أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Friday 23rd June,2000العدد:10129الطبعةالاولـيالجمعة 21 ,ربيع الأول 1421

الثقافية

قراءة في كتاب
المرأة في ألف ليلة وليلة بين الشرق والغرب
على الرغم من كثرة المؤلفات العربية التي كتبت ودرست ونقلت الى مختلف اللغات العالمية، الا اننا قلما نصادف مؤلفا حاز في تعدد طبعاته او تعدد ترجماته او كتب عنه بالقدر الذي نجده حول الف ليلة وليلة وهو كمجموعة قصص قد اثر في الفن العربي تأثيرا واضحا نلمسه في الرمضانيات والمسلسلات والاغاني وحكايات الاطفال والمسرح وحتى في الامثال الشعبية وهو كمادة ادبية مكتوبة وتحديدا الطبعة البغدادية والمصرية في النصف الاول من القرن العاشر الهجري اللتان غشيتا جميع الطبعات، سهل المأخذ مطرد السياق سوقي اللفظ كثير التضمين جريء الاشارة لا يعرف الكفاية ولا يقني الحياء ولا يصطنع التحفظ لان سبيله سبيل العامة فهو يسايرهم في ثرثرتهم وفضولهم وسذاجتهم وصراحتهم وبلادتهم ولا يستطيع ان يكون كذلك، ويضيف احمد حسن الزيات في كتابه (التراث وتحديات العصر) ان خير ما يمتاز به اسلوب الف ليلة وليلة هو الوضوح والصدق والصراحة والجاذبية فالمعاني تسبق الالفاظ الى الذهن والصور تسبق الوصف الى الخاطر والشوق يبعث اللذة ويثير الاهتمام ويحرك الانتباه.
ولعل اكثر العناصر التي يدور حولها الجدل في تلك الليالي هو عنصر (المرأة) لما لها من دور خطير لعبته في تكوين الليالي من الناحية (الخلقية) فهي بوفائها الفذ وبغدرها احيانا اخرى بحيلتها وجمالها بدهائها ومكرها وضعفها بهذه الصفات كلها التي ظهرت فيها على (مسرح) ليالي الف ليلة وليلة وكانت ذات اثر عظيم في الحياة ولكن بقي بين الرؤية والواقع حد اختلف فيه الكثيرون ممن كتبوا عن الف ليلة وليلة ولعل الطابع العام الذي اتسمت به هذه الصورة وللاسف هو طابع الخيانة والفحش هذا ما غرسه معظم المستشرقين الذين ترجموا الف ليلة وليلة الى اللغات الاجنبية امثال غالان وبورتورين ولين وهذا ما توطد في اذهان الغربيين (فبتأثير الافكار التقليدية المبالغة والسائدة حول تعدد الزوجات في الشرق غلب الانطباع بأن الشرق هو بلاد الجنس والتحلل الاخلاقي عندما جاءت نسخة غالان بقصصها عن النسوة والمحجبات واللقاءات المثيرة المدبرة بين الجنسين وطدت الانطباعات السائدة بدل من تغليها ولكننا نعلم مثلا ان المعلومات الكثيرة التي توفرت خلال السنوات الماضية عن الاسلام وعمق وصاياه الاخلاقية وشدتها جعلت من الصعب على خصومه التحدث عن ليونة أو شهوانية حتى وإن تكررت بعض هذه الحكايات لكن النقد المعادي تركز حول موضوعي تعدد الزوجات وعزل النسوة وتم التعامل معهما على اساس كونهما برهانا على احتقار المسلم ل(الجنس اللطيف) هذا ما يقوله الدكتور محسن الموسوي في كتابه (الف ليلة وليلة في نظرية الادب الانكليزي) وتؤكد رنا قباني هذا الكلام في كتابا المشهور (اساطير اوروبا عن الشرق) حين تقول: لقد كانت المشاعر الاوروبية حيال المرأة الشرقية متذبذبة لا تستقر على حال اذ كانت تنوس بين الشفقة وبين الاحتقار والغضب، وكانت النساء الشرقيات يصورن مرات ضحايا الجنس ومرات ساحرات ماكرات ويلخص شاردان صفاتهن بقوله ان الشرقيات يقضين عمرهن باللا مبالات والكسل ولا عمل لهن الا الاستلقاء طيلة النهار على الاسرة حيث يمضين الوقت بالتدخين، لم تتسم رؤية بورتون الذي صنف النساء في الف ليلة وليلة الى فئتين كلاسيكيتين سلبية وايجابية بالعمق رغم انه امضى عشرات السنين في الشرق، فالمرأة لا تخرج عن كونها تحتاح وكان في داخله متمسكا بنظرة عصره الى النساء فهن اما مومسات او ربات بيوت فاترات ومن هنا ازداد افتتانه بألف ليلة وليلة لأنها جاءت لتؤكد نظرته الى النساء ولكن!!
تضيف السيدة رنا قباني:ترجم انطوان غالان الفرنسي الذي اوجد نصا مجددا عن اشياء كثيرة متفرقة كانت بين يديه فهو لم يكن مجرد مترجم لهذه القصص العربية بل كان بالاحرى مخترعا لظاهرة غربية هي مسلسلة الف حكاية وحكاية من نسج خياله وقد التصقت شهرزاد باسمه,, ثم يعترف غالان لصديقه كوبر بقوله عن ترجمة الف ليلة وليلة: لم اتقيد تماما بالنص فالترجمة الدقيقة لم تكن لتسعد القراء لذلك جعلت من الكلمات العربية نصا فرنسيا ممتعا دون ان التزم بحرفية هذه الكلمات.
أغرمت اوربة بألف ليلة وليلة كما كتبها وخلدت اسمه هذه الحكايات الممتعة كانت ترضي الذوق السائد في مجتمع اوروبة الانيق لقد استغلت الف ليلة وليلة لتصبح مناسبة للحديث عن الجنس وغدا نصها مطية للاضافة والتعليق.
اما الدكتور موسوي فانه يذكر على لسان (لين) الذي يقول في تعليقه على عدم ترجمة بعض المشاهد في الليالي بأنها: لا تتناسب مع طهارة العربي وانه يقدم فكرة خاطئة عن اخلاق السيدات العربيات وطباعهن.
يتضح هنا تماما ان الطبعات المترجمة الى الاوروبية كانت معرضة للاضافة والتغيير حسب مزاجية المترجم وان قضية الاباحية والخيانة التي ارتسمت في مخيلة الاروبيين عن هذه الليالي هي في غالبيتها من صنع الاوربيين ذاتهم.
بيد ان القضية عند العرب انفسهم ليست ابسط مما هي عليها في الغرب اذ ان الرؤى تتراوح ما بين مؤيد للنظرة الاوروبية ومعارض لها، فمثلا يرى الكاتب محمد عبدالرحمن يونس في كتابه (تأثير الف ليلة وليلة في المسرح العربي المعاصر والحديث) بأن: شخصية بنات المترفين شخصيات لا تفكر الا بمزيد من الترف والقصور والثروة وتتركز احلام هذه الشخصيات في كونها احلاما ذات طبيعة سلعية واستهلاكية فجل احلام هذه الشخصيات تتركز في القدرات الجسدية التي يحققها الفارس.
بينما ترى الدكتورة سهير القلماوي في كتابها (المرأة في الف ليلة وليلة) ان المؤلف في اساسه لا يحوي هذه الصور الفاضحة بل ان ايدي كثيرة قد لعبت في المؤلف وزادت عليه وحرفته فتقول: استغلت المرأة في سرد الوصف المادي لها كثيرا وكان هذا الوصف سببا في من اسباب كثيرة لرواج هذه القصص عند طبقة الشعب بل ان اخبارا قصيرة تافهة او مجرد وصف اريد به المفاضلة بين انواع النساء اتخذ موضوعا لقصة فاتخذ له اطار واهٍ ضعيف لمجرد ان يسرد هذا الوصف كما نجد في القصة الجواري المختلفة الالوان وما دار بينهن واضافة مثل هذا الخبر الى الليالي واضحة الافتعال وقد اضيف المثير منها اضافة متأخرة فليس ادل على ذلك من ان هذا الوصف يوجد بنفس الالفاظ قلقا كثيرا ومدمجا ادماجا من اول الكتاب لآخره.
تضيف الدكتورة القلماوي: ان حشر بعض هذه المواقف كموقف الفحش في قصة قمر الزمان المكرر في قصة على شارد وزمردة الجارية يمثل ذوق العامة في عصر معين وهو قد فصل فيه قاص متأخر واكبر ظني انه كان في اصله مجرد تنويه او اشارة استغلت فيما بعد لسرد هذه التفاصيل.
على ارضية الفن العربي الحالي نرى ان هذه الصفات وما شابهها قد طمرت تماما فالرمضانيات والاغاني والمسرح وقصص الاطفال التي تدور حول كتاب الف ليلة وليلة نراها خالية من كل هذه الشوائب التي يدور حولها النقاش والخلاف، فهي لا تحوي اكثر من الغرابة الملازمة لليالي او الحكمة او البطولات او العشق الشريف وهي على ذلك تستحوذ على الاهتمام والاعجاب والمتابع فهي ليست في حاجة الى المؤثرات الجنسية لتصبح مقبولة ادبيا او فنيا واغلب الظن أن ايدي مع الايدي التي لعبت في كتب تاريخية كثيرة قد لطخت هذا المؤلف الضخم بمثل هذه الصفات المبتذلة والسوقية.
معمر فوزي الخليل
البكيرية

أعلـىالصفحةرجوع
















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved