| شرفات
وجدي زيد كاتب عربي من مصر من مواليد 1951م تعرفه أمريكا أكثر مما هو معروف في مصر، فعندما عرضت مسرحيته أحلام الشتاء في الولايات المتحدة استقبلها النقاد الأمريكيون باعتبارها واحدة من علامات المسرح في العالم, يكتب بالانجليزية أساسا، لكنه كتب ست مسرحيات بالعربية، ولم ينشر أية منها لانه يعتبر المسرح عروضا بالاساس, عن ابداعه وتجربته في تقديم المسرح العربي في أمريكا كان هذا الحوار مع وجدي زيد أستاذ الدراما الذي يعمل حاليا ملحقا ثقافيا لمصر في واشنطن.
* لماذا اخترت الكتابة بالانجليزية؟
الانجليزية كانت بديلا أجبرت عليه، أو قل كانت خيارا وجدتني مدفوعا إليه لعدة اسباب: أولا كنت أرى أننا لم نزل بعيدين عن التيارات العالمية للمسرح، رغم ما فعله توفيق الحكيم ومن قبله أحمد شوقي وغيرهما, فهناك تراث طويل من الاغريق، فشكسبير ومن بعده, فعندما يكتب الكاتب لا يبدأ من فراغ، وإنما هناك حركة نصية يحاورها الكاتب الذي يريد ان يضيف سواء في السياق نفسه او بمخالفته, وكنت أشعر أنني بحكم دراستي في كلية الآداب قرأت روائع شكسبير ومن قبل كريستوفر مارلو، هذه السلسلة إلى القرن العشرين حركة جادة إذا اردت ان تنتمي لها فلابد ان تكون على مقربة منها.
* هل اللغة شرط؟
اللغة لم تكن شرطا وإنما تحدٍ، كنت أحاول أن أجيد الانجليزية لتصبح مثل لغتي الأولى, وفي مرحلة من الكتابة اللغة هي الفكر وليست مجرد أداة ورأيت أن ما أريد أن أقوله مرتبط باللغة الإنجليزية, كان هناك بعد نفسي آخر وهو أنني كنت أشعر أنني لن أجد طريقي بسهولة في المسرح المصري، لابد من العلاقات والتربيطات من اجل النشر، وعلى فكرة أنا لست أول من يكتب في لغة ليست لغته الام، صامويل بيكيت كتب في انتظار جودو بالفرنسية وهي ليست لغته، وترجمها بعد ذلك الى الانجليزية، جوزيف كونراد كتب انجليزية يغار منها أبناؤها, المهم ماذا يضيف الكاتب للتراث السابق عليه في الفن الذي اختاره.
* إجابتك تتضمن موقفا من المسرح العربي، هل ترى أنه ليس على مستوى المسرح في اللغات الأخرى؟
أظن أن رأيي مر بمرحلتين، إلى ان وصلت إلى قناعتي الحالية, في البداية وبعد قراءات محدودة في الادب العربي اعتقدت انه ليس على مستوى ما يكتب من مسرح في العالم، وعندما توسعت في القراءة اكتشفت ان الحكيم أضاف لتراث المسرح واستطاع ان يضع لبنة لما يمكن ان نسميه مسرحا عربيا، وليس صحيحا ان مسرحه ذهني فقط، خذ مثلا السلطان الحائر ليس صحيحا ان الفكر يسيطر على الحدث, ولذلك فإنني اطالب بترجمة كتب توفيق الحكيم على نطاق واسع.
* أنت تطالب بأن نترجم ادبنا بأنفسنا ولكن العالم يمكن ألا ينتبه لما نترجمه أو يثق به، هم يثقون في اختياراتهم هم؟
اختلف معك تماما، فالثقافة فعل مقصود، وليس من الصحيح ان نترك للآخرين مهمة تحديد أولوياتنا, إليوت في الثقافة الغربية استطاع ان يحدد الذوق العام المقبول في بلده، ويحدد ما الذي يختار من بلده, وإذ نظرنا إلى شكسبير سنجد انه انجز عشرة بالمائة والتسعين بالمائة صناعة دولة، فوليم شكسبير هذا ظل أكثر من مائتي عام مكروها في بلده، كانوا يعتبرونه منتهى العنف, ومع تزايد الحروب اكتشف الناس أن الواقع أقسى وأن العنف الذي تتضمنه مسرحيات شكسبير اصبح مفهوما ومبررا، ومع صعود الامبراطورية البريطانية كان المطلوب تعميد كاتب على مستوى الامبراطورية، يكون امبراطوراً للكتاب، وتم اعتماد شكسبير، وإلى اليوم تجد المنزل النموذجي هو البيت الذي يضم نسخة من الكتاب المقدس ونسخة من شكسبير, ولك ان تتأمل كيف انحسرت الامبراطورية الانجليزية بينما استمر شكسبير، والأمريكيون أدركوا هذا الآن وهناك صيحة تقول: كفى شكسبير، فلندرس أولادنا, فمرة أخرى الثقافة فعل مقصود ومنظم ولدينا من العقول ما يستطيع ان يفعل، ولا يصح ان نترك للغرب مهمة تحديد أولوياتنا، لأنه يفعل ذلك طبقا لمعاييره والخطورة ان هذه المعايير تعود إلينا لتصبح المقاييس المعتمدة لدى الأجيال الاحدث من الكتاب وقد تكون ضد استقلالية ثقافتنا.
تحديد الأولويات
* في البداية نحدد أولوياتنا في الداخل، كيف؟
هذه النقطة شغلتني طويلا، ودعنا نتأمل تجربة انجلترا، أولا ليس الكم هو ما يحدد مكانة كاتب والدليل على هذا اميلي برونتي التي كتبت (مرتفعات ويذرنج) وأختها (شارلوت) التي عاشت طويلا وكتبت بغزارة, ولكن مازالت مرتفعات ويذرنج تدرس في جميع اقسام اللغة في الجامعات العالمية لكنها عاكست جميع السائد والمألوف في زمانها، جيمس جويس لا تكمن عظمته في كم ما كتب وإنما في مخالفته لكل قواعد الكتابة المتعارف عليها، في المسرح صامويل بيكيت أخذ نوبل على مسرحية واحدة، ولكن اي مسرحية؟ تاريخ المسرح انقسم عندها، فأصبح لدينا ما قبل وما بعد انتظار جودو، يعني لابد ان يكون العمل اضافة حقيقية إلى تراث النوع الأدبي الذي ينتمي إليه, ولو أخذنا هذا المعيار سنكون قد نجحنا على الحكم السليم على روائعنا.
(بريخت عندما قال انه يعارض أرسطو,, ما معنى هذا معناه انه استوعبه وأصبح في موقف النقيض الفاهم، نحن لا نفعل هذا في المسرح العربي، ولسوء الحظ أن الفن لم يعد فهلوة! وما نصنعه من تمصير ولطش مشهد من هنا ومشهد من هناك ليس إلا فهلوة).
* أليس هذا مناوشة لتراث عالمي؟
يبقى الشرط ان يفعل كما فعل شكسبير، وستستغرب عندما تعرف ان الست وثلاثين مسرحية التي كتبها شكسبير كلها مأخوذة عن أصول أخرى، وبعضها لكتاب من معاصريه، فنص مثل ترويض النمرة له أصل مجهول المؤلف كتب قبل شكسبير بستة أشهر فقط، ولكن عظمة شكسبير في انه يجعل مسرحيته أقوى من الاصل الذي نقل عنه بحيث تبدو هي اصلا وتنسينا ما أخذت عنه بالخصوبة, أما ما يحدث بأخذ خط من مسرحية وإضافة نكتة وبعض المواقف لتبدو مصرية هذا أسميه الابن الضعيف، وانا لا اريد ان نكون ابناء ضعفاء في حضارة ضعيفة.
* من بعد توفيق الحكيم؟
ألفريد فرج، سعد الله ونوس، بعض ميخائيل رومان، نجيب سرور وبعض صلاح عبدالصبور.
* كلها محاولات تنتمي للتاريخ، فما سبب الانقطاع في نظرك؟
أظن أن هناك محاولات جادة في المسرح، ولكن المسرح شكل لم يستقر بعد حتى على مستوى الشعب، طبعا المناخ الثقافي العام يؤثر.
* ألم تكن لك محاولة لتقديم مسرحك في مصر ولم تنجح؟
كان هذا من 1979 إلى 1990، كانت محاولة لتقديم احلام الشتاء، ولكن الرقابة وقفت في طريقي ووصلت مرة اخرى لقناعة بمسألة شر أهلي، ولكن على كل حال لا أريد ان احكم على سياق عام بتجربة خاصة.
* أليست لهذه التجربة الخاصة دلالاتها العامة؟
أنا أرى أن غيري يقدم لهم مسرحاً، نحن إلى الآن لا نمتلك المعيار الذي نحكم به على الشكل الذي نخرج به الى الجمهور هل هو مسرح ام لا، فتجد ان عملا يتكلف 300 ألف جنيه ويشاهده 25 أو 30 فرداً، إنك لو أحضرت مروض قرود وقال العب ياميمون سيجمع الشارع حوله، كيف لم نستطع ان نحول المسرح إلى ضرورة في حياة الناس؟ أعتقد اننا بحاجة إلى الصدق والنظام, إذاً تحديد الشيء الجاد نحتاجه, وصدقني كل مثقفينا يعرفون الصالح من الطالح لكنهم لم يختاروا بعد, وإذا أردنا ان نجد مكانا بين العالم لابد ان نختار.
* حدثنا عن مشروعك لترجمة المسرح العربي,, كيف تحقق هذا الإنجاز؟
عندما قدمت مسرحيتي أحلام الشتاء تمنيت ان أرى مسرحنا كله على الخشبة الامريكية، وجلست أناوش بالفكرة استاذي مارفن كارلسون في جامعة نيويورك من عام 1989 إلى 1998 واستجاب الرجل وكانت سعادتي لا توصف، خاصة وانني كنت أرى المسرح الاسرائيلي متواجدا في امريكا طوال العام، وغياب مسرحنا لا يعني إلا اننا اقل حضارة, لا تغضب مني لا أحد يعرف نجيب محفوظ أو يوسف ادريس او حتى الحكيم في امريكا ولذلك فإن تدريس مسرحنا للطلاب هو المدخل الحقيقي الى الوجدان الامريكي.
عندما جلسنا للتخطيط للبرنامج الدراسي وجدنا ان المشكلة تتمثل في قلة الترجمات، لكننا بدأنا العمل بإشراف الدكتور جابر عصفور حيث ترجمنا وطبعنا خمسة نصوص في ظرف شهرين اخترنا للحكيم ويوسف ادريس وسعد الله ونوس ومحمد الماغوط وعلي سالم ونعمان عاشور وأبو العلا السلاموني، صلاح عبدالصبور، لينين الرملي، محمود دياب، ألفريد فرج, وكان انجازا كبيرا ان يتم هذا في شهرين، وأقمنا الاحتفال هناك حيث قدمت ثلاثة عروض قصيرة، وكان الاستقبال اكثر من رائع، ليس فقط من العرب، بل الجمهور الامريكي الذي رفض ان ينصرف بعد انتهاء العروض رغم برودة الطقس.
* لماذا المسرح بالذات ,,,؟
لان المسرح هو الفن الوحيد الذي يوجد الجمهور والنص والممثلين والمخرج.
* ألاحظ أنك تعول كثيرا على الثقافي كنوع من إثبات الوجود في المنظومة العالمية؟
نحن لا يجب ان نعيش ونكتب بافتراض اننا فقط من يعيش ويكتب، لولا وجود الآخر ما تقدمنا، بلا حوار مع الآخر سنفقد حتى ملامحنا، وحالة الاستغناء عن الآخر هي الجنون بعينه، كيف ينظر الناس إلى من يكلم نفسه في الشارع؟.
* وخاصة أننا لا نستطيع ان نستغني عن الآخر في المجالات الأخرى؟
تقديم العولمة على انها تجارة وحالة من سهولة فتح الاسواق تسطيح للفكرة وبدون الثقافة فإن الآخرين لن يبتلعوا فقط أسواقنا بل سيبتلعوننا نحن، لابد ان ندخل بكل قوتنا الثقافية والخلاقة، ولن نمل من التذكير بحالة اليابان العضو النشط في نادي الاغنياء، لكنها لم تذوب في الغرب، لديها منظومة اخلاقها الخاصة وثقافتها الخاصة، نحن جزء من قصورنا اننا نفهم العولمة طريقاً من اتجاه واحد، نحن نريد ان نثبت ان العولمة طريق من اتجاهين, وهذا ما حاولت ان افعله في مشروع تقديم المسرح العربي، لان اول درس تلقيته عندما ذهبت لدراسة الدكتوراه هو ان قدماء المصريين لم يكتبوا المسرح، وإذا كانوا قد كتبوا فقد كتبوا للموتى، وفهمت ان المسألة تعني أنه لا يكتب للموتى إلا الموتى، وانها نوع من محاولة إثبات شيء يخص الحاضر.
* لكن هل صحيح يمكن أن نسمي ما كتبه الفراعنة مسرحا كما يحاول بعض الباحثين أن يثبتوا؟
رغم ان هناك مسارح في امريكا الآن تقدم مسرحا شبيها بالمسرح الطقسي لدى الفراعنة يسمونه مسرح الحادثات، إلا اننا يجب ألا ننشغل بقضية إذا كان الفراعنة كتبوا أم لا، المهم ان يكون مسرحنا اليوم على مستوى ما يكتب في العالم، أنا أعتقد ان شرط اعتبار فعل ما فعلا مسرحيا والوعي بأنه مسرح وبتمايز عناصره من ممثلين وجمهور ومؤلف، وهذا لم يحدث إلا على أيدي الاغريق، ويقال إنهم اخذوا الشكل الطقسي عنا ولكنهم طوروه إلى ان أصبح مسرحا، وليس من المفيد التمحك والتوقف عند هذا، ليس سيئا جدا ان يبدأ غيرنا فنا، الحضارة اسهامات ونحن لنا اسهاماتنا المتعددة في عشرات البدايات، فماضينا والحمد لله كان قويا والمطلوب ان ننظر لانفسنا الآن، أمريكا بعظمتها لم يكن عندها مسرح.
* لم يكن عندها دولة؟
لا دول ولا مسرح، وقد بدأوا بالنقل مثلما بدأنا نحن بالتعريب والسرقة إلى ان جاء يوجين أونيل كشاب متحمس وقال لابد من مسرح امريكي، وبدأ يكتب أشياء فيها لاول مرة رائحة ذلك المكان والرؤية الخاصة، فلا عيب إذن ألا يكون لدينا مسرح في السابق والقصور ان نعرف اننا بحاجة الى مسرح ولا نفعل شيئا حيال هذا.
|
|
|
|
|