أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 22nd June,2000العدد:10129الطبعةالاولـيالخميس 20 ,ربيع الاول 1421

الثقافية

المكان الذي صار كتلة سوداء ثم بطلاً في العرض
محمد العثيم
في المسرح الحديث التفت المنظرون إلى المكان المسرحي من منطلق مناهج التفكير الأوروبي الحديثة رغم أن ارسطو اورده في أساسية وحدة المكان وجاء فيما بعد تحت مفاهيم (نفي الزمان والمكان) لكن المكان الفيزيقي عاد إلى الاهتمام لا بصفته فراغا للتشكيل بل بصفته كتلة ثلاثية الأبعاد يمكن تجسيمها بالنحت الفيزيائي الذي يشكله النور والصوت والجسد والمادة الجامدة.
سيكون الحديث عن تعامل المدارس الحديثة في المسرح مع المكان لا بصفته فراغا يملؤه الفن بل على انه كتلة سوداء جامدة يمكن نحتها.
هذا المنطلق قلب الكثير من المفاهيم وهو حتى إن نسب الى العصر الحديث في العرض المسرحي المدعوم بتقنيات حديثة إلا ان المحاولات في فهم المكان على انه فراغ أو كتلة من الظلام لم تكن حديثة فتاريخ المسرح بدأ يجعل البناء ذا قيم جمالية تساهم في معنى العرض ولم يفصل العرض المسرحي عبر التاريخ عن المكان,, وقد تميزت مدارس التعامل مع المكان بعدة اشكال نعد منها (1) المكان المفتوح في واجهات كثيرة على الطبيعة وهو مكان مبكر جدا في تاريخ العروض القبلية والبدائية والألعاب في الفطريات المبكرة للعرض ما لبث ان عاد المكان المفتوح في القرن العشرين بعدة صور واشكال اثراها المنظرون لمسارح الشاشة والمسرح الفقير بكثير من المفاهيم تحت مسميات مثل (مسرح الساحة وغيره) (2) المكان الذي يكون مفتوحا من ثلاث واجهات وهو أشيع مدارس المسرح القديم عند اليونان والرومان والآن تجد فيه أعمال المسرح داخل المسرح وأعمال الملحميين فرصا كثيرة من قاعدة كسر الحاجز الرابع وغيرها.
(3) المكان المغلق الذي يحوي خشبة العرض ومكان الجمهور بالطرق المعروفة بعد تطور أساليب الإضاءة والعلوم والصوت فبدأت القاعات تتخذ الشكل البيضاوي في أوروبا في القرن السابع عشر لتقدم العروض في أماكن شبيهة بالكنائس الفخمة ثم توارثت هذا النظام كل الفنون التي تقدم عروضا.
لن اطيل في تتبع تغيرات المكان ثم الخروج عليه بالمدارس الحديثة التي اسقطت الستارة أولا ونقلت العرض خارج خشبة المسرح احيانا وما تلا ذلك من ظهور خلط للمدارس المطروحة على انها مجالات ابداع وهي جرأة على المسرح من باب المسرح داخل المسرح التي قدمها مكتملة المخرج الإيطالي (ليويجي براندللو) اولا مستفيدا من أساليب كثيرة سبقته,.
واستغل المحدثون هذا التقدم لإدخال الجمهور طرفا في حلقات العرض او احتوائه بالعرض تماما من خلال صيغ جمالية جديدة ثم تقدمت بعض المسارح بما عرف بمسرح الغرفة والساحة وغير ذلك من أساليب الانفلات من المكان وهو حديث يطول.
بعد هذا التقديم اعرج الآن على مفهوم المكان الحديث الذي جاء من قلب المعنى.
وكما ترى فقلب المفهوم السائد في المسرح القديم من (وحدة المكان والزمان) تتعرض للإنكار في عالم اليوم المسرحي,, ويكون الأمر أكثر غرابة اذا ما عرفت ان هناك تحدياً مقصود للبعد عن معطيات التعبير التقنية والارتكاز على المكان والجسد (في جزئيات الزمكان) وهي (مدرسة الظواهر) التي تؤكد صراع الذات والآخر في (زمكان محدد) هذا التركيز يحدث الآن في أكثر المدارس النخبوية والتجريبية اليوم.
فالمكان الذي صار كتلة تنحتها مجمل مفردات العرض صار بطلا بعد ان كان ميدانا للعب فقط وتحول من ملعب الى لاعب في الأعمال النخبوية اليوم وهو مكان شعري مليء بالضجيج والضوء والخلفيات الموسيقية والمؤثرات الضوئية الذي ينسى اصلا تلك الصيغ اللفظية التي تحدثنا عنها في لغة التمثيل من هذه المقالات.
ويبدو ان نسف المكان على أساس انه تشكيل من اللوحات والديكور والإكسسوارات قد تعدى ذلك الى نمط التمثيل الجامد فصار التمثيل لغة حركية مضطرمة تحرك الإنسان والجماد معا.
وكما ترون فقد اجهز المعنى الحديث مسائل مثل اللوحات والصور التعبيرية التي اشار احد الباحثين المسرحيين المعروفين الى ضررها البالغ,, لذلك كانت مدرسة الفراغ والجسد من أكثر المدارس شيوعا رغم اننا في عالم تحتويه الآلة لكن المسرح يرجع منكفئا في تقدمه الى بدائيته في عالم الإنسان الفطري.
هذه المفاهيم الحديثة ومن أي طريق أو مدرسة سلكتها سواء على أساسها الواقعي المباشر أو من منطلق التراث ستجد نفسك متورطا بالرقص الآني العاطفي المتلبس (زمكان) ولو كنت من اقرب المقربين للمنهج الملحمي لأن الدخول في عالم سينوجرافي مكتمل العناصر هو في حقيقته الذي هرب منه منظرو المسرح الملحمي والواقعي الحديث واقصد به النفي فأنت بلا شك تنفي بدءا في قلب المكان الى كتلة ويكون تفاعلك مع خطوط نحت غير واقعية تقدم لك الحدث بأقرب وسيلة.
قد تكون القراءة في الفراغ على انها كتلة وهي ما رددناه اليوم تحتاج للكثير من التفريعات وهي أمر يعوقها المكان من طبيعة النشر الصحفي الذي احاول ان ابعده عن جمود المقروءات الى الطرح الصحفي لكني سأعود لاستكمال الحديث عن الفراغ من باب التشكيل والتشريح المسرحي.
اشارة:
اقول للأخ المسرحي ع, ع, شكرا يا أخي ولكن هذه المقالات ليست اكاديمية كما وصفتها بل هي قراءات واقع المسرح المعاصر اليوم انشرها من منطلق قريب للتواصل بين الناس والثقافة المسرحية,, ولكن لا أوافقك بوجوب استمراري بنشرها وترك نشر النقد على المسرحيات السعودية التي اراها لأن أي مسرحية هي مدخل قوي للتنظير في أسلوب الفن شكلا ومضمونا.
Othaimm@hotmail.com

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved