| عزيزتـي الجزيرة
سعادة الأستاذ خالد المالك
رئيس تحرير جريدة الجزيرة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
اطلعنا على المقال الذي كتبه الاخ عبدالله بن بخيت في جريدة الجزيرة يوم السبت 1/3/1421ه في زاويته (يارا) بعنوان تكنولوجيا الحضور والغياب وفيه اقحم الكاتب معهد الادارة العامة بقوله: (من واجبي ان أهنىء كل مديري الحضور والغياب، مديري وقع ولا توقع، مديري وين كنت، مديري مساءلة,, الثمرة اليانعة لجهود معهد الإدارة العامة عبر أربعين عاماً من الكفاح والتطوير) موحيا بأن معهد الادارة العامة هو مصدر هذه الأساليب التي يمارسها هؤلاء المديرون وأن جهود المعهد تقتصر في اهتمامه وتجسيده لهذه الظاهرة أو المشكلة الادارية, وفي بقية المقال يستنتج أن الكاتب يحرض على التسيب ويستخف باهتمام الادارة أو المدير بمسألة تغيب الموظف وتسيبه عن العمل، وهذه ليست المرة الأولى التي يتناول فيها الاخ عبدالله بن بخيت مسألة الحضور والغياب ويشير فيها الى دور المعهد واهتمامه بها باستهزاء, ولا ندري عن السبب الحقيقي الذي يدعو الكاتب الى اعتبار اهتمام المدير بالانضباط في الحضور مشكلة أو إلى التندر بدور معهد الإدارة في معالجة هذه المشكلة.
ولعلها مناسبة لايضاح حقيقة اهتمام معهد الادارة العامة بمسألة الغياب والتسيب الوظيفي للموظفين أثناء ساعات العمل الرسمية في المنظمات الادارية أيا كانت حكومية أو أهلية.
فمعهد الادارة العامة عندما انشىء عام 1381 كان قد مر على الجهاز الاداري في المملكة العربية السعودية حقبة من الزمن ليست بالبسيطة وكان الجهاز الاداري قد ترهل بالعديد من المشكلات الادارية التي اعتبر المعهد ان من واجبه المساهمة في معالجتها، ومما لاشك فيه ان مسألة الالتزام بساعات العمل الرسمية كانت احدى اهم وابرز المشكلات التي عانى منها الجهاز الاداري آنذاك، مما جعل المعهد يبادر ومنذ انشائه لمعالجة تلك المشكلة, وحتى يحظى المعهد بمصداقية ويتمتع بقدرة على معالجة هذه المشكلة وغيرها من المشكلات الادارية في الجهاز الاداري رأى القائمون عليه آنذاك ان يكون قدوة لتلك الاجهزة في مسألة الانضباط والحضور والغياب وفي تطبيق وتبني الاساليب الادارية الناجحة استنادا على النظريات والتطبيقات الادارية الحديثة حيث بدأ بتطبيق ذلك على نفسه واستمر في ذلك الى الآن حتى اصبح المعهد بالفعل مثلا يحتذى به في كثير من الامور وفي مقدمتها الانضباط في الدوام، ومعهدالادارة العامة يعد اول جهة ألغت كشف الحضور والغياب واكتفت بمبدأ الرقابة الذاتية التي تنبع من داخل الموظف, وامتدادا لاهتمام المعهد بمعالجة هذه الظاهرة السلبية في الجهاز الاداري قام المعهد باجراء دراسة ميدانية حول ظاهرة الحضور والغياب في الدوام الرسمي في الاجهزة الحكومية عام (1400ه) اظهرت نتائجها ان الموظفين يقضون فقط حوالي نصف وقت الدوام الرسمي (49,79%) في تأدية الاعمال المتعلقة بالعمل, مما جعل المعهد يتبنى اجراء دراسة ميدانية اخرى عام (1401ه) حول الانتظام بالدوام الرسمي في الاجهزة الحكومية جسدها وغيرها من الابحاث واوراق العمل في ندوة اقامها المعهد حول الدوام الرسمي في الاجهزة الحكومية عام (1401ه).
ولم يقتصر اهتمام المعهد بدراسة هذه الظاهرة عند هذا الحد بل يعمل الآن على اعداد دراسة اكثر شمولية تغطي جميع اجهزة ومناطق المملكة الادارية (182 جهة ادارية) وتبحث في ظل التغيرات والمستجدات التي طرأت على الجهاز الاداري في المملكة في العوامل المؤثرة بالانتظام في الدوام الرسمي في مختلف الاجهزة الادارية وقد غطت الدراسة اكثر من ثلاثة آلاف موظف وموظفة بالاجهزة الحكومية.
وينبع اهتمام المعهد بدراسة هذا الموضوع (الانتظام بالدوام الرسمي) من اهمية الموضوع نفسه ويعني عمليا (الوقت) حيث ان الوقت يعتبر اهم سلعة تمتلكها الشعوب خاصة في هذا العصر الذي اشتدت فيه المنافسة بين الدول في ظل العولمة وثورة الاتصالات وما يصاحب ذلك من توجهات تحتم على كل دولة التفكير الجاد في مستقبلها وقدرتها على البقاء والاستمرارية بين دول العالم, من ناحية اخرى ظهرت نظريات ادارية منسجمة مع هذه التوجهات العالمية مثل الجودة والهندرة والتحسين المستمر وتمكين الموظف اكدت اهمية المنافسة بهدف البقاء والاستمرارية بالنسبة للمنظمات والدول بشكل واضح وصريح, ولو تأملنا ما يتم طرحه في هذا المجال لوجدنا ان اهم مقياس يستخدم لقياس القدرة التنافسية بين المنظمات وحتى الدول هو مقدار الوقت المستغرق في العمليات الادارية المختلفة لانتاج السلع وتقديم الخدمات.
وقدرت التكاليف المادية الناتجة عن غياب وتأخر الموظفين في كثير من الدول بارقام مذهلة؛ فعلى سبيل المثال قدرت التكاليف المباشرة لعدم الانتظام بالدوام في الولايات المتحدة الامريكية بحوالي 25 مليون دولار في عام 1978م وفي بريطانيا قدرت بحوالي خمسة بلايين جنيه استرليني عام 1990م ومن هذا المنطلق تبرز اهمية اهتمام المعهد ودراسته لمسببات الوقت المهدر في الاجهزة الحكومية والناتج عن عدم الانتظام بالدوام الرسمي واهتمامه بايجاد الحلول المناسبة للرفع من مستوى الانتظام بالدوام.
ولقد ادرك المسئولون في المملكة العربية السعودية اهمية الحد من ظاهرة عدم الالتزام بالدوام الرسمي وتجسد هذا الاهتمام في معالجة عدد من الانظمة لهذا الموضوع, وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد نصت المادة (11) من نظام الخدمة المدنية للمملكة على ضرورة تخصيص وقت العمل لاداء واجبات الموظف الوظيفية، وتنفيذ الأوامر الصادرة بدقة وأمانة، كما أن المادة (5) من نظام تأديب الموظفين الصادر في 1391ه تضع قواعد عامة لتنظيم حضور وانصراف الموظفين, ونصت علىاهمية الدوام والمحافظة عليه وان الرؤساء والمشرفين هم القدوة الحسنة في ذلك وأنه لابد من متابعة دوام الموظفين ومجازاة من يرتكب مخالفة في ذلك, وقد اعطيت هيئة الرقابة والتحقيق (صلاحيات الكشف عن المخالفات الادارية والمالية) لموظفي الأجهزة الحكومية.
ان اهتمام معهد الادارة العامة بالانتظام والالتزام بساعات العمل اليومية المحددة ينطلق من قناعته بهذه المشكلة كظاهرة ادارية سلبية لها علاقة ومساس مباشر بتشكيل القيم الادارية المؤثرة والفاعلة في المنظمة الادارية ولما لها من تأثير مباشر على انتاجية الجهاز الاداري علاوة على ما يحظى به موضوعها من اهمية خاصة لدى المشرفين الاداريين ومدراء ورؤساء الاجهزة الخاصة والعامة على حد سواء, بل ان التغيب عن العمل اصبح من القضايا التي تشغل الحكومات في الكثير من دول العالم لما لهذه المشكلة من نتائج سلبية على المجتمع بأسره، وتؤثر بشكل مباشر على كمية ونوعية وجودة العمل خصوصا في الاجهزة الحكومية التي هدفهاالاساسي تقديم خدمات للمواطنين وتسهيل أمور حياتهم.
وكم كنا نتمنى ان يتناول الكاتب عبدالله بن بخيت وغيره من الكتاب الصحفيين والمهتمين قضية الحضور والغياب من منظور علمي يعتمد على حقائق واحصائيات وادراك واع بحقيقة المشكلة واهميتها على المستوى الاداري خصوصا وان معهد الادارة العامة مؤسسة تعليمية وتدريبية تعتمد على الطرق والاساليب والمناهج العلمية وتستند الى التطبيق الواعي والجاد للفكر والنظريات الادارية في كل ما تقدمه، ويهمها جدا ان تعم الفائدة ويستفيد كل الاطراف من الطروحات الجادة وليست الناقدة لمجرد النقد الانطباعي او الشخصي الذي لا يعدو كونه وجهة نظر خاصة او محدودة قد تتسبب كونها تصدر من كاتب يومي او اسبوعي في صحيفة يومية في التحريض على الاهمال وعدم الانضباط بالدوام، وقد تدعو مثل هذه الآراء الى تفشي هذه الظاهرة بكل انعكاساتها السلبية على قيم العمل في المجتمع والتأثير على كمية وجودة الخدمة التي تقدمها الأجهزة الحكومية للمواطنين.
نأمل نشر هذا الإيضاح.
وتقبلوا خالص التحية والتقدير.
مدير العلاقات العامة عثمان بن عبدالله الغامدي
|
|
|
|
|