| الثقافية
يروي الكاتب الإيرلندي الشهير فرانك أوكونور في كتابه (الصوت المنفرد) الخاص بمقالاته حول القصة القصيرة وتقنياتها الكتابية، يروي مقولة أو نصيحة اسداها إليه كاتب أكبر منه سنا هو وليام أوفلاهارتي يقول فيها (إذا كنت تستطيع ان تصف دجاجة تعبر الطريق فأنت كاتب حقا)!!.
هل من الصعب على فتى في الثانية عشرة ان يصف لنا دجاجة تشق طريقها متهادية بين ضفتي شارع؟ بالطبع كلا، لكننا ما ان نطالع وصفه ذلك حتى نمسح بأيدينا على رأسه مجاملين ببرود، دون ان نلمس أو نحس في كتابته شيئا مميزا أو مختلفا يشدنا الى مشية الدجاجة ويقنعنا بخطرها وضرورة متابعتها وهي مجرد دجاجة حتى تختفي عن الأنظار.
إن الكاتب الحقيقي هو ذلك الذي يسترعي انتباه القارىء الى المعنى الذي هو بصدده، ويأخذ بمجاميع القلب الى متابعته والإصغاء إليه، وبجميع الحواس الى الترقب والاستشراف، حتى نرى معناه ماثلا أمامنا,, ونسمع,, ونلمس,, ونستدعي خبرات سابقة وقديمة استقرت في مجاهل اللاوعي عندنا نحن المتلقين, هنا يصبح الكاتب ناجحا ومؤثرا.
ونحن إذ نتحدث عن المعنى لا نقصد بالضرورة ذلك المعنى الشريف العظيم، فهذا النوع من المعاني لا يحتاج الى مزيد حذق من الكاتب بل فهو كفيل بإيصال نفسه الى المتلقي وإن قصر اللفظ او الصياغة الفنية من لدن الكاتب، وإنما نقصد المعنى البسيط المتكرر والعادي بحيث لا يلفت الانتباه في العادة كمشية الدجاجة مثلا!! بحيث يحتاج هذا المعنى الى مزيد من حسن صناعة الكاتب وتقنيته من تغيير جهة النظر,, أو تركيز الإضاءة او خفضها,, او رفع الصوت! أو صبغ المعنى بلون مشع يخلب بصر المتلقي ويلقي به منقادا في حضرة المعنى.
وهذا المفهوم هو ما اصطلح النقاد العرب القدماء على تسميته (إصابة المعنى) بحيث لا يشفع للكاتب او الشاعر ان يقترب من المعنى أو يورد الشبيه والنظير.
وإنما عليه ان يصيب كبده وحقيقته دون سواه، وقد ورد شيء من هذا عند أبي هلال في الصناعتين حيث يقول (إن الكلام ألفاظ تشتمل على معان تدل عليها وتعبر عنها، فيحتاج صاحب البلاغة الى اصابة المعنى كحاجته الى تحسين اللفظ,, لأن المدار بعد على إصابة المعنى).
ولعل من المناسب أن اختم بأبيات للمتنبيء وصف فيها مسير جيش سيف الدولة فأغرقنا بفيض من التصورات والتداعيات الخرافية عن هذا الجيش المعجزة وأصاب حقا معناه,, وإليك صديقي القارىء تقدير مدى نجاح الجد أبي الطيب في إصابة كبد المعنى أو إصابة كبدك أنت!!
أتوك يجرون الحديد كأنهم سروا بجياد ما لهن قوائم خميس بشرق الأرض والغرب زحفه وفي أذن الجوزاء منه زمازم تجمع فيه كل لسن وأمه فما تفهم الحداث إلا التراجم |
azalah@ hotmail.com
|
|
|
|
|