمقرورين يصطليانها وبات على النار الندى و(المحلق) رضيعي لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج: عوض لا نتفرق ترى الجود يجري ظاهراً فوق وجهه كما زان متن الهنداوني رونق يداه يدا صدق: فكف مبيدة وكف إذا ما ضن بالمال تنفق |
* فما أتم الأعشى قصيدته إلا والناس ينسلون إلى المحلق يهنئونه، ثم أتى المحلق الأعشى فسلم عليه, فقال الأعشى: مرحباً بسيد قومه, ثم نادى: يامعشر العرب: هل منكم مذكار يزوج ابنه إلى الشريف الكريم؟ فتسابق الأشراف إليه جرياً يخطبون بناته، فما قام من مقعده وفيهن مخطوبة إلا وقد زوجها، ولم تمس واحدة منهن إلى في عصمة رجل خير من أبيها وأفضل.
* والحال,, أن خبر ال (تسع بنات)؛ قد كشف لنا على مدى أسبوعين جملة من الحقائق والطرائف, فقد سررنا كثيرا بالمهاتفات التي جاءتنا من كل مناطق ومحافظات وقرى المملكة، وسررنا أكثر بمتصل هاتفنا من قلب لندن، وآخر من العاصمة الكوسوفية (برشتينا)، وتيقنا من انتشار صحيفتنا، ومن قوة تأثير الخبر في المجتمع، عندما يكون هذا الخبر؛ نابعاً من هموم الناس، وملتصقاً بحياتهم العامة.
* ومن طرائف ما تبع نشر الخبر؛ أن معظم المتصلين هم من كبار السن، على ما تبدى لنا من أصواتهم، ومن المعلومات التي بعثوا بها إلينا بالفاكس ، وبالتأكيد هم من المتزوجين، وفي هذا دلالة واضحة؛ على أن القصد يتجه صوب مرتب المعلمة في الدرجة الأولى، وإلا لما عرض أحدهم مبلغ خمسين ألف ريال أتعاباً لمن يتوسط، وهذا يتضح أكثر من مظاهر أولئك الذين فضلوا الوصول للهدف مباشرة بشخوصهم، فأين الشباب الذين بلا زواج من مثل هاته الفرصة؟
* الذي هاتفنا من لندن؛ هو سعودي وصل لتوه إلى هناك سائحا، ولما قرأ الخبر؛ أبدى استعداده للعودة! لا ادري هل عاد,,؟
* والذي هاتفنا من برشتينا؛ سعودي هو الآخر، ربما كان من العاملين هناك.
* ودخل على الخط في هذا الموضوع؛ عاقد أنكحة أراد أن يكون المأذون الوحيد لزوجات المستقبل ال (تسع),,!
* لقد استطاع الملحق الأول؛ أن يحلق حوله أشراف سوق عكاظ، فيتزوجون من بناته ال (ثمان) بسب أبيات من شعر للأعشى، واستطاع (محلق) هذا الزمان؛ أن يحرك الآلاف بخبر في جريدة الجزيرة,,!
* لكني أختم بما كان يقوله نابليون؛ (فتش عن المرأة),,! المرأة دائماً، وفي كل الأحوال.
حمّاد بن حامد السالمي
|
|
|
|
|